العدد 17

العدد 17

محتويات العدد

■ موقف المستشرقين من التصوف الإسلامي

أ. د. عبد الرحمان تركي 

■ آسين بلاثيوس في الكتابات العربية المعاصرة

أ. د.  أحمد عبد الحليم عطية

■ الاستشراق في فكر إدوارد سعيد قراءة في منهج الخطاب

أ. م.د.  لطيف نجاح شهيد الفتلاوي القصاب

■ خدمات الاستعراب الإسباني في مجال الأدب

جميل حمداوي 

■ دراسات المستشرق الألماني فيرنر كاسكل (1896 - 1970)

أ. د.  حامد ناصر الظالمي

■ الوحي القرآني بين الفكر الإسلامي والفكر الاستشراقي والحداثوي

يعقوب حسن بريد الميالي

■ رؤيةٌ استشراقيةٌ فرنسيةٌ للرواية العربية

أ. د. سليمة لوكام 

■ تأملاتٌ واستدراكاتٌ على كتاب «الأندلس برؤًى استعرابيةٍ»

د. محمد بلال أشمل 

■ موقف الحركة الاستشراقية من تاريخ النحو العربي ونقدها

أ. د.  حمداد  بن عبد الله

 

ملخصات البحوث باللغة الانجليزية

"Originality of Arabic Grammar"

By Dr. Hamdad Bin Abdullah

Andalusia in Arabist Views by Dr. Mohammad Al A marti

By Dr. Mohammad Bilal

"Jacques Berque and André Miquel's Visions of the Arabian Novel"

By Professor Dr. Salima Loukam

"The Quranic Revelation between the Islamic Thought and the Modernist Orientalist Thought"

By Yaqoub Al-Mayali

Werner Caskel, the orientalist"

By Dr. Hamid Naser Al Zalimi

 "The Spanish Arabicism Favors for the Andalusian Literature"

By Researcher Jamil Himdawi

Orientalism in the Intellect of Edward Said"

By Dr. Latif Najah Shaheed Al Qassab

"Miguel Asin Palacios" (1871 -1944)

By Dr. Ahmad A‘bdel Haleem A‘tiyeh

 "The Orientalist Stance Toward Islamic Sophism"

By Dr. Abdel Rahman Turki

 

افتتاحية العدد

العلم عندما يتأنسن

من أخطر ألعاب اللغة التي نجح الغرب في تسويقها، مصطلح «العلوم الإنسانية» الذي يطلق اليوم على الفلسفة والحقوق وعلم الاجتماع والآداب والتاريخ والأنثروبولوجيا وغيرها، فهذه العلوم في تأسيسها الغربي، أثبتت في تطبيقاتها السياسية أنها ليست إنسانية، يعني ليست من أجل الإنسان ورقيّه أينما كان، وإنما موضوعها هو التحكم بالإنسان، فموضوعها الأساس هو هندسة المجتمعات بما يتوافق مع المصالح المرئية بعينٍ أحاديةٍ عنصريةٍ. الإنسان هنا مستهدفٌ وليس هدفاً، هو فريسة المعرفة لا نتاجها، ما يجعل بنية العلم كلها بحاجةٍ إلى تحريرٍ وأنسنةٍ، وهذه مهمةٌ يصعب على جهةٍ واحدةٍ في العالم أن تقوم بها وتحتاج إلى أمةٍ من العلماء تقارب العلم كخادمٍ للإنسان لا لمستخدمٍ له.

سواءٌ في الغرب أو الشرق، في الشمال أو الجنوب، برزت أصواتٌ محترَمةٌ بين العلماء من أجل منظومةٍ معرفيةٍ جديدةٍ، تصالح بين حق الإنسان في المعرفة وحقوقه في التحرر والتنمية. يبدأ الأمر في منع احتكار العلم عبر احتكار الثروة التي تزود الأبحاث العلمية بمواد البحث وموازنات الأبحاث، ثم تصل بنا عملية تحرير العلم وأنسنته إلى من يحتكرون السلطة المتحكمة بالثروة، وهكذا فإن بدأنا في عملية التحرير سنجد أنفسنا أمام تحديات تحتاج بالفعل إلى أمةٍ عالميةٍ لا تنتمي إلا إلى القيم الإنسانية الأصيلة وكرامة الإنسان. والشعوب بفطرتها تميل إلى القيم إذا تحرر وعيها من دوائر التحكم في التعليم والإعلام والسياسة، يكفي أن نثابر على نقد العلوم المؤسسة على التحكم، ونعمل على إعادة إنشاء البدائل المناسبة بصبرٍ وثباتٍ: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾[1].  

في هذا العدد:  

1.موقف المستشرقين من التصوف الإسلامي يعرض له الدكتور عبد الرحمن تركي شارحاً عوامل انجذاب المستشرقين للتصوف واهتمامهم به خصوصاً لجهة ربط الأمة الإسلامية  بالكسل والتواكل في عصور الانحطاط، أو لجهة البحث عن تأثيرٍ مسيحيٍّ في الإسلام. ولم يخلُ الأمر من تأثّر بعض المستشرقين بالاتجاهات الصوفية في الإسلام حتى أنهم اعتنقوا الإسلام وتحولوا إلى صوفيين كما هو الحال مع رينيه غينون.

2.ميجيل آسين بلاثيوس (1871-1944) مستشرق إسبانيٌّ مرموقٌ نذر حياته للبحث في الخدمات التي قدمتها الأندلس للفلسفة والتصوف  بدءاً من ابن مسرة وصولا إلى ابن عربي.

يعرض الدكتور أحمد عبد الحليم عطية جملةً من الكتابات العربية المعاصرة عن بلاثيوس، الذي يبدو من خلال العرض جادّا في البحث عن التأثير المسيحي في التصوف الإسلامي والعكس... مع روحٍ وطنيةٍ تنسب إبن عربي إلى إسبانيا وتعتز به.ولا يختلف بلاثيوس باعتباره قسيسا  عن غيره من التبشيريين إلا بمقدار ما يحاول أن يكون محترما للتراث الإسلامي ومعترِفا بفضله، ولكنه بالمقابل يستغرق في البحث عن النظائر والأشباه محاولا تكريس فكرة الأثر المسيحي في التصوف الإسلامي الأندلسي. وهنا تغيب عن دراساته عمليات البحث في جذور فكرة الحب الإلهي في القرآن الكريم.

3.الاستشراق في فكر إدوارد سعيد قراءة في منهج الخطاب، للدكتور لطيف نجاح شهيد القصاب، مقاربة نقدية تضاف إلى آلاف الصفحات التي كتبت بعد انفجار أطروحة إدوارد سعيد في كتابه الإستشراق. وفي رأينا أنه نقدٌحترم يحتاج أيضا إلى نقد محترم، ولذلك سنحاول في بضع نقاطٍ أن نفتح السجال مع النص الذي يستحق التدبر والاهتمام.

أولاً: يهمل الناقد العنوان الفرعي للكتاب ويركز على كلمة استشراق وحدها مع أن العنوان الكامل هو «الإستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء»، وهكذا فإن الرسالة التي أراد أدوارد سعيد توجيهها من خلال كتابه، هي ما كان ينقص كل الدراسات الإستشراقية بشكلٍ أو بآخر، وخلاصتها أن المعرفة في الغرب ليست إلا حقلاً من حقول السلطة، وأن مصلحة هذه السلطة الغربية الاستعمارية تقتضي «إنشاء» شرقٍ موافقٍ لهواها للإمعان في مسخ صورته وتسهيل السيطرة عليه سواءً في المخيال الغربي أو الشرقي.

وطالما أن الغرب هو المستهدف في نتاج الغربيين فإن جمهور المستهلكين للمعرفة التي يوفرها نتاج المستشرقين، غافلٌ عن حضور «السلطة السياسية» في المعرفة التي تقدم بعباءة مكر الموضوعية. غابت فكرة المعرفة، كحقلٍ من حقول السلطة، عن النص، ليحل محلها الكلام عن البراعة الأدبية واللغوية لإدوارد سعيد، وبذلك أصبح الكلام على هامش الرسالة لا مضمونها العميق.

ثانياً: إن ردود الفعل الغاضبة من المستشرقين الصهاينة تحديداً الذين يضمّنون كل كتاباتهم أجنداتٍ إيويولوجيةً واضحةً كبرنارد لويس، إن دلت على شيء، فهي تدل على مدى بلاغة الرسالة وعمق الفكرة السعيدية، التي عرّت ذلك الكمّ الهائل من التعبئة ضد الشرق والعرب والإسلام في أميركا تحديداً وفي الغرب عموما، والذي يقدم بعنوان معرفة الشرق. إدوارد سعيد قالها ببلاغةٍ فائقةٍ: هذه ليست معرفةً موضوعيةً بل سياسةً وإيديولوجيا تقدم نفسها على أنها علمٌ.

ثالثاً: أهملت أهمية المكان الذي يتكلم فيه سعيد، مع أنه قال أنه يكتب من «خارج المكان» الذي ينبغي أن يكون هو فيه، وهو عبارةٌ عن دولةٍ عظمى تسخّر إمكانياتها لدعم مشروعٍ صهيونيٍّ،  بسبب الهيمنة الصهيونية على مصادر المعرفة فيها. ومراجعةٌ عابرةٌ لما تنتجه مراكز التفكير المتصهينة في أميركا، تجعلنا نفهم أكثر لماذا ذهب إدوارد سعيد إلى ساحة المعركة مع الإستشراق لتحرير الوسط العلمي الأميركي من سطوة الصورة النمطية التي لا تكف مراكز التفكير عن إنتاجها، ولا يكف الإعلام عن ترويجها وبالتالي تسهيل استهلاكها من الجمهور.

رابعاً: لم يشتهر الكتاب فقط بسبب مكانة إدوارد سعيد العلمية فهذا مدحٌ في معرض الذم بل لأنه بالفعل غيّر الأسلوب التقليدي في مقاربة الموضوع، وجند مهاراته الأدبية والفكرية وثقافته العميقة في معركةٍ تُخاض بالفعل على عقل المتلقي الغربي، ونجح في زعزعة الأمان المعرفي الكاذب للسلطة المعرفية هناك.

4.خدمات الاستعراب الإسباني للأدب الأندلسي: دراسة توثيقية للباحث جميل حمداوي، تستعرض اهتمام الاستعراب الإسباني بتوثيق وأرشفة وتأريخ وتدوين وتحقيق ما تركه الأدباء المسلمون الأندلسيون على أمد فترة الحكم الإسلامي التي دامت ما يقارب 800 عامٍ. ويظهر جليّاً كيف اعتنى بعض الملوك الإسبان بتأسيس مكتباتٍ خاصةٍ للمخطوطات العربية ومنها مكتبة إسكوريال الشهيرة، وكيف اعتنى المستعربون بالشعر العربي على أنواعه، بينما حاول آخرون نزع الأصالة عن النتاج الأدبي الأندلسي، ولم يخل المشهد من المستعربين المنصفين.

5.في دراسته عن المستشرق فيرنر كاسكل، يعود بنا الدكتور حامد ناصر الظالمي، إلى ما قبل الميلاد وتاريخ اللحيانيين وعرب الشمال، ودورهم في تأسيس المدن وتطور علاقتهم مع الأطراف، وفي البحث إضاءاتٌ  حول أصل الكتابة العربية النبطية وآلهة البدو القدماء، وملاحظاتٌ نقديةٌ مهمةٌ على استنتاجات المستشرق كاسكل.

6.الوحي القرآني بين الفكر الإسلامي والفكر الاستشراقي الحداثوي، بحثٌ يقارن فيه الكاتب يعقوب الميالي نظريات الإسلاميين بنظريات المستشرقين والحداثويين، حول ماهية الوحي ومكانته في عالم الإدراك والمعرفة.

العرض يشمل العديد من الرؤى القيمة التي تستحق المناقشة لدى الإسلاميين، أما ماطرحه الآخرون فيحتاج إلى مزيدٍ من التعرية لكشف الخلفيات غير الفكرية للنظريات التي اقتبسوها أو طرحوها بغية تضعيف حجية الوحي وقوة القرآن في المجتمعات الإسلامية. وهذا النوع من الردود على نظريات تعب الحداثويون والمستشرقون في نحتها يجب أن يتضمن سيكولوجيا المفكر وسوسيولوجيته، فبعض الأفكار التي ينسبونها إلى الوحي تنطبق عليهم أولاً، لأنهم يعتقدون أن قيادة التغيير في مجتمعاتهم تبدأ من  الطعن بالقرآن والنبوة والوحي، وما ذلك إلا لأنهم عجزوا فعلا عن فهم القرآن فاستقالوا من محاولة فهمه إلى تجاوزه.

فكيف يمكن أن تكون حالةٌ ذاتيةٌ عقليةٌ أو روحيةٌ على أحسن تقديراتهم قادرةً على الصمود في عالم المعرفة الكونية طوال هذه السنين، ثم إن أصحاب التجارب الذاتية غالباً ما لا تخرج أقوالهم عن أحوالهم، فلا كون ولا نجوم ومجرات وجبال وخلق وأطوار خلق، ومعجزات بلاغية، ورياضية، وعلمية لاتزال تحير العقول إلى يومنا هذا... فالحق أن واقع المسلمين الناتج عن حكم الظالمين هو المسؤول عن بحث بعض الحداثويين عن تغيير ماعجزوا عن إحداثه في الواقع، والقرآن والوحي والنبي غريبون في عالم المسلمين هذا، ومن يفهم القرآن بعمقٍ خاصةً من أهل الذكر أهل البيت R يدرك مظلومية النبي سواءً من بعض من ينسبون أنفسهم إليه P، أو ممن يتصدون لتفسير نبوته كظاهرةٍ على طريقة علم الاجتماع الغربي التي لا تؤمن أساساً بما فوق الطبيعة.

7.رؤية جاك بيرك وأندريه ميكال للرواية العربية تقدمها الأستاذة الدكتورة سليمة لوكام في قراءةٍ نقديةٍ محكمةٍ لمكامن الخلل في النظرة الاستشراقية الفرنسية للرواية العربية.

على ما يتميز به جاك بيرك من صلةٍ خاصةٍ بالمغرب العربي ولادة وثقافة تبقى المركزية الأوروبية المهذبة حاضرةً في قراءته لظروف ولادة الرواية العربية، ولا يقاربها إلا من منظورٍ سوسيولوجيٍّ تاريخيٍّ بحثاً عمّا يسميه التلاقي بين عدة روافد في التاريخ المصري تحديداً.

أما أندريه ميكال فيفصح عن مكنون أستاذه عندما يؤكد ربط تطور الرواية العربية بالتغريب.

والحق أن الشعر كان أدب العرب أما الرواية والمسرح فمن إبداعات روما والغرب، ولذلك يشكل رصد تطور الرواية معياراً لهيمنة التغريب على الأدب العربي، الذي لا يزال ينتج بالنسبة للمستشرقين «أدباً نثريّاً» لا يرقى أو لم يرق إلا نادرا إلى مستوى الرواية.

وليس من واجب الأدب العربي أن يتماهى مع التجربة الغربية  في الرواية بل عليه أن يخوض تجربته الخاصة من وحي بيئته، وإصرار المستشرقين على جعل التجربة الغربية غايةً ومقياساً بدل إعطاء كل تجربةٍ خصوصيتها هو مثالٌ آخرُ على هيمنة هاجس المركزية الغربية وتعدٍّ على حقنا في الاختلاف ثقافةً وأدباً وبيئةً.

8.في تأملاته حول كتاب «الأندلس برؤًى استعرابيةٍ» للدكتور محمد العمارتي، يفتح الدكتور محمد بلال أشمل باباً واسعاً للجدل حول ما يسميه «الأندلسيات الإسبانية»، وهو مصطلحٌ منحوتٌ يحاول أن يميز الدراسات الأندلسية عن الاستعراب والاستشراق ويعطيه خصوصيته التي يستحقها، حيث لم يكن المستعربون الإسبان أو معظمهم يقارب التراث الإسلامي في الأندلس من الزاوية نفسها التي تناولها المستعربون والمستشرقون، فبعضهم كان يعتز بها كجزءٍ لا يتجزأ من تراثه الوطني، فيما تناوله آخرون كجسر عبورٍ بين الضفتين. وتحفل ملاحظات الدكتور محمد أشمل بالاستدراكات على الكتاب القيم الذي يفتتح وجهة اهتمامٍ متحررةٍ من الاستشراق التقليديمن جهةٍ، ومؤسسةٍ لحوارٍ حضاريٍّ مع الغرب القريب في تاريخه وجغرافيته انطلاقاً من إسبانيا.

9.نفي الأصالة عن علم النحو العربي من أشهر دعاوى المستشرقين، ولكنه لا يثبت أمام النقاش والدليل العلمي، فاهتمام العرب بلغتهم مسألةٌ متجذرةٌ في ثقافتهم أضاف إليها القرآن الكريم والسنة والفقه أسباباً أخرى للتعمق عندما أصبحت العربية لغة الإسلام والأحكام، يفصل الدكتور حمداد بن عبد الله دعاوى الإقتباس من اليونانية وما لها وما عليها، وينتهي إلى أن لا علاقة للأثر اليوناني في تأسيس النحو العربي ولكن النحاة بعد عصر الترجمة لجأوا إلى التعاريف متأثرين بالمنطق الأرسطي ولا يعني هذا أن تقسيماتهم اللغوية أصبحت أرسطية حيث ينطلق النحو العربي من الكلمة بينما يدور النحو اليوناني حول الجملة، هذا من جهةٍ، أما من جهة تقسيم الكلمة إلى ثلاث:اسم وفعل وحرف، فإن أقسام الكلام عند اليونان ثمانية. وكل هذا يدل أن العرب حتى في التأثر بقيت لديهم استقلاليتهم النحوية

---------------------------

[1] سورة العنكبوت، الآية 69.