البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

التصوّر اللغويّ عند موريس غلوتن Maurice Gloton وأثره في ترجمة القرآن الكريم

الباحث :  نذير بوصبع
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  35
السنة :  صيف 2023م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  August / 3 / 2023
عدد زيارات البحث :  687
تحميل  ( 727.420 KB )
ملخَّص
هذه دراسة موجزة غرضها تقديم بعض النظرات اللغويّة لباحث فرنسيّ هو موريس غلوتن (Maurice Gloton)[2] الذي درس الإسلام انطلاقًا من العربيّة، وآمن -بعد رحلة من التأمّل والنظر- بحقائقه، وآمن بأنّ العربيّة لا تؤخذ إلّا من القرآن، لا من كلام العرب، حتّى الجاهليّ منه، قبل فساد اللسان...، فوضع نظريّة خاصّة لتعلّم العربيّة، ولفهم القرآن وترجمته على ضوئها. وأساس تصوّره اللغويّ هو الجذر الحامل للمعنى الذي تتفرّع عنه المعاني اللاحقة بالاستعمال، فيجب تقصّي معاني الجذر وتتبّعها وإزالة الغبار عنها. وقد بنى القرآن معانيه على ذلك الأساس، فهو الحاكم على كلام العرب والمقوِّم له، لا العكس، كما هو رائج في الدرس اللغويّ والنحويّ، وقد أجرى فحصًا واسعًا على طبيعة اللغة القرآنيّة ووقف على طبيعتها الإلهيّة وخصائصها، ووظّفها في قراءته للقرآن وترجمته. وفي هذه الورقة مدخل تتبّعتُ من خلاله هذه النظريّة وعناصرها.

كلمات مفتاحيّة: ترجمة، القرآن الكريم، موريس غلوتن، النظريّة.

مقدّمة
ارتبطت ترجمة القرآن الكريم بالنظريّات اللغويّة، وتعدّدت بذلك الترجمات وحفلت بالاختلافات المؤسّسة على الفلسفة اللغويّة لكلّ مترجم. في هذا المقال عرض للتصوّر اللغويّ وأسّسه عند الباحث الفرنسيّ موريس غلوتن
Maurice GLOTON وترجمته للقرآن الكريم، وكيف ظهرت فيها بوضوح فلسفته التي اجتمعت فيها الأبعاد اللغوية العربيّة والأبعاد العرفانيّة، مع تقيّده الشديد بالأسس القرآنيّة التي قامت عليها اللغة العربيّة، والابتعاد عن التقاليد القديمة في الدرس اللغويّ، التي ترتكز على الحقبة الاستدلاليّة المحدّدة من الفترة الجاهليّة إلى عصر الفرزدق.
فكيف استطاع موريس غلوتن أن ينقل نظريّته اللغويّة إلى ميدان الترجمة، وبأيّ آليّة تأويليّة نقل المعنى إلى المتلقّي، وهل كُتِب لترجمته التوفيق، وهل أرسى أسسًا تأويليّة قادرة على نقل المعاني الأزليّة للقرآن...؟ هذه جملة من الأسئلة الإشكاليّة التي تعامل معها المقال انطلاقًا من التنظير الذي قدّمه غلوتن ثمّ استعراض بعض الآيات من ترجمته، خاصّة تلك التي لها فرادة وخصوصيّة مع مقارنتها بترجمات لبعض الأعلام، مثل محمّد حميد الله وجاك بارك وكازيميرسكي وغيرهم.

وقد اتبع البحث المنهج التحليليّ المقارن، مع الرجوع إلى التركيب المناسب للتفسير والتعليل.

1. النظريّة
لا ينفصل التعامل مع النصّ القرآنيّ عن التأويل؛ لأنّ اللغة ليست أرقامًا محدّدة القيمة أو مادّة حقائقها معلومة وثابتة، بل هي بحث يتجاوز البنية إلى الذات التي أنتجتها، أي الإنسان، بكل روافده وخلفيّاته المعرفيّة والثقافيّة والاجتماعيّة، وهي ذات عاقلة فاعلة ومنفعلة في آن، تتلقاها ذات أخرى معادلة لها في القوّة ومتناقضة في الإرادة والرغبات، لتغدو اللغة مسرحًا لاستعراض الصراعات البشريّة ويصبح الفهم اقتراحًا تتفاوت قوّته بحسب الحجّة التي تسنده. ويزيد الاستعمال والتداول اللغة اتساعًا وجموحًا، حيث إنّ للغة جانبين: جانب الوضع، وهو الجهة الثابتة فيها، وجانب الاستعمال، وهو الجهة الخاضعة للسياقات المختلفة. والسياق قوّة عاملة تؤثّر في اللغة ودلالاتها، وهذه القوّة تتجاوز حدود الكلمات إلى عوامل أخرى أفعل من الكلمات، عوامل اقتصاديّة وإعلاميّة وإغرائيّة وماليّة تشترى بها المعاني والإرادات وتغدو معها المجامع العلميّة اللغويّة مقاولات تخدم أغراضًا غير لغويّة.

واللغة القرآنيّة قد عرفت في بعض مراحلها ضغطًا خارجيًّا من المجتمع ومن السلطة جعلت من يتصدّون للتفسير يلجؤون إلى استمدادات خارجيّة أو سياقيّة لتبرير ما فسّروا به هذه الآية أو تلك، ويتّخذون منه رِدءًا يخفون وراءه مقاصدهم وأغراضهم، خاصّة وأنّ حركة التفسير والتأويل كانت ضمن مناخ جدليّ داخليّ وخارجيّ، مكتنف بالمذاهب الكلاميّة والفقهيّة والتيّارات السياسيّة، فلم تكن هناك سلطة إقناعيّة أعظم من كتاب الله، فتبارى المفسّرون على جذب معاني الآيات إلى ما يؤيّد وجهة نظرهم، ويجمع الناس على كلمتهم في وجه خصومهم.
من هذا الملحظ كان مشروع موريس غلوتن، الذي أراد أن يأخذ الحقائق من منابعها قبل أن يختلط بها نبات الأرض، يأخذها من القرآن بطريقة موضوعيّة أشبه بالحساب والتجريب الذي يقدّم الحقائق مشفوعة باليقين.

والنظريّة كما عرفها معجم لالاند:
1. مقابل ممارسة في نظام الوقائع: ما يكون موضوعًا لمعرفة متجرّدة، مستقلّة عن تطبيقاته «بطيفيّة عامّة تتعارض الممارسة مع النظريّة. مثلًا الفيزياء البحتة هي بحث نظريّ، والفيزياء المطبّقة تتعلّق بالتطبيق».
2. مقابل ممارسة في النظام المعياريّ، ما يمكنه أن يشكّل الحقّ المحض أو الخير المثاليّ، المتميزين عن الواجبات والفرائض المعترف بها عمومًا.
3. في مقابل المعرفة العامّيّة: ما يكون موضوعًا لتصوّر منهجيّ، منظًّمٌ نسقيًّا، ومرتبطٍ من ثم، في صورته، ببعض القرارات أو المواضعات العلميّة التي لا تنتمي إلى المعنى العامّ.
4. في مقابل المعرفة اليقينيّة: إنشاء فرضيّ، رأي عالم أو فيلسوف في مسألة خلافيّة، «نظريّة الخطأ الديكارتيّة».
5. في مقابل تفاصيل العلم: توليف عامٌّ يأخذ على كاهله تفسير عدد كبير من الوقائع، ومسلًّم به من قبل معظم علماء عصر ما، بوصفه فرضيّة معقولة[3].

1. 1. نظريّة المعنى
تدرس فلسفة اللغة نظريّة المعنى، وترجع أهمّيّة موضوع المعنى وضرورة البحث فيه إلى أنّ لدى الفيلسوف والمنطقيّ أسئلة لا يستطيع تناولها دون أن تكون لديه فكرة واضحة عن المعنى، ومن هذه الأسئلة: كيف يتعلّم الأطفال معاني الكلمات؟ وما العلاقة بين اللفظ والمعنى؟ كيف تتغير معاني الكلمات حين تتطوّر اللغات؟ هل لاسم العلم معنى غير مسمـّاه؟ هل لكلّ كلمة معنى واحد محدّد أم لها عدّة معان؟ وكيف ترتبط هذه المعاني المختلفة للكلمة الواحدة؟ ما الترادف وما معياره؟ متى نسمّي المعنى غامضًا؟ وما المقصود بالمعنى؟ وعم نسأل حين نسأل عن المعنى؟ ونجيب إنّنا نسأل عن معنى الكلمة ومعنى العبارة ومعنى الجملة ومعنى القضية: معنى كلمة أحمر أو أخ مثلًا..، فالمقصود بمعاني الكلمات أو الجمل هو أن نبحث في الشروط التي يجب توافرها حتى يكون للكلمات أو الجمل أو القضايا معنى. وحين يختلف الفلاسفة والمناطقة في تحديد هذه الشروط تنشأ نظريّات عدّة في المعنى[4].

وتصنّف نظريّات المعنى في ثلاث نظريّات، هي النظريّة الإشاريّة في المعنى، والنظريّة الفكريّة، ونظريّة المنبّه والاستجابة.
تقول النظريّة الأولى إنّ كلّ قضية مؤلَّفة من أسماء، وإنّ معنى الاسم هو مسمّاه ذاته عند بعض أصحاب هذه النظريّة، أو أنّ معنى الاسم متميّز من مسماه عند بعض آخر؛ ولذلك تسمّى أيضًا النظريّة الاسميّة في المعنى، لكنّهم مختلفون فيما بينهم اختلافًا شديدًا في مواقفهم، فهم ليسوا تحت مقولة واحدة، وهذه المسألة -الاسم والمسمّى والعلاقة بينهما- قد أثارها المسلمون قديمًا انطلاقًا من القرآن، في آيات مثل: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)..، وتخاصموا طويلًا في ذلك بين قائل إنّ الاسم عين المسمّى، وآخر يراهما متباينين...[5]
وتقول النظريّة الثانية إنّ الكلمة تشير إلى فكرة في الذهن، وإنّ هذه الفكرة هي معنى الكلمة، ويعتبر جون لوك رائدًا لهذه النظريّة، ويمكن أن يلحق بها آخرون مثل جورج مور الذي يقول إنّ اللغة تصوّر، وقد بحثها فلاسفة الإسلام في قضيّة اللفظ وإحالته على متصوَّرٍ ذهنيّ أم على موجود خارجيّ.

وتقول النطريّة الثالثة إنّ معنى الجملة هو الموقف الذي ينطق فيه المتكلّم جملة ما وتعقبه استجابة لدى السامع، أو أنّ المعنى هو المنبّه الذي يثير استجابة لفظيّة معيّنة، ومن روّاد هذه النظريّة ليونارد بلومفيلد، ويجد بعض المناطقة بعضَ وجاهة لهذه النظريّة في بعض جوانب البحث في المعنى مثل راسل وكواين، ولكنّهم لا يقبلون نظريّة بلومفيلد في طبيعة اللغة[6].

نجد عند فلاسفة اللغة تصنيفًا آخر لنظريّات المعنى إذ يصنفونها إلى خمس نظريّات هي:
نظريّة أفلاطون التي تقول إنّ المعاني هي النماذج الخالدة أو المثل.
نظريّة لوك التي تقول إنّ المعاني هي الأفكار التي تدلّ عليها الكلمات.
النظريّة القائلة إنّ المعاني هي الأشياء التي نجدها في العالم ذاتها، أو أنّ معنى الاسم هو مسمّاه.
نظريّة فتجنشتين القائلة إنّ معنى الكلمة هو مجموعة استخدامات الناس لها في اللغة العاديّة.
النظرية السلوكيّة التي تقول إنّ المعاني هي المنبّهات التي تثير استجابات لفظيّة.
ونظريّة الوضعيّة المنطقيّة.

ونجد أخيرًا ألفرد آير Ayer الذي يشير إلى نظريّة أخرى في المعنى هي النظريّة البراغماتيّة عند تشارلز بيرس الذي رأى أنّ تصوّرنا لشيء ما يتألّف من تصوّرنا لآثاره العمليّة، فالتيّار الكهربائيّ مثلًا لا يعني مرور موجة غير مرئيّة في مادّة ما وإنّما يعني مجموعة من الوقائع مثل إمكان شحن مولّد كهربيّ أن يدقّ جرس، أو أن تدور الآلة[7]. وإذن فالتصوّرات المختلفة التي تحقّق نتيجة عمليّة واحدة أو معنى واحد، والتصوّرات التي لا تنتج عنها آثار لا معنى لها[8].

غلب على اللسانيّات التقليديّة إهمال المعنى، لكونه من الموضوعات التي تشتغل عليها الفلسفة، فقد تصوّر الفلاسفة بنية لطريقة التعبير المنطقيّ (Logical experssion) وتوقّعوا لهذه الطريقة أن تكون مضبوطة غير ملبّسة، وأن تكون مختصرة[9].

لعلّ مردّ الكثير من التباينات في الرأي داخل المنظومة الحجاجيّة هو قلّة العناية بفحص المقدّمات وتنقيح المفاهيم، والمسامحة في طلب الحقائق. فقد انهمر طوفان الأفكار على فضاءاتنا الثقافيّة واحترنا بين صدّه أو الانحناء أمامه والخشوع أمام مدّه. ويبدو أنّ الرأي الغالب على البحث الأكاديميّ قد حسم موقفه واتجه إلى التسليم بمعطيات الفكر الغربيّ أصولًا وفروعًا، ونذر نفسه لاحتضانها وعقاب نفسه بالبحث عن تبرير علميّ لائق، وتنافس الباحثون تنافسًا مسعورًا كلٌّ بما استطاع، وبما لم يستطع أحيانًا، ليقول كلمة يقدّمها كالقربان داخل المعبد، لا ليقنع -فهو غير مقتنع- بل ليلحق بمن يظنّ أنّه آت من قمم الوجود وعوالي الجوهر وصفاء الماهيّة ونهاية النهاية... نعم، إنّ هذا التوجّه الجماعيّ في البحث الذي يشبه حركة الحجيج في ذروة الموسم يثير الحيرة ويزرع الشكّ في النفس، حتّى يكاد الملاحظ يرمي نفسه بالجهل عن إدراك ما حوله، بل يكاد يبحث له عن علاج لا عن كتاب يقرأه لعلّه يرى ما يراه الناس من حوله..

إنّ هيمنة التجريبيّة ولواحقها من وضعيّة لغويّة ومنطقيّة، إلى البراغماتيّة، وما واكبها من مؤسّسات حاضنة لها ومدافعة عنها، كلّ ذلك فرض على العقل لونًا ومذهبًا خاصًّا في التفكير، يكاد يصبح موحّدًا ومقننًا، حتى غدا مع هذا الوضع الجديد مجرّد التفكير أو النقد قضيّة قائمة بحدّ ذاتها قد تحتاج إلى شجاعة وجسارة.

وقد تأثّر البحث اللغويّ المعاصر بالتطوّر الذي لحِقَ المجالات الأخرى، كعلم النفس وعلم الاجتماع والمنطق وحتّى الطبيعيّات، فتجاذبت البحث اللغويّ مؤثراتٌ وعواملُ خارجيّة أفقدت الباحثين التركيز وعدم الاطمئنان إلى النتائج التي توصّلوا إليها. إنّ تداخل المعارف كما هو الحال في اللغة واللسانيّات ينبغي أن يُقتصد فيها ولا يُسرف؛ لأنّ غايات العلوم متباينة ومناهجها كذلك، كما يظهر في بعض التحليلات المنطقيّة للمعنى عند مور وكواين، وغيرهما، ذلك أنّ للغة نظامَها الخاصّ ومنطقها الذي يدخل فيه السماع، أي التاريخ الناقل والحافظ لها.

1. 2. نظريّة المعنى في الترجمة
قد يكون لهذا العنوان خصوصيّة، إذ يقال ويطلق دائمًا مقرونًا بمقابله وهو النظرية الحرفيّة أو النصّيّة، التي تهتمّ باللفظ أكثر من اهتمامها بالمعنى، وهذا بخلاف العنوان السابق، الذي يقصد به كيفيّة تشكّل المعنى في الذهن وكيف يتصوّره الإنسان، وقيمة الكلمة في كلّ ذلك... إلخ.

تبقى للمعنى صدارته واستيلاؤه على تركيز صاحب القلم أو اللسان، المؤلّف أو المتحدّث، سواء في التأليف أو في الترجمة، وهذه قضيّة مسلّمة، لكن مشكلة التعادل بين اللغات أو اللغتين -الأصل والهدف- تطرح وتطرح معها أسئلة وإشكالات تنال اللغتين، وتدفع الباحث دفعًا إلى الغوص في الأعماق الثقافيّة والمعرفيّة للغتين، فضلًا عن نحوهما ولغتهما وخصائصهما، وجذورهما بل وأرومتهما، فكأنّ الترجمة عمل يستبطن مقارنه بين ثقافتين وحضارتين. ولعلّ هذا التشابك والتراصّ المعرفيّ في بنية اللغة هو الذي كان وراء ظهور النظريّات المتعدّدة في الترجمة وكيفيّة نقلها للمعنى.
يصف إرنست جونز في كتابه حياة فرويد الطريقة التي كان يترجم بها فرويد، متسائلًا عمّا يدور في ذهن فرويد بعد أن يقرأ كتابًا، ويتصوّر إرنست جونز أنّ ما يحدث هو ظاهرة تعطي مفتاح آليّات اللغة: تلاشي الأشكال اللغويّة للنصّ الأصليّ مفسحة المجال أمام إدراك المعنى.
وماذا يحدث عندما كان فرويد يلبس الأفكار الأجنبيّة لغةً ألمانيَّةً؟ ويتصوّر جونز أنّ فرويد يتناول أفكار الآخر كأنّها أفكاره، ويعيد التعبير عنها بالطريقة نفسها التي كان سيعبّر بها عن أفكاره، وهذا ما يعطي ترجمته أناقة وتلقائيّة توحي للقارئ أنّ النص كتب أساسًا بالألمانيّة[10].

مشيرًا في ثنايا تحليله إلى اعتماد فرويد نظام المقاطع والوحدات في الترجمة، بدل استيعاب النصّ بكليّته ثمّ البحث عن صياغة ترجميّة ملائمة، ويبرّر الكاتب هذا الفعل باكتفاء الفقرة بمادّتها المعنويّة، وربما أدّى ربطها بالتي تليها بنسيان بعض التفاصيل، وفي ذلك إخلال بجودة الترجمة وأمانتها[11]. كما أنّ بقاءه على مستوى الجملة الواحدة قد يحصره في دائرة الذاكرة الشكليّة (أو الذاكرة المباشرة أو قصيرة المدى)، وحينها يقع تحت سلطة الدلائل للغة الأصليّة، فينقل مدلولاتها، ممّا يسم لغته بصيغ اللغة الأجنبيّة[12].
ومع المعنى في الترجمة تطرح مشكلة البناء المعرفيّ للمترجم، فهو حين يتعامل مع نصّ أجنبيّ تقفز إلى ذهنه المعاني التي تعلّمها في بيئته وبلغته الأمّ، وحين يروم نقلها إلى لغته، يتوزّع ذهنه بين فرضيّتين: فرضيّة التعادل الدلاليّ بين الألفاظ ونظائرها، وبين التوازي الدلاليّ، الذي يقترب من فكرة الترادف في اللغة الواحدة، علمًا أنّ الترادف يعني تقارب المعاني لا تطابقها. وهذه قضيّة تلازم العمل الترجميّ، ولا تنفكّ عنه.

ويزيد التراكم الدّلاليّ في اللغة القرآنيّة الأمر صعوبة، ويقف المترجم حائرًا بين مهام ترجميّة متعدّدة: ترجمة اللغة القرآنيّة؛ لأنّها لغة خاصّة ذات مفاهيم اصطلاحيّة، أي محدّدة الدلالة، بحكم تعبيرها عن مفاهيم غيبيّة تفوق بنية العقل، وأعني بالترجمة هنا الترجمة إلى اللغة ذاتها حتّى إذا اطمأّن المترجم إلى ترجمته الأولى عبَــَر إلى اللّغة المستهدفة، وفي كلتا الترجمتين يلجأ إلى التأويل، لأنّ اللغة القرآنيّة مبنيّة على ألفاظ اللغة العاديّة غير أنّ انتقال اللفظ إلى دائرة الاصطلاح أكسبه معنى آخر جديدًا، ويضطر المترجم إلى التأويل حتّى تستقيم له المعاني وفق نواميس اللغة المنقول أو المترجم إليها.
وكان من أوائل من أثاروا قضيّة التعادل بمفهومها الحديث ياكوبسون، حين فحص قضايا الترجمة ومنها قضيّة المعنى اللغويّ Linguistic meaning، والتعادل Equivalence.
ويتّفق ياكوبسون مع دي سوسير وهو يأخذ عنه العلاقة بين الدالّ والمدلول، وأنّهما يشكّلان العلامة اللغويّة linguistic sign وأنّ هذه العلامة تعسّفيّة أو اعتباطيّة[13]، وزاد محمّد عناني مفردة (توقيفيّة)، وجعلها مرادفًا للتعسّف[14].
والحقّ أنّ التوقيف لا يرادِفُ التعسّف في مدلوله ولا يشبهه؛ لأنّ التوقيف هو رصد المعاني وربطها بالألفاظ، وهذا الارتباط بين اللفظ والمعنى ليس اصطلاحًا بشريًّا، بل سماويّ أو إلهيّ، مع عدم قابليّة التبادل في المعاني بين الألفاظ، فوجود رابطة راسخة بين اللفظ والمعنى أمر واقع في حال التوقيف خلافًا للاعتباط أو التعسّف.

ولا يتحقّق تعادل المعنى بين كلمتين من لغتين مختلفتين، وعلى المترجم كما يقول ياكوبسون «إحلال رسائل بلغة ما محلّ رسائل كاملة بلغة أخرى لا محلّ شفرات منفصلة»، ويتجه اهتمامه إلى إعادة صياغة الشفرة الخاصّة بهذه الرسائل التي تلقّاها من مصدر ما ويعيد إرسالها، فالمترجم إذن يعني وجود رسالتين أو مضمونين بشفرتين مختلفتين[15].

2. أسس النظريّة عند غلوتن
بنى موريس غلوتن نظريّة المعنى كما تصوّرها على مجموعة من الأسس التي استخلصتها بالتتبّع لما كتبه وعرضه في مصنّفاته التي تفاوتت في ذلك بين تقرير لوجهة النظر إلى تطبيق لتلك الوجهة. وهذه الأسس هي:

2. 1. استصحاب المعنى الجذريّ للغة
سمة الثبات غالبة على الفلسفة اللغويّة عند غلوتن، وقد تحقّق له ذلك بما وجده من معنى داخل الجذر الثلاثيّ للكلمة، فهذا الجذر يسري معناه الأبديّ في سائر الاشتقاقات واللواحق، وهو كالجسر الواصل بين ضفّتين متباعدتين.
ذلك أنّ المادّة الأصليّة لكلّ كلمة تكاد تكون ثابتة لا تطويها الأزمنة، إلّا إذا كانت دخيلة، كما يقول محمّد المبارك، فترجع حينئذ إلى أصل في اللغة الأجنبيّة التي أخذت عنها، وظهور الصلة بين معاني الكلمات ومعاني أصولها التي اشتقت منها هو القاعدة الغالبة، وليس الأمر كذلك في غيرها من اللغات الحيّة، لثبات الحروف الأصليّة وبقائها مهما تبدّلت أشكال الألفاظ التي تتكوّن منها في أبنيتها وتصاريفها أو تبدّلت معانيها[16].
جعل موريس غلوتن الثبات أحد أركان فلسفته اللغويّة، وطبّقها في أعماله الترجميّة وآخرها ترجمته للقرآن الكريم، وقبلها عمله الكبير

Une approche du Coran par la grammaire et le lexique.[17]
وهو عمل سابق وممهّد لترجمته القرآنيّة، التي تمثّل اكتمال نضجه الفكريّ ونهاية تصوّره اللغويّ وأبعاده التأويليّة.
والجذر العاري والمجرّد هو الحامل للمعنى الأوّليّ الذي تدور عليه المعاني اللاحقة بالاستعمال:
La racine nue, composée uniquement de consonne, comporte toujours une notion principale et très souvent des acceptions plus ou moins nombreuses. Des voyelles ou d’autres consonnes outils ou grammaticales affixées aux consonnes de la racine nue viennent infléchir son sens premier et permettent alors d’exprimer des nuances particulières attachées à l’idée maitresse impliquée dans chaque racine.[18]

ويؤمن غلوتن بأنّ بنية الكلمات في القرآن الكريم موزّعة بحسب الكيانات المعنويّة الكبرى التي تحدّدها وحدة الجذر، وهذا التوجّه أو الفهم يساعد لاحقًا في الاقتراب من رصد النظريّات والمفاهيم البارزة:
La méthode des lexicographes de langue arabe qui consiste à classer les mots de cette langue selon un ordre rigoureusement étymologique conduit à donner une signification d’ensemble de tous les mots appartenant à la même racine.[19]

وتوزيع الحروف وتحريكها هو الذي ينتج التعدّد في المعنى والتنوّع فيه، وهو أمر إلهيّ؛ إذ إنّ حركة أو إبدالًا أو إعلالًا ينتج معنى آخر، وحرفًا من حروف العلّة يدخل على الكلمة ذات الأحرف الصامتة ينقلها إلى معنى جديد، كلّ ذلك أمر يستحقّ النظر والاعتبار:
C’est Dieu En tant qu’Auteur par excellence qui produit tous les actes différenciés de Ses créatures et qui va mettre en mouvement les principes ou concepts contenus dans chaque racine composée uniquement de consonnes. Chaque acte réalisé par les êtres produits va engendrer à son tour, par sa vie propre et en s’incorporant aux conditions particulières de notre monde, des conséquences, des traces qui paraissent immobiliser l’Acte divin.[20]

ويلجأ غلوتن إلى التأويل، لكن ليس بالرجوع إلى الخبرة الإنسانيّة، سواء أكانت خارجيّة أم استبطانيّة داخليّة، ولكن إلى نوع خاصّ من المرجعيّات. إنّه اللغة ذاتها ومعناها الجذريّ أو الوضعيّ الأوّل، قبل أن تستمدّ دلالات جديدة وهي تتقلّب بين أدراج الاستعمالات، وقبل أن يزاد على جذرها حرف آخر.
ومنذ ظهور الإسلام، تقلّب المسلم بين علاقتين مع الوحي: فهو، من جهة، يفهم الوحي انطلاقًا من ثقافته، واختياراته الشخصيّة، والظروف التاريخيّة التي تحيط به. ومن جهة أخرى يفهم العالم من خلال الإطار والمعايير والقيم التي علّمه القرآن إيّاها. والتأويل عنده حفر داخل الكمّة وليس بحثًا خارجها، أي أنّ العناصر الكاشفة عن المعنى كامنة في الأصل أو الجذر الاشتقاقيّ.

La dynamique de cette situation herméneutique a présidé à l’élaboration de la plupart des grandes disciplines de l’esprit en Islam classique-droit et critique littéraire, théologie, mystique, etc...[21].
وقد استعمل (أولمان) تعبيرًا يكشف عن قرب المعنى من الأصل أو بُعده، ووصف الألفاظ تبعًا لذلك بكونها شفّافة أو كثيفة، بحسب كونها كاشفة عن أصلها الاشتقاقي أو ساترة له غير كاشفة عنه، ويرى الأستاذ محمد المبارك أن أكثر ألفاظ العربية بهذا المعنى شفافة، واللغة العربيّة هي أبرز اللغات من جهة احتفاظ ألفاظها بأصولها الاشتقاقية، فظهور الصلة في اللغة العربية يسن معاني الكلمات ومعاين أصولها التي اشتقت منها هو القاعدة الثابتة[22].

وهو المعنى الذي جزم به ابن فارس وبنى عليه معجمه، وبه أحكم غلوتن بناء نظريته.
وقد ألمعت إلى أن اللغة في تصوّر غلوتن حسّيّة في منطلقها، وربما كان تصور الغالبية من الباحثين، لأن الإنسان استمدّ لغته الأولى من العالم الفيزيائي الحسي بالتقليد والمحاكاة، ثم نَقَل اللفظ من معناه الحسي إلى المعاني المجردة، متخذًا من خاصة المجاز جسرًا يسهل هذا الانتفال ويبرره.

Très tôt après l’expansion islamique à travers certaines régions du monde, les grammairiens et les lexicographes ont reconnu que la langue arabe et, en particulier celle du Qur’an se formait sur des racines consonantiques en très grande majorité trilitères, chacune d’elle représentant une notion concrète particulière constituant la racine sur laquelles s’élaborent les ramifications des mots les plus divers en animant par le jeu de la vocalisation, c’est-à-dire des voyelles fondamentales A.U.I.., les 28 lettres imprononçables sans elles[23].

وهذا ما سار عليه غلوتن في انتقاله من المحسوس إلى المجرّد، حتّى في أبعد الحالات وأكثرها خفاء وملامسة للغيب. فاتخذ من الاشتقاق وسيلته لبلوغ الدلالات الطارئة، سالكًا في ذلك مسلك ابن فارس حين بنى معجمه مقاييس اللغة على تصوّر واضح لم يحِدْ عنه، فردّ المعاني الاشتقاقيّة إلى المعنى الافتتاحيّ الأصليّ للكملة. وسواء اتفق مع ابن فارس في المعنى الذي حصل منه الاشتقاق أو اختلف، ففي كلتا الحالتين يتّفق معه في المبدأ من جهة، ومن جهة أخرى في الإساس الحسّيّ للمعنى.
«والاشتقاق توليد لبعض الألفاظ من بعض، والرجوع بها إلى أصل واحد يحدّد مادّتها ويوحي بمعناها المشترك الأصيل مثلما يوحي بمعناه الخاصّ الجديد»[24].

وهو ما يلاحظ في الاشتقاق الأصغر الذي يحتجّ به أكثر علماء اللغة، وطريق معرفته تقليب تصاريف الكلمة، حتى يرجع منها إلى صيغة هي أصل الصيغ كلّها دلالةَ اطّرادٍ أو حروفًا غالبًا...[25]
وواضح أنّه من الصعوبة استصحاب المعنى الجذريّ للكلمة، ذلك أنّ الجذر قد عرف ابتعادًا عن المعنى الأصليّ بسبب الاستعمال، واكتسب معاني جديدة، ‏خاصّة وأنّ العربيّة تناقلها الناطقون بها مشافهة لا كتابة، فكان للعوامل العرقيّة والمكانيّة ‏تأثيرها، وتعرّضت لتغيّرات شتّى، ‏ ولو قُدِّرَ لهذا الانتقال أن يكون مكتوبًا لاستقرّت المعاني. كما أنّ معاني الجذر الواحد متعدّدة في أغلب الكلمات، مع ما بينها من تقارب.
والمشكلة التي تواجه الباحث حيال هذا الوضع، هي كيفيّة إبراز المعنى العائد إلى الجذور أو الأصول وربطه باللغة القرآنيّة، في ظلّ التطوّر السريع الذي يغذّي الكلمة بجديد المعاني التي تغطّي المعنى الجذريّ، الذي يظلّ مرجعًا وأساسًا ينهض عليه معنى الكلمة، وعلى الباحث أو المفسّر الوصول إليه. والجذر الحامل للمعنى المولّد générique كثيرًا ما يتوارى خلف ركام النسيان تارة، والإهمال، تارة أخرى، كما قلت.

وتتضاعف الصعوبة في الوقت الحاضر حين يروم الباحث الرجوع إلى المعاني الأوّليّة لتراجع اللسان العربيّ وتقهقر البيان الناصع الذي كانت عليه.
أمّا الترجمة إلى لغة أخرى كالفرنسيّة -وبينها وبين العربيّة من الاختلاف مع العربيّة ما بينهما- فهي أمر شديد التعقيد.
فلو نظرنا إلى كلمة حبّ الدائرة في القرآن الكريم، وأخواتها التي تنتمي إلى الحقل الدلاليّ ذاته، كالودّ، فإنّنا نرى تعلّق غلوتن بجذر الكلمة المعجميّ، وهو معنى حسّيّ، مأخوذ من الطبيعة الفيزيائيّة.
فقد تعرض في كتابه (Le Coran, Parole de Dieu) لكمة حب، وودّ، وودُود، ورحمة، والرحمان الرحيم. معتبرًا أنّ هذه المفردات كلّها تحيل على الحبّ
Plusieurs termes lui font référence…
الحُبّ: ينطلق اللفظ من كلمة الحَبّ، ووجه الارتباط بالحُبّ، أن الحبّة تحمل في داخلها الحُبّ أو الشوق الذي صارت به قادرة على النماء في صورة نبات.
Al-hubb, l’amour en rapport avec la semence (habba), la graine contenant en elle l’amour pour qu’elle puisse se développer sous une forme arborescente[26].
وهذا الاختيار التمثيليّ ممكن، وتبرِّره المعطيات المعجميّة للغة العربيّة،
Cette assimilation est possible car la racine H.B.B, de ce nom comporte les deux acceptions d’amour et de semence[27].
فإذا رجعنا إلى ترديدات ابن فارس لكلمة حبّ، والمحبّة، نراه يرشح لها المعنى الأوّل ‏وهو اللزوم (لأنّ للحاء والباء أصول ثلاثة: اللزوم والثبات، والحبَّة، والثالث وصف ‏القِصر)‏‏[28].
فيقول: «وأمّا اللزوم فالحُبُّ والمحبّة، اشتقاقه من أحبّه إذا لزمه»[29]‏‏.
والكلمة الثانية هي الودّ، وترجمها بـAffection ou attachement fidèle d’amour. ويعود جذر هذه الكلمة إلى وتد، أو الوثاق، ce nom signifie étymologiquement le pieu ou l’attache fixe, ce qui se fixe solidement en terre. ومنها اشتقّ الودود، أحد أسماء الله الحسنى[30].
والكلمة الثالثة هي لفظ الجلالة اللّه، وهي نفسها تعود في اشتقاقها إلى جذر لغوّي يدلّ على الحبّ الغامر الشديد، Le Nom Allah, quand on lui attribue une dérivation, comporte aussi le sens d’un amour intense.
وقد صرّح في مواضع أخرى بالمأخذ الاشتقاقيّ للفظ الجلالة، مقتفيًا أثر السابقين حين تعرّضهم لذلك، وهذا المأخذ هو الوَلَه، ومعناه الحبّ في درجاته القصوى. واختار الاشتقاق على العَلَميَّة التي قال بها غيره من القدامى كالرازي والخليل وسيبويه، وهو قول الأكثرين[31]. والمانع من الاشتقاق عندهم أن ذلك يجعل معناه معنًى كليًّا لا يمنع نفس مفهومه من وقوع الشِّرْكة فيه[32].
أمّا القائلون بالاشتقاق فتعدّدت الاعتبارات المعنويّة التي رأوها، والذي يعنينا في هذا المقام هو الرأي الذاهب إلى أنّه مشتقّ من وَلِهَ لكون كلّ مخلوق والهًا نحوه، ولهذا قال بعض الحكماء: الله محبوب للأشياء كلّها، وعلى هذا دلّ قوله تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)[33].
والكلمة الرابعة هي الرحمان الرحيم، وهما كلمتان لكن يكثر تلازمها في القرآن حتى صارا كالكلمة الواحدة، وترجمهما غلوتن انطلاقًا من البحث في الجذر، مع إلماعه إلى الترجمة الدارجة لهما، وهي:

Le Tout et Très Miséricordieux,
والتّرجمة التي تشتقّ من الجذر اللغويّ هي:
…que l’on peut aussi traduire «Le Tout et Très Rayonnant d’Amour[34]».
وهذه الترجمة انفرد بها غلوتن وهي تتويج لتأمّلاته في اللغة وما تفيض به من معانٍ، كما أنها تتلاقى مع نزعته الصوفيّة.
وتكفي الإشارة إلى بعض المترجمين للقرآن الكريم وكيف ترجموا هاتين الكلمتين. لنأخذ ترجمة كازيميرسكي، البولندي المتفرنس، فهي عنده:
في البسملة وفي الفاتحة …clément et miséricordieux…
وكذا في درج سورة الحشر (L’Emigration)
..il est clément et miséricordieux[35].
وترجمها جاك بيرك كذلك بـ:
Le Tout miséricorde, le Miséricordieux[36].
وترجمها محمّد حميد الله بـ:
Le Tout Miséricordieux, le Très Miséricordieux[37]
وكذلك في سورة الحشر وسائر السور التي وردت فيها.
وترجمها Edouard Montet:
Le Très Miséricordieux, Le compatissant[38].
وترجمها Jean Grosjean بـ:
Le Miséricordieux plein de miséricorde...[39].
وترجمها الأستاذ عبد الله بينو الفرنسي Penot بـ:
Le tout miséricordieux, Le très Miséricordieux[40].
وترجمة عبد الله بينو إلى الفرنسيّة هي آخر ترجمة حتى الآن.
ونختم بترجمة محمّد شيادمي بـ:
Le Clément et le Miséricordieux[41].

سواء في البسملة أو في درج القرآن الكريم.
إذن قد انفرد الأستاذ موريس غلوتن بتلك الترجمة التي تعكس مذهبًا فلسفيًّا ونظريّة خاصّة تأخذ من اللغة ومن العرفان الذي لا يبارح فقه اللغة أو الفيلولوجيا، ومن ثمّ كانت اللغة هي البوّابة إلى المطلق. وتلك حصيلة بحث وتأمّل. واختياره لتلك الترجمة لما في ذلك من ملاءمة للجذر أو الأصل اللغويّ الذي اشتُقَّتا منه، فالجذر (ر. ح. م) يعني فيما يعني الشفقة والرَّحِم واللِّين، قرابة النسب، أو حالة من الحبّ يتولّد منها ما فيه صفة الأمومة والرَّحِمِيَّة...،

والرحمة - كما يقول القشيري رحمه الله -صفة أزليّة-[42]،
Il s’agit de significations liées à un processus d’amour qui donne naissance à une création de type maternel et matriciel[43].

فهي تتعلّق بمعنى مرتبط بمخاض وتقلّبات من الحبّ الذي يفضي إلى ميلاد مشدود إلى مشاعر الأمومة، كما قال في الجملة السابقة.
ولاحظ غلوتن وهو يستعرض أسماء الله الحسنى أنّ كثيرًا منها يدور حول الحب باعتبارات مختلفة، وهو ما دفعه إلى استنتاج الصفة الذاتيّة للخالق، وهي الحبّ، وهذا الحبّ هو الذي يتجلّى في جميع خلقه سبحانه وتعالى، وما الوجود إلا تجلٍّ للعشق:
Dieu est donc en Soi Amour et cet amour intrinsèque se propage à toute Sa création, mais Ses créatures sont plus ou moins réceptives à Son Amour[44].
ويتفاوت الناس في تلقّيهم الحبّ الإلهيّ أو تجسيدهم له بتفاوت الصّفاء النفسيّ، والـمَلَـكة التي يربّيها العمل والمجاهدة، وفي القرآن الكريم تتعدّد الشواهد المباشرة، كما يأمر الخالق نبيّه عليه الصلاة والسلام بتبليغ الإعلان الإلهيّ بذلك:
Dans le Qur’àn, Dieu ordonne à Son Messager qu’il nous transmette cette prescription: Dis! Si vous aimez Allah, conformez- vous à moi (il s’agit du Prophète), alors Allah vous aimera et recouvrira vos péchés, car Allah est Très Miséricordieux[45].
والله يأمرنا بأن نتملّى صفة الحبّ ونرتفع إلى مقامها من خلال اتّباع نبيّه، وهو الإنسان الكامل الذي استوفى الحقيقة:
Dieu ordonne à son Prophète qu’il nous transmette cette prescription: Dis! Si vous aimez Allah conformez-vous à moi, alors Allah vous aimera et recouvrira vos péchés, car Allah est Très Recouvreur, Très Miséricordieux (Qur’an 3- 31).

وبناءً على هذه الحقيقة، لا يتعدّى التّأويل عند غلوتن البحثَ عن المعاني الأصليّة، أي الرجوع إلى البداية التي فَصَلَت عنها الكلمة. وهذا يعطي عنده معنًى جديدًا للتأويل يخالف ما هو دائر في الأوساط اللغويّة المعاصر، حيث يتّجه الذهن أثناء التأويل إلى الخارج، أي خارج النصّ أو الكلمة، أمّا غلوتن فيأخذ العقل عند اتجاهًا داخليًّا، أي داخل النصّ والكلمة بحثًا عن معناها الأوّل الذي بعث معها.
Le terme taw’il signifie par son étymologie: faire ramener ou remonter à l’origine. Ce vocable prend alors une signification inverse à la racine N Z L. La Descente de la Parole est une «entrée» dans la sphère de la création, le taw’il est le retour à l’origine[46].

2. 2. إيثار الجمال على الجلال
من ركائز النظريّة اللغويّة العرفانيّة عند غلوتن تصوّره أنّ الجمال يقع في الصدارة من المعاني الأخرى، ويترجم، ويؤوّل أيضًا أسماء الله الحسنى الدالّة على الجلال في ظاهرها بما يجعلها قريبة من الجمال.
وهذه النزعة محصّلة لتصوّره للوجود، إذ يرى أنّه تجلِّ للحبّ والعشق الإلهيّ وانبثاق منه، ومن لوازم الحبِّ الجمالُ وما يُشتقُّ منه من معاني، وما يتفرّع عليه من حقول دلاليّة. ولوازم الحبّ وفق هذا التصوّر القرآنيّ أن تكون الصدارة لمعاني الجمال، أي الرحمة والمغفرة والرأفة واللطف، التي اتصف بها الخالق، وسائر الصفات القريبة منها في المعنى.
ويرى جولدتسيهر أنّ هذه الفكرة فلسفيّة الأساس، فالصوفيّة يحبّون العمل تحت شعار التأثير المزدوج للرعاية الإلهية الموحَّدة: القدرة والقهر من جانب، واللطف من جانب آخر، وجعلوا هذه المقابلة في تحديد المقامات الصوفيّة، مثل الخوف والرجاء، وهم يعرفون الرجاء بأنّه رؤية الجلال بعين الجمال، ويميّز الغوالي صفتي هذ الحالة الروحيّة تبعًا لصدروها عن نظرة الجمال والجلال[47].

والحبّ، كما يرى غلوتن، من الموضوعات الكبرى في القرآن الكريم، وهذه المكانة راسخة في الوجود، فهي وجوديّة بحكم أنّها قاعدة للمعرفة الإنسانيّة التي تلقّاها آدم من الله سبحانه، فقد علّمه الأسماء كلّها، بما فيها أسماء الله الحسنى،

Dieu a donné à Adam la connaissance de tous les noms, y compris celles ces Noms excellents[48].
وما تعلّمه آدم متاحٌ لذريّته؛ لأنّ الغاية التي خلق لها آدم تسري على بنيه، وهي معرفة الحقّ وعبادته.
وغلبة الجمال على الجلال في ذات الله سبحانه مشارٌ إليها بعنوان أسمائه حين وصفها بالحسنى، والحُسْن لا يصدر منه إلّا الحَسَن الجميل، ولا يتجلّى من فعله إلّا ما ينسجم مع هذه الأسماء، فالله قد سبقت رحمته غضبه، وهذا ترجمة لفكرة الجمال وآثارها في الكون.
وكان لهذا التصوّر مصاديقه في ترجمة الأسماء الحسنى عند غلوتن، إذ كفلت له ثقافته اللغويّة العالية في اللغتين العربيّة والفرنسيّة تحقيق الفكرة المذكورة في الترجمة، فقدَّم ما يراه أقرب إلى صفة الجمال وإن كان بظاهر لفظه من صفات الجلال، ولو ببعض التلّطف المجازيّ الذي يحافظ على المعنيين، إلّا ما كان دالًّا على معناه دلالة قطعيّة لا تحتمل تأويلًا بواسطة المجاز، أو ما كان لجذره الاشتقاقيّ معنى واحد، كالمذلّ Celui qui rend vil، فهذا الاسم مقطوع بمعناه وضعًا واستعمالًا، وهو الخفض في الحسّيّات والإهانات في المعنويّات. وقد سرد غلوتن ترجمتها، فلم تخرج عما هو رديفٌ لما ذكرت:

Abaissement, avilissement, condition basse, soumission, docilité, humiliation[49].
ويلاحظ أنّ هذا الاسم من الأسماء غير القرآنيّة -التي لم تذكر في القرآن- بل ورد في السنّة...، ومثله اسم الضّارّ، لم يرد في القرآن الكريم. ومعناه بيّنٌ قطعيّ لا يقبل تأويلًا، سواء أكان ضُرًّا، أو ضَرًّا، أو ضَرَرًا، فهي محصورة في دائرة المنافاة للنفع.

فالضَّرّ يترجم بـ:
Nuisance, blessure, mal, préjudice, désavantage, dépréciation, détriment, dommage, méfait, malheur.

والضُّرّ بـ:
Mal, dommage, mauvais état d’une chose, préjudice…

أمّا الضَّرَر فترجمه بـ:
Dommage, mal, préjudice (causé ou éprouvé) pauvreté, indigence, déprédation, dégât, détriment, inconvénient, lésion, méfait, nocivité, etc.

فأسماء الله الحسنى مثل:
المهيمن= Le Surveillant
العزيز= L’Inaccessible
الجبّار= ‏Le Réducteur
المتكبّر= Le Superbe
القهّار= Le Sans cesse Contraigneur
القابض= Celui qui rétracte
ذو الجلال ‏والإكرام= Le Détenteur de la Majesté et de la Générosité
الضارّ= Celui qui contrarie
المتعال= L’exalté
هذه صفات جلال ترجمها غيره بما يلوح من ظاهرها اللغويّ العرفيّ، دون تأويل إلهيٍّ وعرفانيّ، وسنعرض أمثلةً لتلك الترجمات تظهر النزعة التأويليّة الرامية إلى بناء نظريّة للمعنى منبثقة من اللغة العربيّة.

وهذه ترجمات للأسماء السابقة السابقة:

ج. بيرك
المهيمن= L’Englobant
الجبّار= Le Magnanime
القهّار= L’Errisistible
القابض (يقبض)= Resserre
ذو الجلال والإكرام= Plein de majesté, digne de vénération
المتكبّر= Le Magnanime
المتعال= Le Très-Haut

عبد الله بينو
المهيمن= Le Dominateur
الجبّار= Le Contraignant
القهّار= Le Contraignant
ذو الجلال والإكرام= Tout de majesté et de Générosité
المتكبّر= Le Contraignant
المتعال= L’Elevé

كازيميرسكي
المهيمن= Le Gardien
الجبّار= Le Victorieux
القهّار= Le Prédominateur
ذو الجلال والإكرام= environné de majesté et de gloire
المتكبّر= Le Suprême
المتعال= Le Très -Haut

حميد الله
المهيمن= Le Prédominant
الجبّار= Le Contraignant
القهّار= Le Contraignant
القابض (يقبض)= retient
ذو الجلال والإكرام= Tout de majesté et de Générosité
المتكبّر= Le Magnanime
المتعال= L’Elevé
مونتي
المهيمن= Le Veilleur
الجبّار= Le Fort
القهّار= Le Contraignant
القابض (يقبض)= retient
ذو الجلال والإكرام= entouré de majesté et de gloire
المتكبّر= Le Grand

ج. غورجن
المهيمن= Le Gardien
الجبار= Le Violent
القهار= absolu
ذو الجلال والإكرام= souveraine et munifiqu la face de ton seigneur
المتكبّر= Le Magnifique
المتعال= Sublime

2. 3. نظريّة الحقول الدّلاليّة
يُقصَد بالحقل الدلاليّ جملة الكلمات التي تحمل مضامين يمكنها رسم كيان معنويّ موحّد، وإن كانت هذه الوحدة من بعض الأوجه.
عرف أولتمان Ultman الحقل الدّلالي بقوله: «هو قطاع متكامل من المادّة اللغويّة يعبّر به عن مجال معيّن من الخبرة»، وLyons «مجموعة جزئيّة لمفردات اللغة»[50].
فالكلمات والألفاظ التي لا تشترك في بنيتها الخارجيّة الاشتقاقيّة، لكن يربط بينها وحدة في المعنى، وتعبيرها من ثمّ عن مجال معنويّ موحّد، هي التي تحقّق حقلًا دلاليًّا مشتركًا.
ونظريّة الحقول عودة باللغة إلى التجميعات المعنويّة التي تلامس وحدة الموضوع، ذلك أنّ الباحث قد يجد في فكرة الحقول الدلالية مساعدًا له على معالجة النصّ معالجة موضوعيّة -Thématique- تيسّر له فيما بعد الوقوف على الروابط ذات الطابع الفلسفيّ بين الموضوعات والمفاهيم، وهو ما عمل عليه موريس غلوتن.

مثالها جمعه بين الحبّ والرحمة في الاشتقاق: فالحبّ من الحبّة والرحمة من الرحم التي تحتضن الجنين الكائن كما أنّ الحَبّ تحتضن النبات القادم...

ويساعد الحقل الدلاليّ على معرفة المعنى العامّ من خلال المعنى الجامع الذي يدركه المتأمّل؛ لأنّه من فقه اللغة. وهو يأتي بعد النظر الاشتقاقيّ؛ لأنّ المعنى يتدرّج من اللفظ وحروفها التي تشي بمعنى معيّن، فإذ وسّعْنا الدائرة أكثر ودخلنا في الحقل الدلاليّ حلّت الكلمة محلّ الحرف، وعوملت معاملته في فهم الدلالة.

2. 4. اللغة مظهر الوجود
ويعود منشأ الفكرة إلى مؤلَّفه الكبير Une approche du Coran par la grammaire et le lexique
وكان غلوتن مدفوعًا في عمله هذا -وهو منطلقه إلى تفسير القرآن- بدافع تأويليّ؛ إذ وجد أنّ الحقائق كثيرًا ما تُحجب ولا يُكشف عنها إلّا بالتأويل، والتأويل محكوم في جميع الأحوال بقوانين، وإلّا صار لَعِبًا ولهوًا يأباه كلام العقلاء ناهيك عن كلام ربّ العقلاء. وأساس تلك القوانين الرجوع إلى الجذر اللغويّ ومعالجة المعنى انطلاقًا منه، مع الالتفات إلى الحركيّة التي تلبسها الكلمة في حال التراكيب والسباحة في السياقات النصّيّة والمقاميّة، فيكون التأويل وسيلة للتحقّق من نظريّة المعنى التي قرأ من خلالها النصّ القرآنيّ والنصّ الصوفيّ، وهذا ما أؤكّد عليه هنا، أي ارتباط التأويل بالكشف داخل النصّ أو اللغة لا خارجها، كما تفعل التأويليّة الغربيّة التي تحمل النصّ على محامل من خارج طبيعته، بفعل تزاحم العلوم والمعارف وتدافع مناهجها.
كما كان التصوّر حاسمًا في ضبط الّتأويل، والإنسان صورة للوجود من خلال اللغة، وكلّما ارتقى الإنسان وصفًا كان أقرب إلى الحقيقة الوجوديّة، ومن ثمّ أقربَ إلى الله، ذلك أنّ «الإنسان الكامل ينطوي على جميع درجات الوجود، فهو إذا انكفأ على نفسه يستطيع أن يجد الوجود كلّه مجملًا فيه. إلّا أنّه يسقط على أدنى من الإنسان، إذا هو أغفل بعده المفارق: فالإنسان لا يمكن أن يكون إنسانًا إلّا إذا كان واعيًا للطابع الإلهيّ الذي يحمله»[51].

وقصّة الوجود انطبعت وانتقشت في روح آدم الإنسان الأول، لأن الله علمه ذلك «وعلم آدم الأسماء كلها»، أي معاني الوجود وحقيقة الحقائق؛ لذا أخذ ابن عربي هذا البعد الشاقولي وجعله بعدًا للنوع الإنسانيّ، فآدم هو أوّل نبيّ في فصوص الحكم وفي نقش الفصوص[52]. «لمّا شاء الحقّ سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها.. وإن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كلّه، لكونه متّصفًا بالوجود، ويظهر به سرّه إليه..، فإنه يَظهَر له نفسُه في صورة يعطيها المحلّ المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحلّ ولا تجلّيه له»[53].

وقد لخّص الأستاذ Pierre Lory الأهداف التي رمى غلوتن على تحقيقها بعمله المشار إليه، فقال:
Comment comprendre et interpréter le Coran sans y induire tout ce que consciemment ou inconsciemment on aimerait trouver? Comment l’aborder avec le respect qu’il requiert et la rigueur méthodique dont nul ne peut faire l’économie[54]?
وتكلّلت رحلة غلوتن مع لغة القرآن بالوصول إلى بناء تصوّرات ثابتة لنظريّته، وكان عمله يشبه السير من القرآن وإلى القرآن وفي القرآن. وأوّل أسُس تلك النظريّة إيمانه بأن ميلاد العربيّة يبدأ بنزول القرآن، فنزول القرآن هو ثورة في حياة العربيّة La révélation du Coran, révolution de la Langue arabe. [55].
ويؤسّس غلوتن نظرته على معطيات موضوعيّة، حسّيّة في المقام الأوّل -فهو فرنسيّ ونشأته الفكريّة متشرّبة بالفلسفة الوضعيّة- ومن ذلك أنّ القرآن أوّل كتاب أو مجموع من النصوص النثريّة المكتوبة، طويلة نسبيًّا، وكاملة، ومبنيّة بناء منهجيًّا، متضمّنة كلّ الخصائص الصوتيّة، واللغويّة والنحويّة، والبلاغيّة للغة العربيّة، ومن جهة أخرى أعطى للمفردات معاني وأبعادًا دلاليّة جديدة، انطلاقًا من لغة سهلة حسّيّة ومباشرة، مستقاة من وسط بدويّ في الأصل، ليرتقي بها إلى مستويات عقليّة، من الجدل والتشريع والحوار والقصص[56].
أمّا الشعر الجاهليّ، وإن عدُّوه ديوان العرب، فلم يكن مكتوبًا، ثمّ إنّه لا يغطّي الحياة العربيّة في جوانبها الاجتماعيّة والثقافيّة والدينيّة والعقليّة، وبكلمة، لا يتناول الحياة العربيّة في تفاصيلها، فهو بذلك لا يعدّ مرجعًا كاملًا وموثوقًا في الكشف عن الأبعاد الفكريّة والاقتصاديّة واللغويّة لدى العرب:
Bref, il n’existait pas, avant le Coran, de réelle référence, complète et fiable, mettant en lumière la vie intellectuelle et religieuse, économique et sociale, linguistique et littéraire des Arabes[57].
والقرآن بحكم هذه الطبيعة، صار مؤسِّسًا للغة العربيّة، بمفرداتها وبناها اللغويّة، وصار خزّان ألفاظها وخزانتها، والمعين الذي تستقي منها خلودها، والمحور الذي تدور عليه[58].
ومع انتشار القرآن في أرجاء العالم ترسّخت العربيّة في عقول المسلمين، حتّى غير العرب، إذْ كان للقرآن أثرهُ في إضافة الكثير من المصطلحات إلى ألسنتهم، مع ما تركه من تأثير على أفكارهم.
أمّا الترجمة فقد أثَّرَتْ في اللغة العربيّة، ولكن بالحمولة الحضاريّة الوافدة مع اللغات الأجنبيّة، وهو ما سمح للعربيّة أن تتطوّر وتقدّم للبشريّة أعمالًا أصبحت علامات في تاريخ الإنسانيّة[59].

2. 5. العربيّة وقوانين الجذب والنبذ
يتصوّر موريس غلوتن العربيّة -لغة القرآن الكريم- نقطة انطلاق نحو التطوّر بما لها من قدرات اشتقاقيّة تساعد على توليد المفاهيم والتصوّرات. وهي كافية بجذورها التي تكتنز من المعاني ما يكفل للعقل أن ينطلق بيسر في فضاءات الابداع. كما أنّ هذه اللغة، بما لها من قوّة وسحر، تجذب العقل وتدعوه إلى التأمّل الخلّاق، فخصائص القرآن اللغويّة دعت العرب إلى التعلّق بنصّه، والخشوع لسلطانه الفكريّ والروحيّ، والسعي إلى فهمه والحياة في أجواء تعاليمه، متّبعين في ذلك هذا الخطّ الثنائيّ: فهو يدعوهم ويجذبهم إلى أصوله، من جهة، ويدفعهم إلى الانفتاح نحو الخارج، وهما خطّان متكاملان.
C’est cet axe d’attraction et de repoussement complémentaire qui joue le rôle principal dans l’organisation de tout mouvement d’évolution et de continuité[60].

2. 6. قلة الكلمات القرآنيّة
عالج غلوتن في كتابه، Une approche du Coran par la grammaire et le lexique.
1700 جذرًا لغويًّا، هو الأساس الذي بنى عليه حوالي 500 كلمة من القرآن الكريم، تضمّنت المفاهيم الأساسيّة والكافية للنحو القرآنيّ، تسمح بفهم جيّد للنصّ القرآنيّ انطلاقًا من الصرف والنحو القائمين في نصِّه، لا خارجَه[61]. مع أنّ اللغة العربيّة فيها أكثر من 10000جذر، وفي الحديث حوالي 3500 جذرًا:
D’autre part, dans la Révélation coranique, Dieu présente un nombre relativement peu important de racines par rapport à l’ensemble considérable de celle qui figurent dans les dictionnaires les plus élaborés. En effet, seulement 1726 racines et un peu moins de 5000 mots provenant de celles-ci se trouvent dans le texte sacré, alors que la langue arabe comporte plus de 10000 racines le Hadith un peu plus de 3500[62].

2. 7. أثر المنهج التحليليّ في نظريّته اللغويّة
لئن كان التحليل منهجًا ملازمًا للتفكير في كلّ العصور، فقد أصبح العصر الحاليّ عصر التحليل بامتياز، وانتقل فيه التحليل من كونه منهجًا إلى أن تحوّله فلسفة يتبعها الكثير، منذ أن ظهرت في إنجلترا مع الفيلسوف جورج مور، وبرتراند رسل، وغيرهما، فأصبح القرن العشرين والقرن الحالي سائرين على هذا المنهج.
فإلى أيّ مدى وظّف موريس غلوتن التحليل، وما هي الحدود التي وقف عندها؟
تظهر نزعة غلوتن إلى اعتماد التحليل، وتوظيفه له توظيفًا يتجاوز حدود الاستعمال الساذج، ليدخله في دائرة النشاط الفلسفيّ الذي يقضي بالبحث عن العلل الكبرى للظواهر، والتقيّد بتوجيهها في التأمّل والبحث.
ويرمي المنهج التحليليّ عند غلوتن إلى تحقيق الترجمة الأقرب إلى الكمال للقرآن الكريم، انطلاقًا من معاني اللغة القرآنيّة، ثمّ التماس مقابلاتها باللغة الفرنسيّة. وقد كان للباحث غلوتن تأمّل طويل لصياغة منهجه الذي تحوّل إلى مشروع ظهرت آثاره في ترجمته للقرآن الكريم.
وسنقف معه عند تحليله لأشهر كلمة قرآنيّة، وهي كملة (آمن) ومشتقّاتها، وكيف أخذ معناها البعيد، ثمّ وظّفه في ترجمتها داخل القرآن الكريم.
فالجذر (أمن)=(AMN) أهمّ جذر في النصّ القرآنيّ، إذ نلاقيه ثماني مئة وثمان وسبعين مرّة (878) في صيغ مختلفة.
وهذا الجذر يتضمّن معنى الأمن والأمان، والثقة، والوفاء، والرعاية والحماية[63].
Elle est le plus souvent utilisée à la 4e forme verbale et prend le sens de: rassurer, sécuriser, tranquilliser, mettre à l’abri, porter ou donner la sécurité. Elle est construite avec la préposition بـ, avec, par, au moyen de. AMaNa bi signifie alors sémantiquement: porter la foi en, sécuriser par, se rassurer[64].

ويترجم على ضوء هذا التحليل اللسانيّ الآية الكريمة: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ).
‘Le messager s’est sécurisé par (ou=a porté la foi en) ce qu’on a fait descendre jusqu’à lui venant de son Enseigneur et aussi ceux qui se sont sécurisés (ou=les porteurs de la foi). Tous se sont sécurisés par Allah, Ses Anges, Ses Ecritures et Ses Messagers. Nous ne faisons aucune distinction entre ses Messagers…’[65].
ويترجم الجذر (أ م ن) ومشتقّاته dérivés في ترجمته الكاملة للقرآن بـ(Dépôt confié)، ويوضح أصل هذه الترجمة البعيدة والغريبة؛ لأنّ المعهود في (آمن وإيمان ومؤمن) هو croire, croyant, croyance.

يرجع في هذا التفسير للكلمة إلى الآية الكريمة:
﴿وَإِن مِّن شَيءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥ إِلَّا بِقَدَر مَّعلُوم﴾ (الحجر: 21) ويترجمها:
Et il n’y a aucune chose volontaire (ou possible volant) sans que ses trésors-entreposés (ou=dépôts) soient chez Nous: Nous ne la faisons descendre par étapes selon une assignation connue.

ويترجمها في النصّ الكامل كالآتي:
Pas de volonté indéterminée (ou=aucune chose) sans que ses entreposés soient chez Nous: Nous ne la faisons descendre que selon une assignation connue[66].

وفي سورة الإسراء، عند قوله تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ).
Il n’est aucune chose qui ne s’immerge dans l’Insondable sous l’effet de Sa Louange[67].
ويأتي في هذه الآية على تفسيره لكلمة (شيء)، التي يعطيها معنى آخر غير المعنى الجامد الغارق في العمومية، فهي تعني في السياق القرآني ما يريده الله في الأزل، أو ما يمكن أن يكون محلًا لإرادته، قبل أن يتزّل أو يتجلّى في الوجود، وهذا الشيء الممكن لا يمكن أن يخرج إلى الوجود ويتجلّى إلّا ضمن أحد أسماء الله الحسنى، وقد عّبر الله في الآية عن نفسه بصيغ الجمع، الجامعة لأسمائه:
Or, ce possible voulant, cette indétermination volontaire, dans son principe, se trouve chez Allah avant même qu’elle soit descendue ou manifestée par Lui avec l’ensemble des Noms divins, compte tenu du pronom «Nous» qui, dans ce verset, s’applique à ceux[68].
وماذا يقصد غلوتن بـvolonté indéterminée، التي ترجم بها كلمة (شيء)؟ التحليل هو الذي هداه إلى جذر الكلمة، وهو (ش ي أ) ومعناه الأوّل أو الجذريّ من المشيئة أي الإرادة، لكن الإرادة غير المحدّدة، أو المطلقة، أو العامّة:
De la racine (S Y A) dont le sens premier est vouloir, mais vouloir d’une manière synthétique, globale? C’est en rapport avec ce verset et d’autres que certains théologiens ont considéré le mot (say=شيء) comme un Nom divin[69] Par exemple, relevons celui-ci: Dis: ‘Quelle Volonté indéterminée est plus éminente pour témoigner?’ Dis: ‘Allah, Témoin entre moi et vous…’[70].

وما هو إرادة، بحسب الجذر والدلالة العميقة، يُفهم بأنه قدرة مؤيَّدة بالإرادة القديمة لله سبحانه، وحين تترجم في العالم أو الخلق تغدو إرادة بالإمكان، أو مريدًا بالإمكان =possible voulant، يترجم في الأكوان والأشخاص.
وتراه هنا يترجم: كلّ شيء هالك إلّا وجهه، بـChaque chose douée de volonté est évanescente sauf sa face، ولا يترجمها بـchose، لأنّ الكلمات أو جذر الكلمات ليست منفصلة عن اللحظة الأولى للخليقة، حيث علم الله وإرادته يظلّان الوجود، بل هي تجلٍّ لقدرة الخالق وإرادته الذي أظهر الوجود بقول (كن). لكن الإرادة الكامنة إرادة مبهمة، وهي أنكر النكرات:

Le plus indéterminé des indéterminations[71].
فإذا عدنا إلى كلمة إيمان أو جذر (أ م ن)، فهي العهد الإلهيّ القديم لبني آدم، وهذا العهد مَجْلاه يكون بَعدَ الخلق على الأرض، ويتفاوت الناس فيه، ومن هنا كان الإيمان محلًا للزيادة والنقصان:
A M N, est le Dépôt qu’Allah confie à l’être humain, Dépôt qu’il doit mettre en œuvre fidèlement. Selon le verset 48-4, la mise en œuvre de ce Dépôt peut croître, décroitre ou être pervertie selon les comportements de l’être humain: Ne vois-tu pas ceux à qui une part de l’écriture a été donnée. Ils mettent en œuvre par la magie et l’excès le Dépôt confié et disent à ceux qui ont dénié qu’ils sont mieux guidés sur un chemin Que ceux qui ont mis en œuvre le Dépôt confié?
Tous les êtres humains, issus d’Allah, ont en eux, à titre indélébile, ce Dépôt qu’Allah leur a confié et qu’ils actualisent selon leurs propres dispositions. Allah dit: Nous avons créé l’humain selon la plus excellente constitution, puis Nous l’avons renvoyé au plus inférieure des inférieures, sauf ceux qui mis en œuvre le Dépôt confié et accompli les œuvres intègres: alors pour eux une rétribution non diminuée[72].
والإيمان وفق هذا التفسير والترجمة المعبّرة عنه، فعل مقتضاه الالتزام بالعهد الأزلّي الذي أخذه الله سبحانه من عباده، يقول في ترجمته للآية الكريمة:

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) (البقرة، الآية 3).

Qui, à cause du mystère mettent en œuvre le Dépôt confié, et élèvent l’action unifiant de grâce, et distribuent de ce dont Nous les avons pourvus[73].

وتستمرّ هذه الرؤية العرفانيّة الإلهيّة معه في الترجمة، ويترجمها في جميع المواضع.
كذلك في تحليله لكمة كتاب، وهي أحد أسماء القرآن الكريم، يقتفي أثر الكلمة في تاريخها اللغويّ ووجودها في اللغة الهندو أوروبيّة indo-européenne، وهذا الجذر انتقل عبر اليونانيّة، واللاتينيّة، وغيرهما، ولما توجّهت الكتابة قديمًا إلى الكتب المقدّسة اتّخذت الكلمة معنى «الكتابات المقدّسة»، التي تترجم عادة بالمقابل اليونانيّ (biblios)[74].
كذلك مادة (قرأ) lire، يظهر عند التحليل أنّها من الجذر الهندو أوروبيّ، ومعناه، قطف، جمع، اختار. وفي اليونانيّة يعني جمَع، أمّا في اللاتينية فمعناه اختار وجمع.

ويرى غلوتن مجتهدًا، أو مقترحًا، أنّ التحوّل الذي طرأ على الفعل (قرأ) جاء من تدخّل بعض الوسائط، مثل (جمع الأقوال)، و(النداء أو قراءة قائمة من الأسماء ما بصوت عالٍ)[75].

وقف وقفة تحليليّة عند مادة (كتاب)، فهي منحدرة من أصلين:
الأوّل: مرتبط بالجذر اليونانيّ «litra» أو اللاتينيّ «libra»، ويعني هذان الجذران: وحدة وزن من اثنتي عشرة أوقية unité de poids de douze onces، ومن كلمة libra جاءت كلمة ميزان من كفتين balance à deux plateaux، والتي اشتقّ منها الفعل اللاتينيّ librare، أو وزن peser[76].
وأمّا الثاني فمرتبطٌ بجذر لاتينيّ «libere»، ويعني قشرة تقع تحت جذع الشجرة كان يكتب عليها قبل اكتشاف البرديّ. وبقي لفظ كتاب مستعملًا حتى بعد التوقّف عن استخدام قشرة الشجر[77].
وعلى هذا المنوال من التحليل نهج غلوتن في جميع المفردات التي عالجها. ومع التحليل يدخل الاختيار، هو عمل اجتهاديّ، وتأويليّ، يضطر إليه حين تقابله الكلمات بجذور متكثّرة، ومتباينة، فيختار ما يلائم السياق ويحقّق المعنى الذي قصده الله في القرآن.
في كلمة فرقان، وهي على وزن فُعْلان، مثل كلمة قرآن، يجري التحليل اللغويّ انطلاقًا من الجذر، ملاحظًا أنّ في كلمة (فرقان) معنى التنازع الذي يقتضي فصلًا أو تفريقًا. فمادة ف. ر. ق. تعني فرق، افترق إلى قسمين، ميز، بيّن بيانًا واضحًا، أمَر..

ويعني المصدر: التمييز التامّ، الفصل النهائيّ، التفريق الحاسم، الحجّة، البرهان القاطع.
ويوضّحُ معناها على ضوء الآيات القرآنيّة التي وردت فيها الكلمة:
«O les porteurs de la foi! Si vous gardez d’Allah, Il établira pour vous un Critère (furqan), Il extirpa de vous vos insuffisances et recouvrira vos (fautes). Allah (est) Détenteur de la grâce surabondante immense» (Coran 8-29).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ).

ويصل الاجتهاد التحليليّ إلى أفقٍ بعيد، حين يفسّر كلمة «التلاوة»، ثمّ يقارنها بكلمة «القرآن».
يبدأ كما هي طريقته بتتبّع المعنى الجذريّ لمادّة (تلا)، فيقول:

Enfin la racine TLW, fréquemment trouvé dans le texte de la révélation coranique, a pour sens principaux: suivre, faire défiler, énoncer, suivre le fil de, dérouler, dévider ainsi que nous pourrons facilement le remarquer dans les exemples coraniques qui vont un peu plus loin[78].
ويذكر أثناء تحليله أنّ تلك المعاني المسوقة التي تتخذها الكلمة القرآنيّة يجب استصحابها، مع أنّ في الأمر صعوبة تحتاج إلى مهارة وفقه لغويٍّ وذائقة من أجل تطويع المعنى الذي يبدو مجافيًا بظاهره للحاجة البيانيّة، وبعيدًا عن ملاءمة السياق.

وتعني اللغة القرآنيّة عند غلوتن العقل الذي يدير المعاني بوعي تامٍّ وصرامة لا تهادِن، فكلّ جذرٍ من الجذور المستعملة يحمل دلالة لا توجد في غيره، فلا مكان للترادف.
Chaque racine qu’Allah emploie dans la Révélation coranique comporte nécessairement des significations propres de sorte qu’il n’existe pas de véritable synonymes provenant de racines différentes mais, au mieux et seulement, des mots de sens voisins qu’il n’est pas toujours aisé de différencier compte tenu de l’usage courant actuel, de la signification technique et même conventionnelle que les hommes ont donné à bien des mots de la langue arabes qui, par nécessité, ne peut être qu’évolutive dans l’histoire naturelle de ce langage comme tout langage[79].

وتتجلّى هذه القناعة المعرفية في ترجمته للفعل (رغب عن..) الوارد في القرآن الكريم: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ...) (البقرة، 130).
فقد احتفظ بالفعل (رغب عن) وتركه كما هو، ولم يأتِ بما يرادفه في المعنى، مثل أنف، رفض، استنكف، نفر من...، وترجم الآية بـ:

Et qui souhaite vivement se détourner de la tradition d’Abraham…[80]
مع أنّ من سبقوه استبدلوا الفعل المذكور في الآية وأحلّوا محلّه ما يرادفه في نظرهم، فمحمّد حميد الله ترجمها هكذا:
Qui donc aura en aversion la religion d’Abraham[81].

وترجمها جاك بيرك:
Eh! Qui renâclerait, sinon le sot délibéré, à la cohorte d’Abraham[82].
مع ما في تفسير (بيرك) للملّة المذكورة في الآية من بُعْد عن روح القرآن ومقاصده.
وكذلك الآية الشهيرة: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر، 99) فهي عنده:
Et sers ton Seigneur jusqu’à ce que la certitude te vienne[83].
مع أنّ المفسرين قاطبة يقولون إنّ اليقين في الآية هو الموت.
واللغة القرآنيّة عنده قدرٌ إلهيّ ضمّنها كلّ العناصر الممكنة والكامنة للوجود، وهذا سرّ قدرتها على التجاوب مع التطلّعات والحاجات، فطاقتها قصوى؛ لأنّ خالق اللغة أراد لها أن تكون كذلك.
ويلقي نظرة على كلمة القرآن، مقارنًا إّياها بالتلاوة، لوقوعهما موقع الترادف في ظنّ الناس. فمادة قرأ، تعني بحسب التدقيق اللغويّ:

Une actualisation audible -extérieurement ou intérieurement- de la parole révélée au Prophète Muhammad[84].
وكذلك هي الكلمة المعروفة في الاستعمال (قراءة)، وهي من مصادر الفعل قرأ تحمل معنى طريقة السرد بصورة عامّة، وإذا استعملت في الجانب التعبدي كان معناها استظهار التنزيل الإلهي.

أمّا التلاوة فهي متابعة القراءة استظهارًا أو قراءةً من كتاب،
..le fait d’en suivre le déroulement aussi bien dans sa composition écrite ou orale que dans ses signification les plus diverses[85].
فهذه الكلمة تعني فيما تعنيه: القراءة من كتاب بتتبّع محتواه كما هو.
وفي الاصطلاح المتأخّر اكتسبت معاني عديدة، منها تنغيم أو تجويد قراءة القرآن الكريم، كما يقول -وهو مُحقّ-، لكنّ المعنى الذي قصر نظره عليه هو ما جاء في القرآن.

وقد فرّق القرآن بينهما كما في قوله تعالى:
«…J’ai reçu l’ordre d’être parmi ceux qui se soumettent et de suivre le Coran… (ou la Récitation=أتلو القرآن)» Ceux à qui Nous avons donné le kitab (écriture) le suivent (يتلونه) selon sa véritable lecture…
ويبعد أن يختلف المبنى وتبقى المعاني متّفقة، ولو كان الأمر كذلك، لترجم الآية الأولى هكذا:
..et de réciter la récitation. Alors que les deux verbes Tala et Qara’a (تلا وقرأ) ne peuvent pas être confondus en raisons de leurs significations étymologiques respectives différentes signalées plus haut[86].
ويلاحظ غلوتن وهو يطبّق المنهج التحليليّ، أنّ اللغة القرآنيّة تتّسم بظاهرة الخلوّ من البوادئ الدّالة على النفي، أي إلحاق أداة النفي (لا) بالمصدر كما يفعل المعاصرون العرب، فالإيمان ضدّه الكفر، وليس اللاإيمان.
كذلك لاحظ أنّ الجذور المتقاربة في نبرها متقاربة في المعنى، فـ: غفر، وكفر ليس بينهما فرق من جهة البنية سوى في الغين والكاف، فكانت معانيهما كما جاء في كتاب العين ولسان العرب[87] قريبة من بعضها، ومنها غطى، ستر...

ويتوقّف عند كلمة الله وإله، كاشفًا عن الفرق بينهما. فالله هو الذات العليَّة التي ليس كمثلها شيء، أمّا الإله فهو تجلّي قدرته سبحانه على الكون:
Pour cette raison fondamentale, Allah est aussi bien le nom donné à l’Essence divine qui est inqualifiable, infinie, que celui propre à la Fonction divine dans la création. Par contre, le nom ilah ne s’applique jamais à l’Essence divine absolue mais à sa manifestation universelle ou particulière dans le monde qu’Il crée[88].

كذلك لاحظ أنّ غياب التدوين في الماضي أدّى ببعض المفسّرين والشرّاح إلى افتراض معانٍ لبعض الكلمات، اجتهادًا منهم في الوصول إلى المعنى الذي يلائم السياق في انزلاق صريح عن الأصول المعنويّة للألفاظ Glissement du sens habituel d’un vocable.
وهذا ما أعطى بعض الآيات معانيَ كثيرة متضاربة ومنحرفة أحيانًا، ممّا أورث تفسيرات ظلّت قائمة لأزمنة طويلة دون نقاش.

ويضرب مثلًا لذلك، كلمة أماني الواردة في الآية التالية:

(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)
فجذر (منى) يفيد في المعجم المعاصر المعاني: رغب، أمل في..،
وتفيد كلمة أماني: رغبة، توق، ميل، نزوع، استعداد لفعل شيء ما
ومن المعاني التي ألصقت بهذا الاسم: توهّم، انحراف، كذب، وهي لا تعدو كونها افتراضات من المفسّرين لجأوا إليها عن حسن نيّة.
وبناء على ما رآه من معانٍ صالحة لمادّة (منى)، التي اشتُقّت منها أمنية وأماني، يترجم الآية هكذا:
«Parmi eux (les juifs) des illettrés, ils ne connaissent pas l’Ecriture mais seulement des préférences (les leurs) (des tendances, des dispositions – ou des altérations, des tromperies, des falsifications, des lectures ou récitations), et ils ne fonte que des conjectures».
والترجمة المكتوبة بين قوسين بخطّ مائل هي ما افترضه المفسّرون، ولا يوجد في معاني الكلمة.

أو:
«Parmi eux des illettrés qui ne connaissent l’Ecriture que selon des prédispositions…»[89]
ومن الملاحظات النحويّة التي هداه إليها التحليل، اعتبار اسم الفاعل اسمًا للمفعول، ومثاله كلمة (الضالّين) في سورة الفاتحة. إذ تعامل معها المترجمون على أنّها اسم مفعول، وهي في الواقع اسم فاعل، وقد نتج عن ذلك ترجمةٌ تحمل معنًى مغايرًا للنصّ القرآنيّ. وحين يُنظَر إلى هذه الكلمة (ولا الضّالين) على أنّها اسم فاعل، فإّنه يقرّر مبدأ الحرّيّة الذي يمنحه القرآن للإنسان في أن يختار ما يريد.
De telle interprétation aliènent alors une attitude de liberté éminemment active et présente qui est laissée par Dieu au serviteur adorateur[90].
والتحليل يتطلّب نظرا تأويليًّا تتوقّف الإصابة فيه على الفهم الواسع لفلسفة القرآن، ودراية بعلم الكلام، وبمقاصد القرآن في التكاليف العقديّة والتعبّديّة. ففي مسألة الضلال والهدى نقرأ الآية الكريمة:

(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

إنّ الفعل يُضِلّ، يفيد وقوع الإضلال من الله، أو إرادته ذلك، وهذا لا يليق بعدل الله سبحانه؛ إذ كيف يُجبر الإنسانَ على الضلال ثمّ يحاسبه عليه. هذا ما أدركه غلوتن، ورأى أنّ (يُضِلّ) معناه يتركه لحاله وشأنه، لأنّ الفعل قد يُترجم بـ: s’égarer ، أو بـ: laisser s’égarer، وهو ما اختاره في ترجمته:
«Si Allah avait voulu, Il vous aurait certes constitué en une communauté unique. Néanmoins; Il laisse s’égarer qui Il veut et Il guide qui Il veut…»[91].
ويتناول بالتحليل كلمة (أمّي) التي تتردّد كثيرًا ويدور معناها عند الناس على من لا يحسن القراءة والكتابة. وفي الاقتباس التالي بيان لما انتهى إليه في فهم الكلمة، وهو الأصل أو المنبع أو النموذج التي إليه تُردّ الأشياء:

..signifie ce qui est relatif à la source, au principe, à la mère et à son produit, c’est-à-dire à ce qu’elle enfante ou met au monde. Dans la perspective sémantique et doctrinale qui en résulte, la mère est alors envisagée, non comme vierge et immatriculée, c’est évident, mais comme produisant des individus plus ou moins nombreux, ou en quantité innombrable quand il s’agit d’un Prototype divin. Ce terme de «umm» lié à l’Ecriture divine, est relevé plusieurs fois dans le texte coranique… Dans ces quelques versets, il résulte que le terme «ummi» s’applique aussi bien au Prototype ou Principe divin qu’à la mère qui met au monde un ou plusieurs enfants. Le nom adjectif ummi qui en dépend peut alors s’interpréter comme étant relatif au Prototype divin ou en rapport avec la mère, c’est-à- dire maternel. Quand il s’adresse au Prophète pour le qualifier, peut alors se traduire de plusieurs manières du fait des acceptions multiples qu’il comporte et des contextes coraniques différents dans lesquels il se trouve, par exemples en connexion avec le Prototype ou aspect prototypique ou avec la mère ou aspect maternel, avec le Principe générateur de la Communauté ou «Matrie»…[92].
والنصّ واضح ويجسّد النزعة التحليليّة التي وجدت في ثراء العربيّة مساحة واسعة لترديد لمعنى الملائم لفلسفة القرآن الكريم وحقائقه الخالدة.


2. 8. ترجمة القرآن الكريم
القرآن كلمة الله، وأثر ذلك أنّه لا يمكن تقليد أسلوبه، فضلًا عن الإتيان بمثله. وكلمة الله باقية ولا متناهية، ومضامينها تغطّي مساحات المعرفة التي تتجاوز المدارك البشريّة. ومهما بلغ العقل من سعة وتقدّم في المعارف، فإنّه يظلّ سابحًا في نقطة من كلام الله، ولن يستطيع الخروج عنه، وهذا معنى قوله تقدّست آلاؤه: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وتعدّدت المذاهب في أبديّة كلام الله ولا انتهائه ، ويبقى موقف ابن عربي في رأي موريس غلوتن هو المتوازن والأكثر واقعيّة. وكلام الله هو المظهر المعبِّر عن العلم الذي لا نهاية لها، وعلم الله أحد صفاته الذاتيّة، فهو إذن غير منفصل عنه.

La parole de Dieu exprime le contenu infini de Sa Science qui est une de Ses qualités intrinsèques donc inséparable de lui[93].
ولكلام الله جانبان: جانب أزليّ ذاتيّ، وجانب كامن في الوقائع الحادثة أو العارضة réalités adventices. أمّا الجانب الإلهيّ من المعاني، فهو بمعزل عن الزمان والمكان والتركيب، فلا يقيّد بقبل أو ببعد أو بحاضر، ولا يتحيّز في مكان؛ أمّا ما يتجلّى عبر الوقائع والأشياء فيؤرّخ له، ويرتبط بظروف الزمان، والمكان، وتكتسب التنوّع والتعدّد. فالكلام إذن ليس إلّا معبّرًا عن علم الله وإرادته. وهنا يأتي السؤال: ما دام القرآن كلام الله الأزليّ، والكلام صفة ذاتيّة، فهل يمكن ترجمته، وكيف؟

Une question importante alors se pose: Le Qur’an étant la Parole de Dieu éternelle et infinie et son style étant inimitable, le livre révélé peut-il être traduit?[94]
وهذا السؤال طرح في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله. ويرى غلوتن أنّ بعض المقدمات تشي بصعوبة الترجمة، نظرًا إلى أنّ الله نزل هذا الكتاب بالعربيّة، فهي وحدها القادرة على نقل المعاني الإلهيّة، كذلك يستشفّ هذا الأمر من اشتراط الصلاة بالعربيّة، والشرط هنا خاصّ بالقرآن، لكون الترجمة قاصرة عن التعبير التامّ عما تقدّر عليه العربيّة. وما يقال في هذا المقام هو أنّ الترجمة تكون في حدود الضرورة، كما حدث مع سلمان الفارسيّ رضي الله عنه الذي ترجم الفاتحة إلى اللغة الفارسيّة بإذن من الرسول عليه الصلاة والسلام. ويذهب بناءً على هذا إلى أن لترجمة القرآن فائدة لا تنكر، ولا يجوز أن نحطّ منها أو نقلّل من قيمتها. ويطرح سؤالًا آخر: ما هي في هذه الحالة الصفات التي يجب أن يتحلّى بها المترجم أو المترجمون لهذا النصّ الذي «لا يمكن ترجمته»، وما قيمة الترجمة المنجزة؟ ألا يمكن إرفاق الترجمة ببعض التعليقات والشروح التي تبرز الجوانب الجماليّة والعقلانيّة لهذا النصّ؟ كذلك تبقى خصائص اللغات المترجم إليها أحد أسباب الصعوبة في الترجمة، فلكلّ لغة معجمها وتركيبها ونحوها، وعناصرها الموسيقيّة وإيقاعها الخاصّ المختلف عن العربيّة القرآنيّة. وهنا يتحدّث عن الشروط اللازمة لترجمة القرآن[95].

وتظلّ الترجمة في جميع الحالات محاولة لترجمة القرآن وليس ترجمة، محاولة تتباين بحسب ميول المترجم وتوجّهاته:
C’est pourquoi les résultats obtenus pour rendre le livre révélé en une autre langue seront toujours contrastées en fonction des dispositions et orientations des essayeurs[96].
وتتشعّب خصائص النصّ القرآنيّ، استنادًا إلى خصائص اللغة العربيّة (القرآنيّة)، وهو ما يفضي إلى تعدّد التوجّهات لدى المترجمين، فيجنح فريق منهم إلى إيثار الأسلوب الإيجازيّ، مقتفين بذلك أثر الخصائص الأسلوبيّة للقرآن، ويتعلّق آخرون بإظهار المعاني البيّنة والقريبة للنصّ، بينما ترهف طائفة أخرى السمع لتعدّد معاني الجذر اللفظيّ، وتجتهد في الرجوع إلى العربيّة زمن الوحي، وهو عمل فيه من المخاطر ما فيه، لكون اللغة واللهجات قد عرفت الكثير من التطوّر والتغيّر، واستقت من الإمدادات الجانبيّة، إلى حدّ أنّه يصعب أحيانًا الوقوف على المعنى المحدّد لأصل الجذر[97].
لهذا تتطلّب الترجمات في جميع الاتجاهات السابقة تفسيرات هامشيّة، تعلّل وتتّبع الأصول.


خاتمة
ارتبطت نظريّة اللغة عند موريس غلوتن بفلسفته العرفانيّة، التي أيّدها بعلم اللغة العربيّة وعللها الإعرابيّة؛ وقد توّج جهوده بترجمته الفريدة للقرآن الكريم. وهي ترجمة يصعب فهمها إلّا بالرجوع إلى القواعد والقوانين التي بسطها غلوتن في كتبه، وكانت هذه الدراسة إطلالة على تلك النظريّة والوقوف على عناصرها التي تداخل فيها اللغويّ والفلسفيّ والعرفانيّ، وكشفت بعضا من الجهد البحثي والتأملي الذي بذله هذا العالم الغربي الفرنسي الذي رضي لنفسه الإسلام دينا بعد أن تبين له بالبرهان أنه الحق. فكانت رحلته العلمية رحلة إلى الهدى، وكانت جهوده مثمرة لكثير من الأعمال التي عرّفت بالإسلام وحقائه، وكان درة تاج تلك الجهود ترجمته المميزة للقرآن الكريم

لائحة المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
ابن عادل: اللباب في تفسير الكتاب، 1/ 140، تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي معوض، مع آخرين، ط2، 2011م دار الكتب العلمية، بيروت.
ابن عربي: فصوص الحكم، تحقيق: أبو العلا عفيفي، ط1، 1365هـ/ 1946م، دار إحياء الكتب العربيّة، القاهرة.
إجنتس جولتسيهر، مذاهب التفسير الإسلاميّ، ترجمة: عبد الحليم النجّار، ط5، 1413هـ/ 1992م، دار الجيل، بيروت.
أحمد بن فارس: مقاييس اللغة، 1/ 277، وضع حواشيه إبراهيم شمس الدين، ط1، 1420هــ/ 1999م، دار ‏الكتب العلميّة، بيروت. ‏‎
أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ط7، 1430هـ/ 2009م، عالم الكتب، القاهرة.
الرازي: التفسير الكبير، 1/ 156. ط 3، (د.ت)، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت.
روبرت دي بوجراند، النصّ والخطاب والإجراء، ترجمة: تمام حسان، ط2، 1248هـ/ 2007م، عالم الكتب، القاهرة.
روجي غارودي: نداء إلى الأحياء، ترجمة: ذوقان قرقوط، ط1، 1981، دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق.
صبحي الصالح: دراسات في فقه اللغة، ط8، 1980، دار العلم للملايين، بيروت.
القرآن الكريم وترجمة معانيه إلى الفرنسيّة، محمد حميد الله، ط1، 1435هـ/ 2014م، دار ابن كثير، دمشق.
القشيري: لطائف الإشارات، 1/ 47، تحقيق: إبراهيم بسيوني، ط 1981، الهيئة المصرية العامّة للكتاب، القاهرة.
لسان العرب، مادة غفر، ج11/ 64. ومادة كفر ج13/ 84. الطبعة الثالثة، 2004، دار صادر، بيروت.
ماريان لودورير: التأويل سبيلا إلى الترجمة، ط1، 2009، المنظّمة العربيّة للترجمة، بيروت.
محاضرات في الألسنيّة العامّة، ترجمة: يوسف غازي، ومجيد النصر، ط1، 1984م، دار نعمان للثقافة، بيروت.
محمّد المبارك: فقه اللغة وخصائص العربيّة، ط7، 1401هـ/ 1981م، دار الفكر، بيروت.
محمد حميد الله: القرآن الكريم وترجمة معانيه على اللغة الفرنسيّة، ط1، 1435هـ/ 2014م، دار ابن كثير، دمشق.
محمد عناني: نظرية الترجمة الحديثة، مدخل إلى مبحث دراسات الترجمة، 2003، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، والشركة المصريّة العالميّة للنشر، لونجمان، القاهرة.
محمود فهمي زيدان، فلسفة اللغة، ط 1405هـ/ 1985م، دار النهضة العربيّة، بيروت.
موسوعة لالاند الفلسفيّة، ج3، مادة نظرية Théorie تعريب: خليل أحمد خليل، ط 2008، منشورات عويدات، باريس.
نظام الدين النيسابوري: تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، 1/ 75، ضبطه وخرّج آياته وأحاديثه، الشيخ زكريا عميرات، ط1، 1424هـ/ 1996م، دار الكتب العلميّة، بيروت.

لائحة المصادر الأجنبيّة
Arrazi: Traité sur les nom divins, introduction, traduction et annotations Maurice Gloton, préface par Pierre Lorry, édition Albouraq, 1430- 2009, Beirut.
E. Montet: Le Coran, traduction intégrale, Payot, 1958, Paris.
Jacques Berque, Le Coran, Essai de traduction, Edition Albin Michel, 2002, Paris.
Le Coran- une essai de traduction et annotation, par Maurice GLOTON.
Le Coran, traduit de l’arabe par Jean Grosjean, présentation de Jean-Louis Schlegel, éditions Gallimard 2008, Paris.
Le coran, traduit et annoté par Abdallah Penot, Alif édition, Paris, juin 2011.
Le Coran, traduit par Kasimirski, chronologie et préface par Mohammed Arkoun. 1970, Garnier-Flammarion, Paris.
Le Noble Coran, Nouvelle traductiuon du sens de ses versets, par Mohammed Chiadmi, 6e édition, Tawhid, 2014.
M. Gloton, les 99 Noms d’Allah, 1428- 2007, Dar Albouraq, Beirut, Paris.
Maurice G. Le Coran, essai de traduction et annotation, par Maurice Gloton, ةdition bilingue: Arabe-Français. Albouraq, 1435- 2014, Beirut.
Maurice Gloton: Le Coran, un essai de traduction et annotation. Introduction, traduction et annotations Maurice Gloton, préface par Pierre Lorry, édition Albouraq, 1430- 2009, Beirut.
Maurice Gloton: Les 99 Noms d’Allah, édition 1428- 2007, Albouraq, Beirut, et: Une approche du Coran…
Maurice Gloton: Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, édition Albouraq, 2013- 2003, Beirut.
Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, Dar Albouraq, Beirut, Liban,1423- 2002.

----------------------------
[1][*]- كلّيّة اللغة العربيّة وآدابها، جامعة الجزائر2.
[2]- أستاذ معاصر، ولد بباريس سنة 1926، تخصّصه العلمي هو تسيير المؤسّسات، دراسات ما بعد التدرّج، وكان إطارًا ساميًا في عدّة مؤسّسات مهمّة. استقرّ بمصر مدة طويلة ودرس فيها، واعتنق الإسلام سنة 1950، وتعمّق في دراسة اللغة العربيّة، ورحل إلى البلدان العربية، وأدّى فريضة الحجّ.
وسلك الخط ّالعرفانيّ الذي كان له أثره على منهجه الفكريّ، ونظرته التحليليّة، لكنّه لم يلقَ الشهرة التي تعادل ما قدم من أعمال، فقد يكون السبب زهده في تلك الشهرة، وقد يكون إسلامه، فالعادة جرت بأن لا يُلتفت لحديث المسلم عن قضية تمسّ الإسلام، وقد يكون المعاصرة، والمعاصرة حجاب كما يقال، فلا يُعرَف فضلُ الحيّ بين الأحياء، ومن هنا كانت مؤلَّفاته خير من يتحدّث عنه.
وعكف على إبراز الجوانب العقليّة والروحيّة في الإسلام من خلال ترجمته لأعمال كبار الصوفيّة والمتكلّمين مثل الرازي والغزالي وابن عربي، وشارك في كثير من البرامج التليفزيونيّة قصد التعريف بالدين الإسلاميّ. توفي رحمه الله في فيفري 2017 بمدينة ليون الفرنسية.

من أعماله المؤلَّفة والمترجمة:
Ibn Ataa Alla, traité sur le nom Allah, Paris 1982.
Ibn Arabi, l’Arbre du Monde, paris 1982.
Ibn Arabi, Traité de l’Amour, paris 1982.
Fakhre ad-Din ar-Razi, Traité sur les Noms divins1986.
Le coran, parole de Dieu, Albouraq, Beirut, 2007.
ويبقى أهمّ تلك الأعمال ترجمتُه للقرآن الكريم، ترجمة عكس فيها رؤيته اللغويّة والصوفيّة، فجاءت ترجمة ذات فرادة وأصالة.
Le Coran, Essai de traduction et annotation par Maurice Gloton, ةdition bilingue: Arabe-Français, Albouraq, 1435- 2014, Beirut.
[3]- موسوعة لالاند الفلسفيّة، ج3، مادّة نظريّة (Théorie) ص1454، تعريب: خليل أحمد خليل، ط 2008، منشورات عويدات، باريس.
[4]- محمود فهمي زيدان، فلسفة اللغة، ص99، ط 1405هـ/ 1985م، دار النهضة العربيّة، بيروت.
[5]- محمود فهمي زيدان، فلسفة اللغة، م.س، ص99.
[6]- محمود فهمي زيدان، فلسفة اللغة، م.س، ص99.
[7]- م.ن، ص100.
[8]- محمود فهمي زيدان، فلسفة اللغة، م.س، ص98.
[9]- روبرت دي بوجراند، النصّ والخطاب والإجراء، ص171، ترجمة: تمام حسان، ط2، 1248هـ/ 2007م، عالم الكتب، القاهرة.
[10]- ماريان لودورير: التأويل سبيلًا إلى الترجمة، ص134، ط1، 2009، المنظمة العربيّة للترجمة، بيروت.
[11]- م.ن، ص135.
[12]- م.ن، ص136.
[13]- الاعتباطيّة في العلاقة بين اللفظ والمعنى كما تبنّاها دي سوسير، هي بذاتها اعتباط، وأيسر ما تُعارَض به هو أنّ قبولها يعادل رفضها، هذا إن كان لها بعض الوجاهة، وقد كان شديد الاعجاب بها والحماسة لها إذ قال (مع نقل النصّ كما هو): «إنّ الرابط الجامع بين الدالّ والمدلول هو اعتباطيّ، وببساطة أكثر يمكن القول أيضًا: إنّ العلامة الألسنيّة هي اعتباطيّة... وهكذا ففكرة أخت لا ترتبط بأيّ صلة داخليّة مع تعاقب الأصوات أ. خ. ت. تلك التي تقوم مقام الدالّ بالنسبة لها... إنّ مبدأ اعتباطيّة العلامة لا يُردّ ولا يُدحَض، لكن غالبًا ما يكون اكتشاف حقيقة ما أكثر سهولة من أن نوليه المكانة اللائقة به، ثمّ إنّ المبدأ الذي أخذنا به آنفًا يستبدّ بألسنيّة اللغة قاطبة، ونتائجه لا تعدّ ولا تحصى». =محاضرات في الألسنيّة العامّة، ترجمة: يوسف غازي، ومجيد النصر، ط1، 1984م، دار نعمان للثقافة، بيروت.
[14]- محمّد عناني: نظريّة الترجمة الحديثة، مدخل إلى مبحث دراسات الترجمة، ص47، 2003، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، والشركة المصريّة العالميّة للنشر، لونجمان، القاهرة.
[15]- محمّد عناني: نظريّة الترجمة الحديثة، مدخل إلى مبحث دراسات الترجمة، م.س، ص38.
[16]- محمد المبارك: فقه اللغة وخصائص العربيّة، ص171، ط7، 1401هـ/ 1981م، دار الفكر، بيروت.
[17]- Dar Albouraq, Beirut, Liban,1423- 2002.
[18]- Maurice Gloton: Une approche du Coran par la grammaire et le lexique; p84, édition Albouraq, 2013- 2003, Beirut.
[19]- Ibid. p86.
[20]- Ibid. p86.
[21]- Ibid, Maurice Gloton: p11.
[22]- محمد المبارك: فقه اللغة وخصائص العربية، ص171.
[23]- Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p31, Dar Albouraq, Beirut, Liban, 1423- 2002.
[24]- صبحي الصالح: دراسات في فقه اللغة، ص174، ط8، 1980، دار العلم للملايين، بيروت.
[25]- السيوطي: المزهر في علوم اللغة، ج1، ص346، شرحه وضبه وصحح عناوينه محمد أحمد جاد المولى، علي محمد البجاوي، محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الجيل بيروت ـ ودار الفكر، بيروت، (د.ت.)
[26]- M. Gloton, Le Coran, parole de Dieu, p119, Dar Albouraq, Beirut 1428 -2007.
[27]- ibid, p119
[28]- أحمد ابن فارس: مقاييس اللغة، 1/ 277، وضع حواشيه إبراهيم شمس الدين، ط1، 1420هــ/ 1999م، دار ‏الكتب العلميّة، بيروت. ‏‎
[29]- م.ن، 1/ 277. ‏
[30]- M. Gloton, Le Coran, parole de Dieu, p119.
[31]- الرازي: التفسير الكبير، 1/ 156. ط 3، (د.ت)، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت.
[32]- نظام الدين النيسابوريّ: تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، 1/ 75، ضبطه وخرج آياته وأحاديثه، الشيخ زكريا عميرات، ط1، 1424هـ/ 1996م، دار الكتب العلميّة، بيروت.
[33]- ابن عادل: اللباب في تفسير الكتاب، 1/ 140، تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي معوض، مع آخرين، ط2، 2011م دار الكتب العلميّة، بيروت.
[34]- M. Gloton: Le Coran, Parole de Dieu, p119.
[35]- Le Coran, traduit par Kasimirski, chronologie et préface par Mohammed Arkoun. 1970, Garnier-Flammarion, Paris.
[36]- Jacques Berque, Le Coran, Essai de traduction, Edition Albin Michel, 2002, Paris.
[37]- محمد حميد الله: القرآن الكريم وترجمة معانيه على اللغة الفرنسية، ط1، 1435هـ/ 2014م، دار ابن كثير، دمشق.
[38]- E. Montet: Le Coran, traduction intégrale, Payot, 1958, Paris.
[39]- Le Coran, traduit de l’arabe par Jean Grosjean, présentation de Jean-Louis Schlegel, éditions Gallimard 2008, Paris.
[40]- Le Coran, traduit et annoté par Abdallah Penot, Alif édition, Paris, juin 2011.
[41]- Le Noble Coran, Nouvelle traductiuon du sens de ses versets, par Mohammed Chiadmi, 6e édition, Tawhid, 2014.
[42]- القشيري: لطائف الإشارات، 1/ 47، تحقيق إبراهيم بسيوني، ط 1981، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة.
[43]- M. Gloton: Le Coran, Parole de Dieu, p119.
[44]- M. Gloton: Le Coran, Parole de Dieu, p120.
[45]- Ibid. p120.
[46]- Maurice G. Le Coran, essai de traduction et annotation, par Maurice Gloton, ةdition bilingue: Arabe-Français, p9. Albouraq, 1435- 2014, Beirut.
[47]- إجنتس جولتسيهر، مذاهب التفسير الإسلاميّ، ص234، ترجمة: عبد الحليم النجار، ط5، 1413هـ/ 1992م، دار الجيل، بيروت.
[48]- M. Gloton, les 99 Noms d’Allah, p15, 1428 -2007, Dar Albouraq, Beirut, Paris.
[49]- M. Gloton: une approche du Coran, p391.
[50]- أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ص79، ط7، 1430هـ/ 2009م، عالم الكتب، القاهرة.
[51]- روجي غارودي: نداء إلى الأحياء، ص315، ترجمة: ذوقان قرقوط، ط1، 1981، دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق.
[52]- م.ن، ص316.
[53]- ابن عربي: فصوص الحكم، ص48-49، تحقيق: أبو العلا عفيفي، ط1، 1365هـ/ 1946م، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
[54]- Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p12.
[55]- Ibid. Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p14.
[56]- Ibid. p14.
[57]- Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p14.
[58]- Ibid. p14.
[59]- Ibid. Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p15.
[60]- Ibid. p15.
[61]- Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p31.
[62]- Ibid. Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p39.
[63]- Maurice Gloton: Les 99 Noms d’Allah, p37, édition 1428- 2007, Albouraq, Beirut, et: Une approche du Coran…, p46.
[64]- Une approche du coran…, p46. Et : Le Coran, un essai de traduction et annotation, par Maurice Gloton, édition bilinguen Arabe-Français, p18, Dar Albouraq, 1435- 2014, Beirut.
[65]- Une approche du coran… p46.
[66]- Le Coran- une essai de traduction et annotation, par Maurice GLOTON, p262.
[67]- Ibid. Le Coran- une essai de traduction et annotation, p186.
[68]- Maurice Gloton: Le Coran, un essai de traduction et annotation, p19. Introduction, traduction et annotations Maurice Gloton, préface par Pierre Lorry, édition Albouraq, 1430-2009, Beirut.
[69]- يجيز المتكلّمون (فلاسفة العقيدة) إطلاق الشيء على الله، ويستندون في تجويز الإطلاق على القرآن واللغة العربيّة. انظر:
Arrazi: Traité sur les nom divins, p607, introduction, traduction et annotations Maurice Gloton, préface par Pierre Lorry, édition Albouraq, 1430- 2009 , Beirut.
[70]- Maurice Gloton: Le Coran, un essai de traduction et annotation, p19.
[71]- Ibid. Maurice Gloton: Le Coran, p19.
[72]- Ibid. p19.
[73]- Maurice Gloton: Le Coran, essai de traduction..; p1.
[74]- Une approche du coran…, p33.
[75]- Ibid. p33.
[76]- Ibid. Une approche du coran, p33.
[77]- Ibid. Une approche du coran, p33.
[78]- Ibid. Une approche du coran, p39.
[79]- Ibid. p39.
[80]- Ibid. Une approche du coran, p41.
[81]- القرآن الكريم وترجمة معانيه إلى الفرنسيّة، ص15، ط1، 1435هـ/ 2014م، دار ابن كثير، دمشق.
[82]- Le Coran, essai de traduction, p43, 2dition Albin Michel, 2002, paris.
[83]- Ibid. p43.
[84]- Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p40.
[85]- Ibid. p40.
[86]- Ibid. Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p40.
[87]- لسان العرب، مادة غفر، (غفر الله الذنوب أي سترها، وغفرته المتاع أي جعلته في الوعاء) = ج11/ 64.
ومادّة كفر ... ككفر نعمة الله أي جحدها وسترها... = ج13/ 84. الطبعة الثالثة، 2004، دار صادر، بيروت.
[88]- Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p48.
[89]- Ibid. Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p49.
[90]- Ibid. Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, p50.
[91]- Ibid, p50.
[92]- Le Coran, parole de Dieu, p58- 59.
[93]- Ibid.Le Coran, parole de Dieu, p98.
[94]- Ibid. p101.
[95]- Ibid. Le Coran, parole de Dieu, p103.
[96]- Ibid. p103.
[97]- Ibid. Le Coran, parole de Dieu, p103.