العدد 22

العدد 22

محتويات العدد

■ شتروتمان وبؤس الكتابة التاريخيّة

يوسف الهادي

■ جهود المستشرقين الفرنسيّين في دراسة اللّهجات الجزائريّة  -مقاربة إثنوغرافيّة-

الدّكتور: حاج بنيرد

■ السرديّات الاستشراقيّة والتراث الثقافي في البلاد التونسيّة خلال الفترة الاستعماريّة (1881 - 1956): الممارسة والرهانات وإنتاج الصور النمطيّة 

محمد البشير رازقي

■ جهود المستشرق الألماني يوهان فك في اللّهجات العربيّة دراسة ابيستيمولوجيّة

 أ. د. سامي الماضي

■ مشروع ديفيد رآوبيني اليهودي للاستيلاء على فلسطين(1522 - 1538م)

د.مصطفى وجيه مصطفى إبراهيم

■ رجل الاستشراق  مسارات اللّغة العربيّة في فرنسا

عرض ومناقشة: جهاد سعد

 

افتتاحية العدد

حواريات الجوائح بين الغرب والشرق

إذا كان الفيروس الطبيعي قابلًا للإنتشار بين الأجساد، فكم من فكرةٍ لعبت دور الفيروس بين العقول، وقد يتوصل العلماء إلى لقاحٍ في حالة الجائحة الأخيرة التي شلّت العالم، ولكن المناعة الفكرية لا سبيل إلى حقنها وتنتهي المشكلة ويدفع الخطر. بل هي تغذيةٌ مستمرةٌ وتدريب مستمر، على النباهة العقلية والمرونة الفكرية، والقدرة على التقييم بمعنى قياس القيمة، وعلى التقويم بمعنى إصلاح الإعوجاج.

لعل استجابة الدول الغربية لتحديات جائحة كورونا، توقظ العقول والضمائر على حقائق كانت لاتزال مخفيةً بهالة الدعاية للنموذج الغربي، الذي تصدى منذ قرون لقراءة الشرق باستعلاءٍ واضحٍ. فهل نحن في بداية سقوط النموذج؟ أم في بداية صحوة إنسانية قد تساهم في تقويم المسار الخاطىء الذي سلكته الحداثة في مركزها وفيما حولها؟.

في هذا العدد

1. بتمكّن وجدارة، يتصدّى الباحث التراثي العراقي يوسف الهادي، إلى دعاوى المستشرق الألماني شتروتمان في كتابه المسمّى (الشيعة الاثنا عشرية في زمن المغول، نصير الدين الطوسي ورضي الدين ابن طاووس شخصيّتان من ذلك الزمان)، مستندًا إلى «مثلث ذهبي» من المؤرّخين البغداديين، وهم: ابن الساعي البغدادي الشافعي (593-674هـ)؛ ابن الكازروني البغدادي الشافعي (611-697هـ)؛ ابن الفوطي الشيباني البغدادي الحنبلي (642-723هـ)، وهم مواطنون بغداديون وُلدوا في بغداد وعاشوا فيها خلال العصر العباسي وكانوا فيها حينما دخلها المغول.. لم يسبق أن تمّ تناول ملابسات دخول المغول إلى بغداد بهذه الشمولية الموثّقة التي تستحقّ منّا كلّ التنويه والتقدير.

2. سمحت الفترة الطويلة من الاستعمار الفرنسي للجزائر قرابة 120 عامًا (1830-1962)، للمؤسّسة الاستشراقيّة الفرنسيّة بإجراء عمليّة مسح إثنوغرافيّ كاملة للبلاد. وكانت اللّهجات العاميّة العربيّة والبربريّة والقبليّة محلّ اهتمامٍ خاصٍّ لدورها في تسهيل التواصل مع الشعب، والتأثير عليه بوسائل الدعاية المختلفة. يستعرض الدكتور حاج بنيرد جهود المستشرقين الفرنسيين في دراسة اللّهجات الجزائرية، في دراسة تكشف تداخل مناهج الاستشراق مع الإنثرويولوجيا في مرحلة مبكرة نسبيًّا.

3. «السرديّات الاستشراقيّة والتراث الثقافيّ في البلاد التونسية» عنوان دراسةٍ مكثّفةٍ ومعمّقةٍ للدكتور محمد البشير الرازقي، وفيها يشرح كيف يحوّل المستعمر نفسه إلى حاجة للبلاد التي يستعمرها عن طريق خلق الصّور النمطيّة وحبس الباحثين والمتلقّين في نطاقها. وهذا ما حدث عندما تمّ ربط الاستعمار بالحداثة والتحديث، ويتوصّل الكاتب في النهاية إلى تحرير مفهوم الحداثة من إطاره الغربيّ مستفيدًا ممّا أنتجه تيّار ما بعد الحداثة من مقارباتٍ ناقدةٍ للسرديّات الغربيّة: «فكلّ مجتمع يُشكّل حداثته من أجل تلبية رغبة مجتمعيّة، فهي خاضعة لسياقات خاصّة بأهاليها وفاعليها الاجتماعيّين، والحداثة هي مجموعة الممارسات التي تتشكّل من أجل تلبية رغبة مجتمعيّة وتجاوز عائق خلال الحياة اليوميّة».

4. جهود المستشرق الألماني يوهان فك في اللّهجات العربية، عنوان الدراسة التي يقدّمها الأستاذ الدكتور سامي ماضي مستندًا إلى كتاب (العربية دراسات في اللّغة واللّهجات والأساليب)، الذي يرى أنّ اللّهجات هي ظاهرة لغويّة تميّزت بها اللّغة العربية، واحتفظت بها إلى يومنا هذا، وقد ميّزتها السّمات اللّغوية التي فقدها قسم من اللغات السامية، ويرى فك أيضًا أنّ هجرة القبائل العربية كانت سببًا في بقاء تلك اللّهجات وانتشارها بين ألسن اللغويين، فضلًا عن طريقة الحياة البدويّة، وبذلك فقد حافظت على سلامة لهجتها وخلوصها. ويتضمّن البحث ملاحظاتٍ نقديّةً قيّمةً على طريقة المستشرقين في مقاربة اللّهجات العربيّة، مع إبراز أهميّة العمل الموسوعيّ الّذي قام به المستشرق الألمانيّ.

5. حمل ديفيد رآوبيني مشروع الاستيلاء على فلسطين في رحلة إلى أوروبا، خلال القرن السادس عشر الميلادي، وأحاط نفسه بالأساطير المرتكزة على استغلال العقائد المسيحيّة واليهوديّة. وقد حظي بدعم البابا وبعض الملوك الأوروبيين بناءً على توصية هذا الأخير. الدكتور مصطفى وجيه مصطفى إبراهيم، يكشف في بحث مشروع ديفيد رآوبيني تاريخًا جديدًا للفكرة الصهيونيّة أو حلقة في مسيرة تسويق الفكرة في الفضاء الأوروبيّ المسيحيّ الذي لم يكن بعيدًا عنها.

6. في باب مناقشة كتاب، اخترنا لهذا العدد كتاب المستشرق الفرنسي دانيل ريغ «رجل الاستشراق»، الذي يستعرض قصّة الاستشراق الفرنسي بمنهجيّةٍ نقديّةٍ، مؤكّدًا على أهميّة الاستشراق الميداني بدل رؤية الشرق من المكتبات. ويعتبر المؤلّف أنّ الأسلوب الذي اُعتمد من قبل سلفستر دي ساسي أدّى في النهاية إلى ضمور الاهتمام باللّغة العربية في فرنسا، وبالتالي تحوّل الاستشراق الفرنسي إلى عملية بلا مشروع. ولكنّنا نرى من خلال قراءةٍ معمّقةٍ للكتاب أنّه يدفع باتجاه استشراق أعمق تأثيرًا في الشرق العربي، ولا يصل إلى مستوى نقد المؤسّسة على الرغم من اعترافه بعلاقتها الوطيدة بالاستعمار.

مدير التحرير

جهاد سعد