العدد 21

العدد 21

محتويات العدد

■ بلاد شنقيط والمستشرقون

د. بوها محمد عبد الله سيدي

■ المستشرق أغناطيوس كراتشكوفسكي وأصول البديع في القرن الثالث الهجري  

أ.دحامد ناصر الظالمي

■ جمع القرآن الكريم وموقف المستشرقين السويديين منه

أ.د.  حكمت عبيد الخفاجي - الباحث عصام هادي كاظم

■ الاستشراق الفرنسي والإرث الثقافي الكولونيالي 

أ. مارية جوهري

■ المرجعية الهندية للتصوف الإسلامي في دراسات المستشرقين

د.خالد إبراهيم المحجوبي

■ الإسلام في مرآة الأنواريين مونتسكيو  فولتير و روسو نموذجًا

بقلم: رشيد النفينف

■ الجهة في اللغة العربية

د.جميل حمداوي

■ الغرب يعزّز صورة الصراع بين المسلمين ويغذيها

نقد ومناقشة: جهاد سعد

 

افتتاحية العدد

كفى اتهامًا للدين بما تفعله السياسة

  تبدأ مجلة «دراسات استشراقيّة» سنتها الجديدة بهذا العدد المتميز في تنوعه وثرائه، لجهة الموضوعات والأبحاث والمقاربات. وبغية مواكبة الإصدارات الاستشراقية الحديثة أضفنا بابًا ثابتًا إلى صفحات المجلة نناقش فيه كتابًا، من منظورٍ إسلاميٍّ؛ لتوسعة مصادر المهتمّين، وردّ الشبهات التي لا تزال مكنة الاستشراق الحديث تعمل على تصنيعها وإنتاجها ونشرها. ولهذه الغاية اخترنا في هذا العدد أن ندحض مزاعم مارتين غوزلان في كتابها «السنة والشيعة، لِمَ يتقاتلون؟».

 يجب ألّا نستهين بهذا الكمّ الهائل من الإصدارات، الذي يحاول تكريس فكرة «الحرب المقدّسة» بين المذاهب الإسلامية، لفرض هذه المقاربة على الباحثين وتعميمها في الخطاب الإعلامي في العالم أجمع. مجهودٌ كبيرٌ يقع على عاتق الباحثين المسلمين لمنع اتهام الدين بما تفعله السياسة، وإبراز رحمانية الحضارة الإسلامية التي تستوعب كل التنوع العالمي وتتفاعل معه بلا أحكامٍ مسبقةٍ أو عنصريةٍ.

نتناول في هذا العدد الأبحاث الآتية:

1.  في بحثه القيم، «بلاد شنقيط والمستشرقون»، يكشف الدكتور بوها محمد عبد الله سيدي، عن المواقف المتباينة للمستشرقين من «المحظرة الشنقيطية» التي كانت تقوم بدور الكتّاب أو الكتاتيب في المشرق العربي. ويظهر بشكلٍ موثّقٍ ودقيقٍ كيف أن المحظرة على تواضع بنيتها، كانت عثرةً في وجه التغريب والفرنسة والتنصير، وكيف أخضعت للدراسة التفصيلية والتضييق على مشايخها لإبدالها بنظام المدرسة الفرنسية. ومن اللافت أن الآراء الإيجابية التي أبداها بعض المستشرقين، ما كانت مانعًا من مشاركتهم في محاصرة المحظرة ومحاربتها، تطبيقًا للسياسة الفرنسية الرسمية التي كانت تؤيد نشر التنصير بالإرغام إن لزم الأمر.

2. تحت عنوان: «المستشرق أغناطيوس كراتشكوفسكي وأصول البديع في القرن الثالث الهجري» يشرح الأستاذ الدكتور حامد ناصر الظالمي خصوصية الشخصية والاستشراق الروسيّيْن، وما توصّل إليه هذا المستشرق في إثبات أصالة البديع العربي، فيما سعى أدباء عربٌ كطه حسين لإثبات تأثر البديع العربي بالبديع اليوناني. تكشف مؤلفات المستشرق عن موسوعيةٍ واهتمامٍ خاصٍّ بالأدب العربي الحديث، فيما كان انشغال دوائر الاستشراق منصبًّا على الأدب القديم، وهذه ميزةٌ أخرى لكراتشكوفسكي تفتح أعين الباحثين على ضرورة التبحر في نتاجه الثري.

3. «جمع القرآن الكريم وموقف المستشرقين السويديين منه» للأستاذ الدكتور حكمت عبيد الخفاجي والباحث الأستاذ عصام هادي كاظم، بحثٌ جامعٌ لمعاني جمع القرآن، يتصدى فيه الباحثان لدعاوى المستشرقين حول مراحل جمع القرآن، والتفسيرات التي تهدف إلى التشكيك في النسخة المتداولة بين المسلمين. وقد فرض هذا الاجتماع على نصٍّ واحدٍ للقرآن الكريم في الأمة الإسلامية جمعاء -على الرغم من ظهور الفرق الكلامية والمذاهب الفقهية والتدخلات السياسية- هالةً وهيبةً للقرآن الكريم، لا تزال تُستهدف بمحاولات إخضاع الكتاب الكريم للمناهج التاريخانية والهيرمونطيقا.

4.  بتمكنٍ وجدارةٍ شرحت لنا الباحثة المغربية مارية جوهري «مميزات المدرسة الاستشراقية الفرنسية وخصائصها»، وكيف تمكنت من توظيف المعرفة من أجل بسط السلطة والسيطرة. ولم تنس أن تشير إلى نقد الاستشراق الفرنسي من داخله في تجربة جاك بيرك. يشكّل بحث الأستاذة جوهري علامةً فارقةً في دراسة المدرسة الفرنسية بحقٍّ.

5. «المرجعية الهندية للتصوف الإسلامي، في دراسات المستشرقين»، للدكتور خالد إبراهيم المحجوبي، بحثٌ مثيرٌ للجدل ككل بحثٍ يتناول الأثر الأجنبي في ظاهرةٍ إسلاميةٍ، فالكاتب يرى الأثر الهندي في التصوف الإسلامي في المجال النظري أكثر مما هو في المجال العملي، ولكن خلفيات المقاربة الاستشراقية للتصوف الإسلامي كانت جديرةً بالشرح بشكلٍ أكثرَ توسُّعًا، لأن القصد هو إما نفي الروحانية عن الإسلام واعتبارها أثرًا مسيحيًّا أو هنديًّا، أو إبراز عجز المسلمين عن الاستفادة من تراثهم في تأسيس المدارس الصوفية. فكان من المناسب بحث أسس فكرة الحب الإلهي في الأثر الإسلامي الأصيل، أي في القرآن الكريم والحديث الشريف والحديث القدسي، وإثبات أصالة  الفهم الإسلامي للفكرة والممارسة وأنها تتوسط الإفراط والتفريط، ثم البحث عن أسباب الشطح عند المتصوفة ومنها الأثر الهندي.

6.  الأستاذ رشيد نفينف في مقالته عن «الإسلام في مرآة الأنواريين»، يستعرض صورة الإسلام عند مونتسكيو وفولتير وروسو، ليظهر أثر المركزية الغربية في رؤيتهم خصوصًا عندما يؤكد مونتسكيو على العلاقة بين الشرق والإسلام والاستبداد، ويخصص فولتير مسرحيةً للربط بين الرسول صلى الله عليه وآله والتعصب والقرآن والتحجر الفكري، ويستند روسو على إشاعات التبشير ليقدم صورةً غبيةً عن المسلمين.

من هنا نرى أننا يجب أن نعيد النظر بمصطلح «الأنواريين» الدعائي أساسًا، حيث لم يكن الفكر الغربي قادرًا على معرفة الإسلام متجردًا من ذاتية الغرب، فأسقط تجربته مع الكنيسة على أيّ دينٍ سماويٍّ من غير فهمٍ موضوعيٍّ لما تميّز به الإسلام الحقيقي. لم يكن عصر الأنوار من كل جوانبه مستنيرًا، وإنما اختلطت فيه أفكار الحرية والعدالة والعقد الإجتماعي بظلماتٍ بعضها فوق بعضٍ.

7. بحث لغوي عميق ورصين يقدمه الدكتور جميل حمداوي عن «الجهة في اللغة العربية»، مناقشاً دعوى بعض المستشرقين بأن اللغة العربية لغة جهوية وليست زمنية، ليبرهن مستعينا بالباحثين اللسانيين المعاصرين أن العربية لغة جهوية وزمنية في آن واحد، بلحاظ الظرف الزمني من جهة،  ولحاظ البعد الشخصي الجهوي من جهة أخرى.

 يبقى أن نشير إلى أن الغاية من تجريد العربية من "الزمنية" هو نفي الموضوعية عنها بحيث تصبح اسيرة المتكلم ولا تصلح للتعميم الموضوعي في لغات العلم. وتبرهن صيغ التجريد في العربية على عكس ما يدعيه المستشرقون، وأنها أقدر اللغات على مواكبة لغات العلم الحديثة بسبب قابلية التوليد في صيغها ومعانيها بما يفوق اللغات اللاتينية وهذه دعوى تحتاج إلى مزيد من الأبحاث.

مدير التحرير

جهاد سعد