البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نقد العقل الاستشراقي عند هيجل

الباحث :  أحمد عبد الحليم عطية
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  36
السنة :  خريف 2023م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  October / 31 / 2023
عدد زيارات البحث :  4694
تحميل  ( 655.880 KB )
الملخّص
لا يظهر حديثنا عن هيجل استشراقيًّا بصورة واضحة إلَّا من خلال بيان نظرته إلى الحضارات الشَّرقيَّة المختلفة، كما عرض لها فى كتاباته الأخيرة الَّتي تظهر فيها هذه الحضارات مراحل تمهيديَّة للحضارة الغربيَّة الَّتي هي قمَّة النَّسق الهيجاء، واكتمال الرُّوح المطلق، أي أنَّ الاستشراق ليس صفة نخليها على عمل هيجل من الخارج، أو أحد عناصر مذهبه بل هي غاية النَّسق، والأساس الَّذي ينبني عليه. ومن هنا علينا التَّأكيد أهميَّة أثر موقفه من مختلِف الحضارات الشَّرقيَّة هذا الموقف الذي صار مصدرًا لكلِّ الكتابات الغربيَّة التَّالية عليه عن الشَّرق.

الكلمات المفتاحية: فلسفة التَّاريخ، المركزيَّة الأوروبيَّة، الاتِّجاه المعاكس، العالم الشَّرقي، بنية الفلسفة الهجيليَّة.

تمهيد
ونحن حين نتحدَّث عن استشراق هيجل، أو هيجل مستشرقًا؛ لا نقصد ذلك الاستشراق؛ الَّذي يحتوي على الرُّؤى، والتَّصورات، والأحكام الَّتي يقدِّمها الآخر الغربي المختلف دينيًّا، وعرقيًّا فقط، أو تلك الدِّراسات الَّتي تحوي داخلها ذلك التَّوتر، والحذر، والعداء التَّاريخي بين الشَّرق والغرب؛ عبر الصُّورة الَّتي يقدِّمها الغرب عن الشَّرق؛ الصُّورة التَّقليديَّة الَّتي وصف بها الاستشراق، وتحدِّدت معالمه طوال القرون الماضية، حتَّى اليوم؛ والَّذي يتغيا التَّبشير الدِّيني والهيمنة السِّياسيَّة. وقد أدرك بعض المثقَّفين العرب في العقود الأخيرة أهميَّة، وضرورة التَّعامل مع الاستشراق من وجهة نظر العلوم الإنسانيَّة، وقدَّمت دراسات عربيَّة مختلفة؛ تستهدف فحص أُسسه، وتتعمَّق تاريخيَّته؛ نسترشد بها في بيان رؤيتنا المعرفيَّة له، وتناقش افتراضاته الأساس، وهي الدِّراسات النَّقديَّة الَّتي بدأت بما كتبه أنور عبد الملك عن «الاستشراق في أزمة»[2]، وما كتبه أدوارد سعيد من رؤية ما بعد كولونياليَّة «الاستشراق»[3]، مرورًا بدراسات فؤاد زكريا المعرفيَّة في نقد منهجيَّة الاستشراق،[4] وهو ما ينطبق على جهود غيرهم من مفكِّري تيَّار ما بعد الاستعماريَّة ممَّا نجده لدي أيمى سيزار، وفرانز فانون، واشيل مبيمبي.

لا يظهر حديثنا عن هيجل استشراقيًّا؛ بصورة جليَّة؛ الأمن خلال بيان نظرته للحضارات الشَّرقيَّة المختلفة؛ كما عرض لها في كتاباته الأخيرة؛ الَّتى تظهر فيها هذه الحضارات كمراحل تمهيديَّة للحضارة الغربيَّة؛ الَّتي هي قمَّة النَّسق الهيجلي، واكتمال الرُّوح المطلق؛ أي أنَّ الأستشراق ليس صفة نخلعها على عمل هيجل من الخارج، أو أحد عناصر مذهبه؛ بل هي غاية النَّسق، والأساس الَّذي ينبنى عليه. ومن هنا علينا التَّأكيد أهميَّة أثر موقفه من مختلف الحضارات الشَّرقيَّة؛ هذ الموقف الَّذى صار مصدرًا لكلِّ الكتابات الغربيَّة التَّالية عليه عن الشَّرق.
ولسنا بصدد مناقشة الإستشراق عند هيجل ولا عند علماء النقد التاريخي للنصوص فقط؛ ذلك أنَّنا حين نعرض لاستشراقيَّة هيجل، أنَّما نهدف إلى العودة إلى الأصول الفلسفيَّة، أو ما يمكن أن نطلق عليه، أن صحَّت التَّسمية؛ البحث فى «جينالوجيا الإستشراق»، والبحث فى تفكيك الإستشراق، والبحث فى ابستمولوجيا الاستشراق، والبحث فى هيرمينوطيقا الاستشراق. وكما بحث البعض فى بنية، وتكوين العقل العربي؛ نطرح بدورنا التَّساؤل عن إمكانيَّة الحديث عن «نقد العقل الإستشراقي». أنَّنا نهدف إلى ما هو أكثر من النَّقد، نحن نهدف إلى البحث عن منهج يتجاوز النَّقد إلى التَّأسيس، وينقلنا من النَّزعة التَّاريخيَّة، والنَّقد التَّاريخي إلى الفلسفة، والتَّأسيس المعرفي للبحث فى أصول العقل الاستشراقي كما تجلَّت في صورة واضحة لدى هيجل.

ومن هنا ضرورة البحث في استشراقيَّة هيجل، نستهدف أوّلًا بيان مصادر المعرفة الغربيَّة الَّتي توصَّل إليها الفيلسوف الألماني حول الشَّرق في عصره، وهي نتاج جهود المستشرقين السَّابقين عليه ممَّن لم يذكرهم، أو من الَّذين يذكرهم صراحة ضمن مراجعه. ونناقش: إلى أي مدى اطَّلع هيجل على المصادر المتاحة كلِّها، بدون انتقاء، وهل هناك تفضيل، واختيار، وتفسير، وتأويل، للمصادر؛ الَّتي استقى منها معلوماته عن الحضارات غير الأوروبيَّة، وخاصَّة الحضارة الإسلاميَّة؟ ذلك أنَّ هيجل، وقد شغف بالمعرفة اليونانيَّة، وكذلك بالفلسفة الكانطيَّة، إلَّا أنَّ تأثير الدِّراسات الدِّينيَّة؛ الَّتي تلقَّاها في المدرسة اللَّاهوتيَّة اللُّوثريَّة «ستيفن توبنجن» أثناء دراسته اللاهوتيَّة من جهَّة كان تأثيرًا كبيرًا[5]؛ إضافة إلى عدم التَّمييز بين الحضارات الشَّرقيَّة، الصِّينيَّة، والهنديَّة، والحضارة الإسلاميَّة من جهة ثانية، وبين الإسلام كما تعاملت معه أوروبا في هذه المدَّة من خلال الدَّولة العثمانيَّة، من جهَّة ثالثة؛ هي الَّتي حدَّدت توجَّهات هيجل، وبالتَّالي نظرته إلى الشَّرق[6]. نتيجة عدم تعامل مع النُّصوص الإسلاميَّة الأساس، وهو ما يمثِّل الظُّروف والعناصر؛ الَّتي اعتمد عليها هيجل في تحديد نظرته للإسلام.
نحن لا نتعامل مع هيجل بعدِّه مستشرقًا؛ يقدِّم لنا معرفة للشَّرق، وحضاراته، وأديانه، وعلومه، بقدر ما نهدُّه صوره نموذجيَّة تأسيسيَّة للجهود الاستشراقيَّة، الَّتي بذلها الباحثون الغربيِّون. وهو يعدُّ في ما نرى المعبر الأكمل للحضارة الغربيَّة فى نظرتها، وعلاقتها التَّاريخيَّة مع الحضارات الشَّرقيَّة، ومكانها في تطوُّر تاريخ الإنسانيَّة، وخاصَّة حضارتنا العربيَّة الإسلاميَّة، وذلك من وجهة نظر دينيَّة عرقيَّة غربيَّة، أي أنَّه يمثِّل روح، وجوهر الاستشراق.

كما أنَّ تقسيم هيجل لحضارات الشَّرق، وتطوُّرها في التَّاريخ كما أوضحت الدِّراسات المتعدِّدة عن هيجل والشَّرق؛ لا يستند إلى كشوفات تاريخيَّة مختلفة عمَّا هو سائد؛ بل إنَّ هيجل يبني نظريَّة، يحاول من خلالها لي عنق التَّاريخ الإنساني؛ لكي يبدو متطابقًا، ومتَّسقًا مع التَّقسيم الَّذي اختطه لهذا الغرض. بل إنَّه يقلب حقائق تاريخيَّة مؤكَّدة. يقلب الحقيقة التَّاريخيَّة من أجل إثبات النَّظريَّة حول تطوُّر فكرة الحريَّة لدى الحضارات المتتابعة. فهيجل لا يريد أن يعترف بأنَّ ما تحقَّق في أوروبا ما هو إلَّا ثمرة التَّراكم الحضاري بين الشُّعوب المختلفة، وهو ما تحاول الدِّراسات الحديثة التَّأكيد عليه[7]، فالصُّورة الَّتي قدَّمها عن الشَّرق، والإسلام فى حاجة شديدة للمراجعة.

أوّلًا- هيجل والدِّراسات الاستشراقيَّة
تناول هيجل الشَّرق في الأعمال الَّتي ألفها في يينا (1801-1806)، وهايدلبرج (1717-1816)، وأخيرًا في برلين (1818-1830). وقد كانت معالجته للموضوع تاريخيَّة، أي أنَّ اهتمامه بالشَّرق نابع من رغبته في تتبُّع مسيرة ظاهرة تطوُّر الوعي في التَّاريخ؛ ولأنَّ هذه الظَّاهرة انتقلت عبر التَّاريخ، فلا يمكن تجاهل الشَّرق، لأنَّه يمثِّل مرحلة في تاريخ الإنسانيَّة. ومن هنا نجد الشَّرق حاضرًا في محاضرات هيجل المختلفة كلِّها، سواء كان الموضوع دينًا، أو فلسفة، أو فنًّا. وعلى الرَّغم من ذلك، فإنَّه لا توجد دراسة عن الشَّرق في أعمال هيجل.

ينبِّه أوليفر كراوفورد (Oliver Crawford) أنَّ مقاربات هيجل حول الشَّرق؛ تحتاج إلى أن تُفهم على أنَّها انتقادات لمحاولات ألمانيَّة لربط الماضي الشَّرقي بالمسيحيَّة، والعالم القديم. وهو يهدف إلى بيان أنَّ هيجل؛ سعى لإعادة تعريف دور الشَّرق في التَّاريخ، حتَّى يتمَّ فصل الهند عن المسيحيَّة، واليونان القديمة، وألمانيا، مع الاحتفاظ بدور لبلاد فارس، ومصر.
يمثِّل العالم الكلاسيكي: اليوناني، والرُّوماني مستوى أعلى من التَّطوُّر عن الشَّرق، لا ينكر هيجل أنَّ العالم اليوناني؛ كان بشكل جزئي نتاج التَّأثير الشَّرقي، فقد كانت اليونان في الأصل «ثقافة مزدوجة، إحداهما أصليَّة، والأخرى جاءت من التَّأثير الأجنبي»؛ ومع ذلك، فإنَّ تأثير الشَّرق على اليونان، يقتصر على المدَّة التَّأسيسيَّة لها. وبمجرَّد أن نضجت اليونان، تحوَّلت إلى «ضدَّ العنصر الَّذي كان أساسًا لها». وهكذا، كانت اليونان الحقيقيَّة جوهريًّا أصيلة، وقد تخلَّصت من موروثها الشَّرقي: «في تناول الفنِّ، والحياة اليونانيَّة، فإنَّنا ننساق إلى آسيا، ومصر. ومن هنا يخلص إلى النَّتيجة التَّالية، وهي أنَّه «من أجل فهم الحياة، والفلسفة اليونانيَّة؛ فإنَّنا لا نحتاج إلى النَّظر إلى أبعد من اليونانيِّين أنفسهم»[8].

ونتيجةً لذلك كما يواصل كراوفورد، تمثِّل ألمانيا المسيحيَّة «الغاية النهائيَّة» للحريَّة الشَّعبيَّة؛ الَّتي ظهرت لأوَّل مرَّة في اليونان: لقد «نشأ الوعي بالحريَّة أوَّلًا بين الإغريق، ولكنَّ الأمم الألمانيَّة، تحت تأثير المسيحيَّة، كانت أوَّل من حقَّق الوعي بأنَّ الإنسان، ومن حيث كونه إنسانًا، هو حرٌّ. وهكذا، فإنَّ «المكان» الأهم للتطوُّر التَّاريخي هو العالم الكلاسيكي، والعالم الألماني المسيحي؛ وترد مساهمة الشَّرق إلى مجرد «استهلال» يقدِّم لأوروبا المواد المطلوبة للوصول إلى المراحل الأعلى من التَّقدُّم[9].

لقد كان للألمان اهتماماتهم الخاصَّة الَّتي أضافوها لدراسات الاستشراق. لقد دار النِّقاش الأوسع حول الدَّور التَّاريخي للشَّرق في تحديد الدِّين المسيحي، والثَّقافة الألمانيَّة حيث كتبت سوزان مارشان Marchand، في كتابها «الاستشراق الألماني» (2009)، عن محاولات شليجل، وكريوزر لرفع الشَّرق إلى وضع النَّموذج الثَّقافي لألمانيا، ولتقديم أساس علمي للأطروحة القائلة بأنَّ جذور المسيحيَّة تكمن في الشَّرق. غير أنَّ مارشان وفق تحليل كراوفورد لا تأخذ في الاعتبار دور هيجل في هذه المناقشة[10].

ويضيف كراوفورد إنَّ سرد هيجل التَّاريخي أنكر على الشَّرق أيَّ دور حيوي في تشكيل الثَّقافة اليونانيَّة، والدِّين المسيحي، وهكذا فقد وضع اليونان في المركز بعدِّها المصدر للعظمة الفلسفيَّة، والسِّياسيَّة، والفنِّيَّة، وجعل الوحي، والإصلاح المسيحيَّين، الحدثَين الحاسمين في التَّاريخ الدِّيني[11].

إنَّ صورة الشَّرق، والإسلام عند هيجل لا تختلف كثيرًا عن مثيلاتها في الفكر الغربي الاستشراقي، ومن هنا فهي تمثِّل صورة نموذجيَّة إلى حدٍّ كبير لصورته عند كتاب الغرب بعامَّة؛ الَّذين اعتمد عليهم، تلك الصُّورة الَّتي يغلب عليها طابع الانتقاء، والانحياز، وعدم الدِّقَّة، والافتقار في أغلب الأحيان للموضوعيَّة العلميَّة، أو تقدَّم وفق تأويل هيجل لها. فحالة هيجل، وإن كانت قد تجاوزت الحالات السَّابقة عليها زمنيًّا على مستوى الصِّياغة، وبعض الملامح، إلَّا أنَّها تظلُّ في جوهرها غير مختلفة عنها، بل إنَّها تحدِّد بدرجة كبيرة؛ كثيرًا من ملامح الصُّورة المتشكِّلة بعد ذلك في الوعي الأوروبي.

ثانيًا- العنصريَّة الهيجليَّة والمركزيَّة الأوروبيَّة
توقَّف عدد من الباحثين عند مركزيَّة هيجل وعنصريَّته، وعلينا مناقشة هذه المركزيَّة الَّتى جعلت البعض يجعل من كتابات صاحبها الأساس الفلسفي للنَّازية. وقد كتب البعض تحت عنوان هيجل، والتَّأسيس الفلسفي للعنصريَّة؛ بعدِّه من أبرز الفلاسفة الَّذين قاموا بالتَّنظير لمفهوم «العنصريَّة» في الغرب، واتَّخذ مواقف عنصريَّة مبكرة نحو الآخر؛ أستبعد في ما كتب تحت عنوان «الأساس الجغرافي لتاريخ العالم» قطاعًا كبيرًا من البشر؛ حيث رأى إنَّه لا يمتلك مؤهِّلات «الإنسانيَّة»؛ الَّتي تجعله مؤهَّلًا لصنع تاريخ العالم؛ والإسهام في حركته، وردِّ التَّاريخ، وحركته، وحضارته إلى أوروبا[12].

وهناك من سعى إلى بيان الأساس الفلسفي للنَّازيَّة، والجذر التَّواطئي ما بعد المحرقة. في الثَّقافة، والفلسفة الألمانيَّة؛ حتَّى قبيل بروز النَّازيَّة نفسها بأكثر من قرن؛ ببيان أنَّ الأب الرُّوحي للنَّازيَّة فلسفيًّا هو هيجل، الَّذي تفيض الكتب الجامعيَّة العربيَّة بمديحه، وتغضُّ الطَّرْف عن عنصريَّته؛ وهو صاحب نظريَّة وجود أمم بلا تاريخ، ويوجه عادل سمارة الانتباه إلى المصطلح، «أمم بلا تاريخ»، ويستبدل به مصطلح «أمم ظلمها تاريخ الآخرين». ويبيِّن أنَّ التَّفكير العنصري هو الَّذي يسمح للغربي الرَّأسمالي الأبيض أن يستعمر غير الأبيض، وألَّا يعتذر مجرَّد اعتذار عن الاستعمار، وأن يطالبنا بالتَّطبيع مع التَّاريخ بهدف أن يتواصل تطبيعنا في المستقبل[13].
تناولت لوسيا براديلا pradella تحليل هيجل للمسألة الاجتماعيَّة، والتَّوسُّع الأوروبِّي، وناقشت مركزيَّته الأوروبيَّة تحريفاته العنصريَّة. فيما كتبته عن العلاقة بين الاقتصاد السِّياسي لهيجل، وفلسفته في التَّاريخ؛ فقد روَّج هيجل للتَّوسُّع الأوروبي على أساس رؤية مركزيَّة أوروبيَّة تتعارض مع المنظور الكوني لفلسفة الحقِّ. ومقابل تركيز عدد من الدِّراسات على فلسفة هيجل في التَّاريخ، وتشوُّهاتها المركزيَّة الأوروبيَّة، أو حتَّى العنصريَّة. تحلِّل لوسيا براديلا البعد السِّياسي-الاقتصادي لمركزيَّة هيجل الأوروبيَّة من خلال البحث في الصِّلة بين فلسفة هيجل للتَّاريخ، واقتصاده السِّياسي[14].

ويعمِّق أحمد الرِّبعي (1949-2008) أستاذ الفلسفة الكويتي؛ النَّقد الَّذي وجَّهه إمام عبد الفتَّاح؛ لما كتبه هيجل حول التَّاريخ «وشعوب الشَّرق»، إبَّان مدى تأثيره على جذور، وأصول الاستشراق الغربي، أو جذور نظريَّة «المركزيَّة الأوروبيَّة»، وأوضح الأساس الفلسفي، والنَّظري للرُّؤية العنصريَّة لتاريخ البشر. ويستخرج الرِّيعي من تقديم إمام، ونقده لتصوُّر هيجل للحضارات الشَّرقيَّة، وهو نقد أكاديمي حذر من مفكِّر هيجلي، نقدًا أعمق هو التَّأكيد؛ ليس فقط على غربيَّة هيجل لكن استشراقيَّته، وعنصريَّته، ومركزيَّته، أو ما يطلق عليه الرُّوح الهيجليَّة العنصريَّة، ويفيض في بيانها. وهيجل عند الرَّبعي ينطلق من عنصريَّة أوروبيَّة ترى الشَّرق رجلًا مريضًا ليس أمامه سوى الاستسلام لمصيره. أي الاستسلام لأوروبا. ورغم أنَّ «بعض» مظاهر العصبيَّة الهيجليَّة، وأنَّ هيجل «لم يكن يعلم عن الإسلام، إلَّا ما يقوله المبشِّرون». إلَّا أنَّ لمسألة ليست مسألة «نقص معلومات هيجل عن الشَّرق، وعن الإسلام» لكنَّها مسألة مرتبطة بفلسفة متكاملة ترى في الرُّوح أساس وجودها[15].
يعتقد الرِّبعي أنَّ من الضَّروري وضع الفلسفة الهيجليَّة حول تاريخ الشَّرق في موقعها التَّاريخي المناسب. فهذه الفلسفة المغرَقة في عنصريَّتها لم تكن مجرَّد «آراء فلسفيَّة لفيلسوف عظيم»، بل هي الوريثة الشَّرعيَّة لكلِّ الفكر العنصري، ونظريَّة «المركزيَّة الأوروبيَّة»، ويصل إلى أعلى درجات نقده لها. ويؤكِّد وصفَه لها بالعنصريَّة، والمركزيَّة الغربيَّة، بل ويؤكِّد استعماريَّة هيجل، وأنَّ نظرته للشَّرق أحد أسس الإمبرياليَّة في ما يقول: وأخطر من ذلك فإنَّ فلسفة هيجل للتَّاريخ، وخاصَّة تاريخ الشَّرق، كانت أحدى الأسس الهامُّة الَّتي اعتمد عليها الفكر الاستعماري والإمبريالي اللَّاحق.

ونحن نورد النَّصَّ التَّالي الَّذي يبيِّن لنا فيه الرِّبعي؛ التَّقارب الشَّديد بين موقف هيجل من الشَّرق، ونظرة جيمس بلفور للعالم الشَّرقي. يشير البعض إلى التَّوظيف الاستعماري لفكر هيجل، والتَّشابه الكبير بينه وبين بلفور، «إنَّ هيجل يخلق من جديد في ثوب آرثر جيمس بلفور، وهو يلقي خطابًا في مجلس العموم البريطاني في الثَّالث عشر من حزيران 1910، يتحدَّث فيه لا بلغة الفيلسوف، بل بلغة رجل السِّياسة، عن وضع الاحتلال الإنجليزي لمصر، يقول بلفور: «إنَّ الأمم الغربيَّة فور انبثاقها في التَّاريخ تظهر تباشير القدرة على حكم الذَّات؛ لأنَّها تمتلك مزايا خاصَّة بها. ويمكنك أن تنظر إلى تاريخ الشَّرقيِّين بأكمله في ما يُسمَّى بشكل عام المشرق، بدون أن تجد أثرًا لحكم الذَّات على الإطلاق (إنَّك) لا ترى أمَّة واحدة من هذه الأمم تؤسِّس بدافع حركتها الذَّاتية ما نسمِّيه نحن من وجهة نظر غربيَّة حكم الذَّات. هذه هي الحقيقة». ويعلق الربعي: أيُّ تشابه في الكلمات، وتطابق المعاني بين هيجل، وبلفور؟ أليس ما يقوله بلفور هو قراءة هيجليَّة لمصر مستخدمًا نفس الألفاظ والتَّعابير[16]؟

يحتاج كلام الرِّبعي، وتفسيره الفريد لنظرة هيجل للشُّعوب التَّأكيد، لقد انتقل بنا نقلة مختلفة عن التَّفسيرات الَّتى حاولت بيان عنصريَّة هيجل، أو مركزيَّته الأوروبيَّة، وهو يتقدَّم خطوة أبعد من تفسير لوسيا براديلا لنظرة هيجل الرَّأسماليَّة؛ ليؤكِّد لنا الرِّبعي النَّظرة الاستعماريَّة، ويجد تفسير لوسيا براديلا تأكيد، وتعميق فيما النَّاقد الهندى رافي حبيب (M.A.R. Habib)، حيث تجعل النَّظرة المركزيَّة الاستشراقيَّة من هيجل فيلسوف الرَّأسماليَّة؛ ذلك إنَّ هيجل كما توضح هو الفيلسوف النَّموذجي للرَّأسماليَّة. ويعبِّر ديالكتيكه عن طبيعة الرَّأسماليَّة على عدِّة مستويات أن «المركزيَّة الأوروبيَّة عند هيجل ليست مجرَّد مسألة فضول تاريخيَّة؛ إنَّها سمة أساس للمعرفة المعاصرة؛ لقد أصبحت الجدليَّة الهيجليَّة؛ النَّموذج السَّائد للتَّفكير في العلاقة بين الغرب، وغير الغربيِّين، بما في ذلك الرَّفض الشَّامل للثَّقافات الأخرى، وجهة النَّظر الَّتي ترى أنَّ أوروبا، وأمريكا تشكِّل المسار الرَّئيس للتَّاريخ»[17].
وعلى هذا يصف حبيب الديالكتيك الهيجلي؛ بأنَّه توسُّعي، واستعماري في جوهره؛ لأنَّه يلغي كلَّ ما هو معلن في العالم، حيث تُدمج كلُّ أشكال الآخر في ذاتيَّتنا الموسَّعة، والَّتي بهذه الطَّريقة «تغزو» تدريجيًّا العالم، مستوعبةً إيَّاه في ذاتها. يرى هيجل أنَّ الديالكتيك، إذن ليس فقط حركة من الجوهر إلى الذَّات، ولكن أيضا حركة عبر التَّاريخ إلى الحرِّيَّة - والَّتي تُعرف في النِّهاية كارتباط بين عقلانيَّة العقل البشري، وعقلانيَّة المؤسَّسات الَّتي أنشأها هذا العقل[18]؟. معنى هذا، إنَّ ديالكتيك هيجل له آثار عميقة على بعض المفاهيم الأساس لدراسات العولمة، ودراسات ما بعد الكولونياليَّة.

في المخطَّط التَّاريخي لهيجل، فيما يبيِّن حبيب، هناك علاقة متبادلة بين الرَّأسماليَّة الحديثة، والمسيحيَّة البروتستانتيَّة، ومبدأ العقل الواعي لذاته، والمصير الإمبراطوري لأوروبا، وإدراك الحريَّة في التَّاريخ. كلُّ هذا تحتضنه جدليَّة واحدة تعمل على المستويات المعرفيَّة، والتَّاريخيَّة، والسِّياسيَّة. والخلاصة «إنَّ الجدليَّة الَّتي تعبِّر عن حرِّيَّة العالم الحديث؛ هي نفس الجدليَّة الَّتي تميِّز أوروبا، وتضعها في قلب المسرح العالمي، وتعدُّها موضوعًا متطوِّرًا للتَّاريخ الحديث، وفي المقابل فإنَّ باقي العالم هو «الآخر» بشكل صريح. إنَّ الدِّيالكتيك، ليس فقط ديالكتيك حقوق الملكيَّة، وديالكتيك الاقتصاد الرَّأسمالي، والأسرة البرجوازيَّة، وإدراك البشر لذاتهم؛ بل هو أيضًا ديالكتيك الإمبراطوريَّة»[19].
لقد أسهم هيجل،أكثر ممَّا فعل أيُّ فيلسوف غربي حديث؛ في تعميق صورة التَّمركز الغربي، القائم على أساس التَّفاوت بين الغرب الأسمى، والأرفع عقليًّا، وثقافيًّا، ودينيًّا، وعرقيًّا، والعالم الآخر الأدنى، والأحط في كلِّ ذلك، فصاغ غربًا يتربَّع على هرم البشريَّة، ويدفع باتِّجاه تثبيتها في وضع يمكنه أن يظلَّ في القِمَّة، إلى أن يحدث تغيير في العمران البشري.

ويظهر لدى جوته مفهومًا واضحًا صريحًا في جدل هيجل، هو الإقصاء، والنَّفي، والإبعاد الَّذي يبدو لنا في أشكال متعدِّدة أنَّ ما أرعب جوته في فكر هيجل؛ هو منطق الإقصاء والإعدام، الَّذي لا يتجلَّى فقط في الصُّورة المجازيَّة/ الحقيقيَّة حسب هيجل؛ الدَّالة على الصِّراع القائم داخل النَّبتة، والَّذي بموجبه تقصي الوردة البرعم، و«تعدمه» بل أيضا تلك «البنية الفلسفيَّة»؛ الَّتي نراها تنسج رؤية هيجل، ففي الجدل الجامع بين الشَّيء، ونقيضه المؤدِّي إلى التَّجاوز، والتَّركيب تُظهر نزعة إقصائيَّة، وعنيفة اتِّجاه الوجود، والطَّبيعة، والأشياء. إنَّ صورة النبتة المحتوية على صراع إقصائي بين الوردة والبرعم، تلخِّص فلسفة هيجل في الهويَّة، والغيريَّة خير تلخيص[20]. فلا هويَّة من غير صراع مع الغير، ولا غيريَّة إلَّا وفيها إقصاء بل وإعدام.
ولو أمعن القارئ النَّظر في ما كتبه هيجل عن الثَّقافات الأخرى، سينتبه وهذا هو مصدر الخطورة في الأمر، إلَّا أنَّ العقل الغربي يعود إلى هيجل دائمًا حين يريد الإعلاء من ثقافته، والحطَّ من ثقافات الآخرين، فالصِّفات نفسها تتكرَّر على مرِّ القرون؛ الحريَّة لهم، والعبوديَّة لنا، الانفتاح والتَّعدُّد عندهم والتَّطرُّف عندنا إلخ.. إنَّها عين هيجل الدَّاخليَّة، أو تلك العين المحضة، الَّتي تشكَّلت في ظلِّ الأحكام المسبقة، وترعرعت على السَّرديَّة «المسيحيَّة» الغربيَّة، ورضعت منها، تلك العين الَّتي لا ترى العالم الخارجي إلَّا عبر داخلها، وليس عبر العالم[21].
وتظهر عنصريَّة هيجل واضحة في نعته الرَّجل الإفريقي بالرَّجل «الطَّبيعي بدرجة أساس»، ومن المعروف أنَّ الدُّنوَّ من الحالة الطَّبيعيَّة عند هيجل يرادف البدونيَّة. «إنَّ الرَّجل الإفريقي يمثِّل الرَّجل الطَّبيعي بكلِّ وحشيَّته، ونزقه. إذا أردنا فهمه، يجب تناسي كلَّ طرائق رؤيتنا للأشياء نحن الأوروبيِّون. يجب ألَّا نفكِّر لا في إله روحي، ولا في قانون أخلاقي، يجب تعليق كلِّ احترام، وكلِّ أخلاق لما نسمِّيه مشاعر. كلُّ ذلك ينقص الإنسان (الإفريقي)، الَّذي ما زال في مرحلة خام. لا يمكن أن نجد في طبعه ما يمكن أن يذكِّرنا بالإنسان». لا يجد هيجل ضالَّته في إفريقيا السَّوداء، بل بعكس ذلك إنَّه يجد كلَّ ما لا يناسب شروط انبثاق الرُّوح الكوني. فإفريقيا مرتع للحيوانات الأكثر توحُّشًا، وشراسة، ومناخها سام بالنِّسبة للأوروبيِّين[22].

إنَّ نظرة هيجل غير إنسانيَّة على الإطلاق، بل هي روح استعماريَّة، إذ كيف نفسِّر تزامن دعوة هيجل الفلسفيَّة، ومثيلاتها بظهور النَّزعة الكولونياليَّة المتمثِّلة في الانطلاق لغزو العالم من أجل توسيع المجال الأوروبي اقتصاديًّا[23].

ثالثًا- استشراقيَّة ولا تاريخيَّة نظرة هيجل للإسلام
إنَّ نصوص وتحليلات هيجل المختلفة، تؤسِّس مركزيَّة غريبة أثنيَّة، ودينيَّة في ثوب فلسفي، لها جذورها الاستشراقيَّة؛ الَّتي تظهر في مصادر هيجل من جهة، ونظرته إلى الإسلام، وأحكامه عليه؛ الَّتي تكوَّنت في وعي هيجل منذ بدايات تعلُّمه الدِّيني، وهو ما يزال شابًّا[24]. ويحدِّد حسين هنداوي مصادر هيجل حول الإسلام، وهي عديدة ومتنوٍّعة، ومتشابكة، ومتناقضة، وأغلبها استشراقيَّة؛ فى أصناف أربعة أسهمت بشكل مباشر، أو غير مباشر، سلبيًّا، أو إيجابيًّا في بلورة المنظور الهيجلي حول الإسلام، والمصادر.
إنَّ النُّصوص الَّتي يتحدَّث فيها هيجل عن الإسلام، هي نصوص موجزة سريعة دائمًا، وشديدة التَّبعثر غالبًا، إلَّا أنَّها مركَّزة، وعميقة باستمرار بشكل يوحي بأنَّ الفيلسوف واجه مشكلة حقيقيَّة في إدخال الإسلام في نظامه الفلسفي، وهي مشكلة تفضح تناقضًا جوهريًّا في عمق نظامه الفلسفي.

أنَّ القارئ لهيجل يدرك أنَّه يقدِّم قراءة مسيحيَّة للإسلام، وكأنَّ الإسلام تبشير بالمسيحيَّة وتمهيد لها، وأنَّ هذه الثَّورة العنيفة، وهذه الردَّة السَّلبيَّة؛ ضرورة بحدِّ ذاتها ضمن التَّطوُّر التَّاريخي للوعي الإنساني في سيره نحو الحقيقة المطلقة مع الرُّوحانيَّة المسيحيَّة الغربيَّة، أي أنَّه كان لا بدَّ أن يجيء الإسلام ليدمِّر الأوثان، ويهدم الدَّولة المجوسيَّة، والدَّولة الرُّومانيَّة الضَّعيفة في إيمانها بالمسيحيَّة، لكي تهيِّىء الأرضيَّة المناسبة، والشُّروط الضَّروريَّة الأخرى لانتصار الرُّوحانيَّة المسيحيَّة عالميًّا. ولحلِّ مشكلة ضرورة التَّطوُّر على أساس سيرورة زمانيَّة-تاريخيَّة ولمَّا كان ظهور الإسلام لاحقًا على ظهور المسيحيَّة[25]، فإنَّ هيجل ينصُّ صراحة على أنَّ المسيحيَّة الفعليَّة والحقيقيَّة؛ لم تظهر إلَّا مع لوثر والبروتستانتيَّة، وهكذا يزول التَّناقض التَّاريخي-الزَّماني المذكور من نظامه الفلسفي. وعلى ذلك يحقِّق هيجل بهذا التَّفسير «الفلسفي» ثلاثة أهداف، فهو يجرِّد المسيحيَّة الشَّرقيَّة من علاقة عميقة مع الحقيقة المسيحيَّة، ويدين الكاثوليكيَّة بسطحيَّة فهم هذه الحقيقة، ويسلب الإسلام أيَّ علاقة مع الحقيقة الإلهيَّة المطلقة. وبهذا يصفِّي حساب البروتستانتيَّة مع كلِّ الدِّيانات الأخرى الَّتي يمكن أن تتهمها بالهرطقة واللَّاشرعيَّة[26].

الخلاصة أنَّ الإسلام عند هيجل لحظة سلبيَّة، وإذا كان لحظة سلبيَّة خالصة في تاريخ الرُّوح؛ فإنَّ الأساس الإسلامي لا يجب أن يستمرَّ في الزَّمن: أنَّه ليس إلَّا مرحلة عابرة وسريعة، لحظة عقوبة في النِّهاية؛ حيث يجب على العالم الفعلي أن يبدأ السَّير مكلَّفًا بمهمَّة الإرادة الإلهيَّة. النُّقطة النِّهائيَّة بالنِّسبة لهيجل هي؛ حين يبدأ المسيحيُّون بالإحساس بالوعي في ذاته، وينطلقون في مقاومة الشَّر ضدَّ «الاتِّجاه المعاكس»[27].
نضيف إلى ذلك ما يطرحه مترجم «دروس في فلسفة الدِّين» في ما كتبه تحت عنوان جدليَّة الدِّين والحريَّة، من أمثلة ترتبط بما نناقشه هنا؛ يحدِّد بها منجزات الفكر الهيجلي. ويتناول إشكاليَّة، أصبحت من مسائل الرَّاهن الفكري، والرُّوحي للعلاقة بين الحضارتين العربيَّة الإسلاميَّة والأوروبيَّة؛ لفهم العلل الَّتي جعلت هيجل يتحيَّر في تحديد منزلة الإسلام؛ فلا يجد له مكانًا ضمن سلسلة الأشكال الَّتي حدَّدتها فلسفته الدِّينيَّة. فهو يكاد يتكلَّم عليه في كلِّ فصول الكتاب. لكنَّه لم يخصِّص له فصلًا مثل أشكال الأديان الأخرى، رغم أنَّه ينزله في المرحلة نفسها الَّتي ينسبها إلى المسيحيَّة، مع عدِّهما متضادَّين في خصائص نظريَّة، وفي ثمرات عمليَّة، من صدى الصِّراع التَّاريخي بين الحضارتين العربيَّة الإسلاميَّة، والجرمانيَّة المسيحيَّة، كما يعرضها هيجل في فلسفة التَّاريخ.

يتوقَّف أبو يعرب المرزوقي عند أحكام هيجل المسبقة ضدَّ الشَّرق، وضدَّ كلِّ من ليس بغربي. ويشير إلى مفتاحين يساعدان على فهم آثار فكر هيجل من خلال موقفه من ردِّ الدِّيني إلى الدِّنيوي، والتَّاريخي ومن خلال فاعليَّة أحكامه المسبقة إزاء الحضارات الأخرى، وإزاء الدِّين الإسلامي خاصَّة. وأهمُّ هذه الأحكام، وهو ما يؤكِّد عنصريَّة هيجل؛ فكرة التَّفاضل بين العقليَّات، والذِّهنيَّات، أو أرواح الشُّعوب. يقول: «يعدُّ هيجل المقوِّمات الأساس موجودة في الأشكال الدِّينيَّة كلِّها على الأقل بالقوَّة، لكنَّه في آن؛ يقاضي الشَّرق خاصَّة، وغير الغرب عامَّة؛ بما قد يعني أنَّه يستثنيهما من الإنسانيَّة، ويصمهم بالبدونيَّة، وبالعقليَّة العبوديَّة، واللَّامبالاة بالكرامة الإنسانيَّة. وبهذا المعنى، فالإنسان في ذاته إنسان حرٌّ، لكنَّ الأفارقة والآسياويين ليسوا أحرارًا، لأنَّهم ليس لهم الوعي بكونهم أحرارًا، أي ليس لهم الوعي بمفهوم الإنسان ما هو[28].

إنَّ الفكرة الهيجليَّة المجرَّدة تعاني مع التَّاريخ الواقعي؛ فالجدل المثالي الهيجلي لا ينظِّم الشُّعوب، والثَّقافات في خطِّ تطوُّر العقل الواحد انطلاقًا من تتبُّع موضوعي لتقدُّم الفكرة في الزَّمن، وإنَّما عبر نظرة تحدِّد الغرب عمومًا، والعالم الجرماني المتوَّج بمسيحيَّة لوثر تخصيصًا، بعدِّه غاية التَّطوُّر، ومنتهى طريق التَّقدُّم؛ الَّذي يشكِّل الشَّرق «بدايته الحتميَّة»، لينتهي في الغرب «غاية تطوُّر التَّاريخ المطلق». وكما يرى البعض «تحوُّل الشَّرق في منظور هيجل المركزوي الأوروبِّي إلى موطن اليأس الحضاري. وإذا استثنينا اللَّحظة العبريَّة من عمر آسيا، فإنَّ القارَّة كلَّها تخرج من التَّاريخ، ومعها أفريقيا، وشعوب أمريكا، وأستراليا الأصليَّة»[29].
ومن هنا يبدو لنا هيجل عند الطَّيب تزيني واحدًا من أهمِّ من أسَّس لما سيعرف بـ»الاستشراق الحديث». والَّذي لم يكن ممكن النُّشوء فقط لمجرد وجود رجال كبار في حقل الفكر والثَّقافة، من حيث الأساس. كان الأمر مرتبطًا بالمرحلة التَّاريخيَّة الَّتي عاش فيها، وفي آفاقها هيجل (من 1770 إلى 1831 ميلادية)، أي بمرحلة كانت منعطفًا في تاريخ العالم، تحقَّق فيها في الغرب تحوُّل كبير باتِّجاه التَّكوين البورجوازي، والتَّأسيس للنِّظام الرَّأسمالي. وكان هيجل الفيلسوف الكبير، والغارق حتَّى أذنيه في لوثة «المركزيَّة الأوروبيَّة»، في ما يرى الفيلسوف الماركسي السُّوري الطَّيب تيزيني؛ قد وضع يده على ما عدَّه العلَّة الحاسمة، والكامنة وراء كون الشَّرقيِّين على النَّحو الَّذي قُدموا فيه. فهم -وفق ذلك- لا يملكون مبدأ آخر غير (الوحي). وهذا الأخير أمر ثابت قاطع، لا يتطلَّب أكثر من انصياع النَّاس إليه، والعمل بمقتضى ما يتطلَّبه[30].

رابعًا- هيجل الاستبداد الشَّرقي والتَّعصُّب الإسلامي
نتوقَّف عند إحدى أهمِّ القضايا الَّتي أثارها هيجل حولنا عن مفهومي الحريَّة، والاستبداد من جانب، ومدى حضورهما في الشَّرق، والتَّعصُّب بعدِّه جوهر الدِّين الإسلامي من جانب، وما يتعلَّق بنظرة هيجل، وتأثيرها على نظرة الغرب للاستبداد الشَّرقي، وأبويَّة الأمم القديمة، وعبوديَّة الإفريقي، وحياته خارج صيرورة الحياة. نناقش هنا كتابات هيجل، ونصوصه، ونظرته للدِّين، وتطوُّر الأديان، وحدودها، ومكانة الإسلام بينها، وارتباطه باليهوديَّة، وتضادِّه مع المسيحيَّة، وغياب اللِّيبراليَّة في عالمنا العربي الإسلامي.
وتظهر نظرة هيجل للعرب، والإسلام، والشَّرق في عدَّة أعمال اختلف الباحثون في تفسيرها، وأن كانت رؤية هيجل الشَّاملة لا تتَّضح إلَّا في سياق تحليل تاريخي لكلِّ النُّصوص الَّتي ناقش فيها الشَّرق، والعرب، والإسلام على امتداد دروسه المختلفة في سنوات عمره الأخيرة؛ ولكي نحدِّد هذه النَّظرة؛ علينا العودة إلى كتاباته جميعًا؛ الَّتي تناول فيها جوانب الحياة العربيَّة، والحضارات الشَّرقيَّة؛ بدون الاكتفاء ببعضها بدون الآخر؛ حتَّى تكتمل، وتتَّضح الصُّورة.

العرب والإسلام في محاضرات هيجل
نتناول هذا القسم بالتَّحليل لنصِّ لهيجل عن الإسلام الَّذي أطلق عليه المحمَّديَّة، والَّذي ترجمه سالم بنجميش، ويقدِّم حميش نصَّ «المحمدية» Der Mohammedanismus الَّذي يوضِّح رؤية هيجل عن الإسلام، في كلمات موجزة موحية. يؤكِّد أنَّه يحسن بنا أن نقف عند الأحكام الواردة فيه، وننظر فيها لبيان رؤية هيجل. إنَّ الفيلسوف لم يكن يعرف لغة الضَّاد، ولا النُّصوص العربيَّة الإسلاميَّة. وقد لجأ إلى بعض المصادر الاستشراقيَّة لبيان الأصول الَّتي حدَّدت معالم نظرته لنا، وهو ما ينبِّه إليه العديد من الباحثين المتخصِّصين في فلسفة هيجل[31].
يجد هيجل في التعصَّب الكلمة المفتاح؛ الَّذي يدخله إلى سرِّ قوَّة الإعصار الإسلامي، وسرعته وهو التَّفسير الدَّائم، والمستمرُّ حتَّى اليوم، لمعتقدات، وسلوك العرب المسلمين اتَّجاه غيرهم. لا يضمن هيجل مفهوم التعصُّب، معنى العصبيَّة القبليَّة ولا حتَّى الدِّينيَّة؛ فالتَّعصُّب عنده هو بمنزلة فعاليَّة عاطفيَّة، وقود ناري دافع في اتِّجاه تحقيق عبادة الواحد. إلَّا أنَّ التَّعصُّب المحمَّدي؛ كان قادرًا على تحقيق أعظم قدر من ارتقاء الرُّوح المتحرِّر من المصالح الصَّغيرة، والمستمَدُّ بكلِّ الفضائل المتَّصلة بالشَّهامة، والشَّجاعة. وهيجل يستعمل مفهوم الحماس للدَّلالة على طاقة انفعاليَّة مرادفة للتَّعصُّب. لا يتبقَّى هناك مبدأ خُلقي تحيا به روح الإنسان. ذلك أنَّ المسلمين، والعرب هم في نظر هيجل انفعالُ محضٍ تلك هي الصُّورة الأساس الَّتى يصوِّرنا هيجل بها. وحين يهمد هذا الانفعال لا يبقى من الشَّرقي سوى حواسه الجائعة، وبهذا التَّأكيد على الحسِّيَّة الشَّرقيَّة كسمة إسلامويَّة شرقيَّة؛ يكون هيجل بين أوائل الَّذين أسَّسوا التأقطب الثَّقافي العرقي بين شرق؛ جوهره حسِّي، وغرب عقلاني الجوهر[32].
ويؤكِّد هيجل كما يواصل بن سالم حميش؛ إنَّ التَّجريد كان يستولي على المسلمين، فغايتهم كانت في تقديم العبادة المجرَّدة، وقد سعوا إليها بأكبر قدر من الحماس. (Begeisterung) وهذا الحماس كان عبارة عن تعصُّب، ويوضح حميش معنى التَّعصُّب الَّذى يطلق عليه هيجل؛ نزوع (افتتان) حماسي بشيء مجرَّد، بفكرة مجرَّدة تسلك سلوكًا نفييًا بإزاء ما هو موجود. أي أنَّ التَّعصب عنده يكمن أصلًا في إشهار التَّخريب، والهدم على المحسوس، إلَّا أنَّ تعصُّب المسلمين كما يوضح هيجل، وهذا شيء هامٌّ كان قادرًا أيضًا على كلِّ شيء رفيع. إنَّ مبدأهم كان هو الدِّين، والتَّرهيب كما هو مبدأ روبسبير في الحريَّة والتَّرهيب. فالحياة الواقعيَّة محسوسة، وتتضمَّن غايات خاصَّة، إنَّها بالغزو تصل إلى الهيمنة، والغنى، وإرساء حقوق الأسرة المالكة ورابطة بين الأفراد[33].

يواصل هيجل في لغة تجمع بين ذكر العرب، والإشادة بهم من جهة، والتَّأرجح في التَّعارض بين بيان مكانة الإسلام في تطوُّر الأديان، والقول الَّذي يتأرجح، والمزدوج الدَّلالة في الإسلام، وبيان ميله للغزو، والهدم، والإشارة، والإعجاب وفق ما استند إليه من مصادر من جهة ثانية. إلَّا أنَّ التَّأكيد الَّذي يؤكِّده هيجل على ميل الإسلام للغزو والهدم، مسألة صارت كأنَّها جزءًا من طبيعة الإسلام عند هيجل، والتَّاليين عليه من المستشرقين.
وقد أثارت فلسفة هيجل ردود أفعال متباينة لدى المثقَّفين العرب منذ بدايات القرن العشرين بعد تعرُّفهم إليها بأشكال متعدِّدة، سواء مباشرة عبر دراساتهم لها فى بعثاتهم الدِّراسيَّة فى الخارج، أو عبر تلقِّيها من خلال التَّرجمة لأعمال هيجل، ومن تأثَّروا بها ما بين من يشيد بموقف الفيلسوف من العرب، ويمتدحه وبين من يأخذ عليه نقده للإسلام والشَّرق، وهي مواقف علينا النَّظر فيها محلِّلين لها لرؤية الذَّات من خلال آخر، فهمًا للذَّات وللآخر؛ كما يظهر في مواقف متعدِّدة من الباحثين العرب.

هيجل ومحمَّد عبده
قدَّم محمَّد البهي دراسة مبكرة بالألمانيَّة، يقارن فيها الفيلسوف الألماني بالمصلح الإسلامي الشَّيخ الإمام. وإن كانت الدِّراسة مفقودة؛ لأنَّها كُتبت في ألمانيا في منتصف الثَّلاثينيَّات، ألَّا أنَّنا قد وجدنا عرضًا لها في مجلَّة الرِّسالة، يظهر محتواها، وموضوعها وبيانها موقف كلٍّ من الفيلسوف هيجل، والمصلح الإمام محمَّد عبده للإسلام. وذلك في بداية مدَّة الأصلاح الدِّيني الإسلامي المستنير في بداية القرن العشرين[34].
ويخبرنا البهي في مقدَّمته إنَّ الدِّافع له على إصداره هذا الكتيِّب، هو ما رآه في ألمانيا من أنَّ النَّاس فيها لا يفقهون الإسلام على حقيقته، وقد كوَّن رأيه هذا بعد استماعه لأستاذه (نوك) في محاضراته عن (فلسفة التَّاريخ) لهيجل، وبعد اشتراكه في مساجلة الأستاذ شتروتمان لتلاميذه في عدد من المؤلَّفات عن الإسلام. وبذلك أتيحت له الفرصة لإجراء موازنة بين آراء (هيجل) في الإسلام، كما جاءت في كتابه (فلسفة التَّاريخ)، وآراء محمَّد عبده، كما جاءت في كتابه (الإسلام والنَّصرانيَّة، والعلم والمدنيَّة)؛ ممَّا يوضح العلاقة بين فلسفة هيجل، وبين الحوارات الَّتى دارت فى مصر فى بداية القرن العشرين حول أثر الدِّين، والعلم فى حياتنا الاجتماعيَّة، وهذا ما نجد صداه فى هذه الدِّراسة. والدِّراسة هامَّة لأسباب متعدِّدة؛ ليس فقط لكونها صادرة بالألمانيَّة في ألمانيا من باحث مصري يدرس بجامعاتها، ولأنَّها تمَّت في مدَّة القلق العالمي فى الثَّلاثينيَّات بعد تولِّي هتلر حكم ألمانيا، ولكن بسبب طرفي المقارنة هيجل، ومحمَّد عبده، وموضعاتها الإسلام والتَّاريخ. في سرد أهم آراء الفيلسوف الألماني هيجل الخاصَّة بالإسلام.

لقد تناول البهي الإسلام من وجهة نظر الفيلسوف هيجل، فهو أي الإسلام في نظر هيجل؛ يجمع بين المتناقضين: المسائل التَّجريديَّة، والمسائل الواقعيَّة. وإنَّ فكرة الإله عند اليهود هي غيرها عند المسلمين - على حدِّ ما يعتقده هيجل، فيهوا هو ربُّ الشَّعب اليهوديِّ فقط، أمَّا الله فربُّ العالمين؛ ويبيِّن أنَّ هيجل يرى أنَّ المسلمين يعيشون، ويحيون من أجل دينهم، وتحقيق مبادئه، وأنَّ حياتهم الدُّنيويَّة ليست إلَّا وسيلة لبلوغ الآخرة، وما فيها من متاع. ولهذا كانت فتوحاتهم في آسيا، وأفريقيا، وأوروبا. ويناقش قول هيجل إنَّ التَّعصُّب ضدَّ الكفَرة كان على أشُدِّه في بادئ الأمر، وأنَّه تراخى بعض الشَّيء، فاستُعيض عن قتل الكافر بفرض جزية سنويَّة على شخصه؛ ويبيِّن البهي أنَّ التَّعصُّب في الإسلام لم يكن مدعاة تخريب وهدم، كما هي طبيعة التَّعصُّب، بل كان مدعاة تشييد وبناء[35].

توقَّف محرِّر المقال عند حديث البهي عن زعم هيجل عن تعصُّب المسلمين؛ حيث ذكر رأى هيجل في أنَّ الإسلام كدين يبرِّر أعمال العنف، والقوَّة لنشره، كما برَّر روبسبير أعمال العنف، والقوَّة لبلوغ الحريَّة؛ وأنَّ الفرديَّة في الإسلام من التَّناقض بدرجة تجعل الحاكم؛ الَّذي يبغي المجد، والعظمة، والسَّيطرة، لا يتوانى في أن يضحِّي بها جميعًا في سبيل الدِّين، وقد لا يلبث إلَّا قليلًا حتَّى يستردُّها بدون هوادة، ويؤكِّد البهي قولَ هيجل بأنَّ الحرِّيات كانت مكفولة للنَّاس كافَّة، لا فرق بين رجل وامرأة، ولا بين طبقة وأخرى، حتَّى كان الرَّجل من رعاع النَّاس يدخل على الخليفة في مجلسه، فيحدِّثه مطمئنًا عن كلِّ ما يريد؛ ولكنَّ عقب ذلك اعتكف الخلفاء، والحكِّام في قصورهم، وأبعدوا الشَّعب عنهم، فانقلب الحال إلى الضِّدِّ[36].
غير أنَّ الأستاذ البهي، كما يواصل المحرِّر، يرى أنَّ هيجل حكم على الإسلام من خلال أعمال بعض المسلمين، وكان الأولى به أن يرجع إلى مصادر الإسلام. وعاب على هيجل طريقته في البحث. وقد ناقش البهي،كما يذكر محرِّر الرِّسالة، وهو ما سيقوم به بعد ذلك أبو يعرب المرزوقي، ثماني مسائل من آراء الفيلسوف هيجل أوَّلها: الفريضة في الإسلام. فهي ليست العمل للآخرة بدون سواها، كما تصوَّرها هيجل، ولكنَّ العمل للدُّنيا أيضًا؛ واستشهد بما جاء في الذِّكر الحكيم. وتكلَّم في المسألة الثَّانية عن الصَّوم. أمَّا المسألة الثَّالثة فقد حاول فيها الأستاذ البهي أن يثبت بأنَّ الإسلام لم يكن في الحروب كلِّها الَّتي خاضها إلَّا مدافعًا عن كيانه.

أمَّا عن التَّعصُّب في الدِّين، وهي المسألة الأهمُّ الَّتي يتوقَّف أمامها الباحثون المسلمون، فالإسلام لا يعارض العلم كما كان مثارًا في مناقشات المثقَّفين العرب في بدايات القرن العشرين، ولا يعاقب الأحرار من العلماء، أو يتعقَّبهم، بل دعا إلى الدِّراسة، وإلى العلم، والمعرفة، وقد أحيا المسلمون العلماء أيًّا كانوا، وأشادوا بذكرهم، واحترموهم؛ ويكفي أنَّ علماء اليهود في سورية، وعلماء النَّصارى في مصر، كانوا يجلسون مع غيرهم من العلماء في مجالس الخلفاء، والحكام. وهناك بعض الدِّراسات الَّتى ظهرت، ومهَّدت الطَّريق للحديث عن هيجل في هذه المدَّة على صفحات مجلَّة الرِّسالة.

لقد أعطى هيجل في محاضرات فلسفة الدِّين، للإسلام كما ترى الأستاذة الإيطاليَّة فنتورا اعتبارًا خاصًّا؛ كدين تاريخي. وتلاحظ لوريلا فنتورا أنَّ الإسلام منفصل بشكل واضح عن العالم الشَّرقي. إنَّه يمكن تعريف الإسلام، وخصائصه، ودوره التَّاريخي؛ بأنَّه «ثورة» في ما يتعلَّق بكلِّ منهما العالم الشَّرقي واليهوديَّة؛ طالما أنَّها لم تعد مرتبطة بأيِّ خصوصيَّة. وبالتَّالي، ووفق تحليل هيجل، يختلف الدِّين، والشُّعوب المسلمة عن الشُّعوب «الشَّرقيَّة» إنَّ الإسلام هو الَّذي يقف في بهائه، في حريَّته، في اتَّساعه، ووضوحه، في طريق تعميق العالم المسيحي بشكل خاصٍّ. تختفي كلَّ خصوصيَّة، جميع الاختلافات الطبقيَّة، في هذا الواحد تختفي جميع خصائص الشَّرق[37].
يُعرف هيجل الإسلام بأنَّه «ثورة» الشَّرق. بهذا المعنى، يلاحظ المسافة بين الإسلام، والعالم الشَّرقي؛ لأنَّ الإسلام يمثِّل تحوُّل العالم الشَّرقي إلى شيء جديد تمامًا. ويشير راتب حوراني إلى أنَّ هيجل؛ قد استقى معلوماته من كتاب ريكو بعنوان: تاريخ الحالة الرَّاهنة للإمبراطورية العثمانيَّة، 1670. وإلى نصٍّ كتبه هيجل في مستهلِّ شبابه، مدَّة إقامته في فرانكفورت (1797-1800). بعنوان: روح الشَّرقيِّين، كما في كتابات أخرى في مدَّة الشَّباب، وهذه الكتابات الَّتى لم ينشرها هيجل، تدلُّ على أنَّ العالم الإسلامي كان حاضرًا في ذهن هيجل منذ بدايات وعيه الفكري[38]. يكرِّس هيجل فصلًا بكامله للإسلام في محاضرات في فلسفة التَّاريخ. لا بعدِّه جزءًا من العالم الشَّرقي، الَّذي اكتملت ثلاثيَّته بالصِّين، والهند، وبلاد الفرس، بل بعدِّه جزءًا من العالم الجرماني، وعلى حدِّ تعبير ميشال هولين، كان دخول الإسلام في العالم الجرماني. عند هيجل بمنزلة المقابل لدخول المسيحيَّة -الشَّرقيَّة أيضًا- إلى العالم الجرماني بمؤسَّساته وأخلاقه.

يناقش حوراني الموقع؛ الَّذي يحتلُّه الإسلام بالمقاربة مع المسيحيَّة، والإصلاح البروتستاتي، في مواضع من كتابات هيجل. وهو يطرح هذا على شكل سؤال. وفي نظري هو سؤال مهم، يقول: إذا كان هيجل يعدُّ الإسلام «ثورة الشَّرق»، وهو الَّذي يقول أن «لا ثورة بدون إصلاح (ديني)». فهل يعدُّ أنَّ الإسلام كان ذلك الإصلاح المطلوب، والَّذي سبق الإصلاح البروتستانتي الغربي ببضعة قرون». ويرى حوراني أنَّ كلَّ هذه الأمور الَّتي أوردها هيجل بشأن الإصلاح اللُّوثري، تتكرَّر عندما يتحدَّث عن الإسلام «كثورة الشَّرق»، ولكن بدون أن يتلفَّظ بكلمة «إصلاح»، أو بكلمة «مقارنة»، صراحة ما بين الإسلام، والإصلاح البروتستانتي. وأنَّ مسألة المقارنة هذه لم يطرحها هيجل صراحة. ويعلِّق حوراني كيف يطرحها وهو يعرف أن أنصار الكنيسة التَّقليديَّة قد اتَّهموا «الإصلاح» بالإسلام، وأنَّ أنصار الإصلاح البروتستانتي ردُّوا على خصومهم بالتُّهمة نفسها[39]؟

يستدرك حوراني أنَّ من يعرف الظُّروف التَّاريخيَّة الملموسة؛ الَّتي يلقي فيها هيجل محاضراته في فلسفة التَّاريخ، أو في فلسفة الدِّين، في جامعة برلين الملكيَّة في العشرينيَّات من القرن التَّاسع عشر، يدرك لماذا يكتفي هيجل بتلميحات هنا وهناك، في الوقت الَّذي يطالبه فيه قارئ من عصرنا اليوم بأن يقول أكثر من ذلك. ولم يقل هيجل إنِّ الاحتكاك المباشر بالإسلام كان سببًا من الأسباب البعيدة، أو القريبة للنَّهضة الأوروبيَّة، أو للإصلاح الدِّيني في أوروبا؛ إنَّ هذا الافتراض يبدو ضروريًّا، على الأقل، لإنقاذ صورة الثَّالوث المطلق: فنٌّ، دين، فلسفة، في تحقُّق الروح المطلق في مسيرته العالميّة!

يمهّد لنا ما سبق مناقشة قضيَّة التعصُّب، والحريَّة في الإسلام؛ كما طرحها هيجل، وكما ظهرت في كتابات الباحثين الأوروبيِّين المعاصرين تعليقًا عليه. هنا ننتقل إلى تحليل آراء الأوروبيِّين، من أجل بيان مدى سريان أفكار هيجل عن الإسلام في الفكر الغربي المعاصر، وهى المرايا الَّتي يمكن أن تتَّضح فيه صورة الإسلام عند هيجل بنوع من الشَّفافيَّة.

خامسًا- هيجل والإسلام التَّعصُّب والحريَّة في الدِّين
يعطى إيان الموند في دراسته عن هيجل والإسلام؛ توضيحًا حاسمًا - وهو أنَّ هيجل رأى أنَّ مسيحيَّته البروتستانتيَّة تترادف إلى حدٍّ كبير مع مفردات التَّنوير، والتَّعليم حتَّى أنَّه في بعض الأحيان بدأ أنَّه ينظر إلى نفسه على أنَّه شخصيَّة لوثريَّة. يؤكِّد إيان الموند أنَّ هناك «مجال مكافي» تشترك فيه المسيحيَّة مع الإسلام، وأنَّ طبيعة هذا المجال؛ ذات شقَّين. الأوَّل هو المعنى الَّذى يتداوله هيجل حول الإسلام، والمسيحيَّة كديانتين كونيتين لم تكرِّرا خطأ الدِّيانة اليهوديَّة؛ المتمثِّل في صبغ كيان ترنسندنتالي خالص بخصوصيَّة شاملة للأرض (أي التَّعلُّق بأرض وشعب معيَّنين). والمقصود بالمعنى الثَّاني، الَّذى لا يتداول هيجل حوله، هو التَّماس الجغرافي، الَّذى يحوِّل الإسلام من التَّوحيد الميتافيزيقي الخاطئ إلى منافس ديني، واقتصادي وعسكري.

فالإسلام عند هيجل يُنظر إليه بعدِّه نسخة متطوِّرة من اليهوديَّة «بعدِّه، كما يعبِّر» خاليًا من أيِّ شكل للقوميَّة، وكذلك نسخة غير مكتملة من المسيحيَّة. فهو لم يعد مقتصرًا على «شعب بعينه»، وبما أنَّه -مثل المسيحيَّة- قد نفي أبطل الخصوصيَّة في تصوُّره لله، فإنَّه يجد نفسه في مفترق طريق بين نموذج اليهوديَّة، ومثال المسيحيَّة-ترنسندنتاليَّة خالية من أيِّ خصوصيَّة أرضيَّة، والَّذي عليه رغم ذلك أن يطوِّر روحانيَّة متماسكة[40].

ويتبنَّى باحثون مثل هارديانو (Haridyano) هذه النَّسخة التَّاريخيَّة للإسلام، بعدِّه نسخة بدائيَّة وغير مكتملة للمسيحيَّة، ويذهب إلى أبعد من ذلك، فيرى العقيدة الإسلاميَّة مشابهة للوحي المسيحي[41].
يناقش توماس لينيش العلاقة بين الدِّين، والتَّعصُّب، وتاريخ العالم في موقف هيجل من الإسلام؛ موضحًا أنّ الإسلام عند هيجل شكل من أشكال التَّعصُّب؛ مقابل أوروبا المسيحيَّة. بالنِّسبة لهيجل، فإنَّ كلًّا من اليهوديَّة والإسلام؛ يظهران استحالة الحريَّة الإنسانيَّة، والعلاقة الإنسانيَّة بالله؛ تختزل إلى علاقة طاعة. إنَّ الحريَّة الحقيقيَّة ممكنة فقط من خلال الثتليث. بينما لا اليهوديَّة، ولا الإسلام ديانتان للحريَّة، وإن كان من الواضح أنَّ اليهوديَّة عند هيجل متفوِّقة. ذلك أنَها هي دين خاصٌّ؛ لأنَّه إلهها إله وطني. أي إنَّ افتقار اليهوديَّة إلى الكونيَّة هو ما يجعلها أفضل من الإسلام، وأدنى من المسيحيَّة. وإنِّها كما يعتقد ليس لديها نزعة توسُّعيَّة. قد لا يكون أتباعها أحرارًا، لكنَّهم متعصِّبون فقط عندما يتعرَّضون للضهجوم. وعندما يتحوَّل هيجل إلى مسألة التَّسامح مع الأقليَّات الدِّينيَّة؛ كما يواصل لينش، فإنّه يقدِّم اليهود كمثال على مجموعة يجب التَّسامح معها؛ بينما الإسلام، في كونيَّته متعصِّب في الأساس. الإسلام هو القضاء على كلِّ خصوصيَّة: كلُّ ما هو وطني، طبقي، ويختفي الاختلاف العرقي؛ لأنَّ الإنسان المسلم ليس سوى مؤمن. الإسلام يقلِّل من قيمة الفرد: الهدف الوحيد من الإسلام هو عبادة الواحد؛ الَّذى يتطلَّب الخضوع التامَّ للوجود الإلهي. وهو في فلسفة الدِّين 1824. يركِّز مرَّة أخرى على الإسلام بعدِّه تقديسًا للمجرَّد[42].
لا يحظى الإسلام باهتمام كبير في محاضرات هيجل؛ لأنَّه يمثِّل «مرحلة سابقة من الوعي الدِّيني»؛ فهو يقف في معارضة المسيحيَّة؛ كمعاصر منافس؛ يمثِّل الاتِّجاه المعاكس؛ في حين أنَّه من الصَّحيح أنَّ هيجل يعطي الإسلام القليل من الاهتمام من حيث فلسفة الدِّين، إلَّا أنَّ الآخر الإسلامي؛ حاضر مع ذلك طوال عمله؛ ذلك إنَّ الإسلام موجود دائمًا ليكون هناك نقيض، خارجي، مقابل أوروبا الغربيَّة.

ينتقد لينيش هذا الموقف الهيجلي بشأن الإسلام والتَّعصُّب؛ موضِّحًا أنَّ هيجل لم يأخذ في الاعتبار بشكل كاف ثراء الإسلام، أو تنوُّعه، وأنَّ المزيد من القراءة الهيجليَّة للإسلام؛ ستؤدِّي إلى نتيجة مختلفة. وهو يرى أنَّ عمل هيجل يكشف لا مجرَّد عن مشهد استشراق بسيط، حيث هيجل، المراقب الغربي الأساس، يفرض تعريفًا مهينًا لشرق لا صوت له؛ بل إنَّ مذهب هيجل يحوى حججًا دقيقة تبرِّر رفضه للإسلام؛ الَّذي يرتبط بالجوانب التَّأسيسيَّة لوجهة نظره عن الذَّاتيَّة، والجدل، والحريَّة. كما يكتب ديفيد تزينبرج Nirenberg في كتابه مقارنة هيجل، والخطاب الأخير حول الإسلام والغرب. إنَّ النِّقاش حول علاقة أوروبا بالإسلام؛ سمة تأسيسيَّة لأوروبا، ومع ذلك، فإنَّ مناقشات هيجل الخاصَّة بالإسلام غير كافية؛ لا تزال فلسفته نموذجيَّة لفهم أنَّ الإسلام يتعارض مع المسيحيَّة، أو أوروبا، أو الغرب. السُّؤال ليس كيف يمكن لليبراليَّة أوروبا، أو الغرب اللِّيبيرالي أن يكون متسامحًا مع الإسلام، لسنا بحاجة لإفساح المجال للإسلام في تاريخ هيجل الكوني. نحن بحاجة إلى تاريخ مختلف؛ لأنَّه هناك روح مختلفة[43].

توضح دراسة إيفان ديفيدسون كالمار الإسلام اليهودي: تأمُّلات في هيجل؛ أنَّنا أمام اتِّجاه له أنصاره يرد الإسلام إلى اليهوديَّة، أو على الأقل يربط بينهما. كما يظهر من الدِّراسة الَّتي يقدِّمها لنا، والَّتي تدور أيضًا في إطار البناء المشترك لليهود، والمسلمين في فكر هيجل. حيث يؤكِّد فيها أنَّه بالنِّسبة إلى هيجل، ولكلِّ من معاصريه، كانت الدِّيانة اليهوديَّة، والإسلاميَّة؛ وإن كان هيجل يعامل اليهوديَّة بتفصيل كبير في عدد من السِّياقات، فهو يتعامل مع الإسلام بشكل محدود؛ متقطِّع. ويمكن تلخيص وجهات نظر هيجل حول اليهوديَّة، بدون الإشارة إلى الإسلام. لكن العكس كما يؤكِّد ديفيدسون ليس صحيحًا. بل إنَّه لا يمكن فهم الإسلام عند هيجل بدون فهم اليهوديَّة، لأنَّ هيجل، يعتقد أنَّ الإسلام مجرَّد طفرة متأخِّرة في المبدأ الدِّيني اليهودي. والمهمُّ في ما يقول أنَّه بالنِّسبة إلى هيجل، استنفدت المهمَّة اليهوديَّة بتجسُّد المسيح. هنا كان يجب أن تختفي اليهوديَّة في تلك المرحلة، ولكنها لم تختف؛ عندما نهضت الرُّوح اليهوديَّة مرَّة أخرى على شكل الإسلام، فعلت ذلك في سياق تاريخي مختلف عن سياق إسرائيل القديمة. إنَّ هيجل يتحدَّث هنا عن الدِّين «العربي»، وليس «الإسلامي»، كان هيجل يستخدم «العربيَّة» كمرادف لكلمة «ساميَّة»، وهو استخدام يحدث بشكل بارز، كان هيجل واضحًا أنَّ الإسلام يدين بشخصيِّته للعرب، وبقدر ما يتعلَّق بالمبدأ الدِّيني، فإنَّ «العربيَّة» و«الإسلام» كانت واحدًا والشَّيء نفسه. لا يتحدَّث هيجل عن المسلمين بل يسمِّيهم المحمَّدين؛ أو العرب؛ حتَّى لا يذكر الإسلام؛ الَّذى ما هو دين العرب، وهم ساميون[44].
يتوقَّف جميل خضر الأستاذ بجامعة بيت لحم؛ من خلال التَّركيز على نصٍّ مهمٍّ في مداخلات جيجك حول الإسلام، هو نصُّ «لمحة عن أرشيفات الإسلام»؛ الَّذى يمثِّل تفسير جيجك الديالكتيكي اللَّاهوتي السِّياسي للإسلام؛ للردِّ على تحليل هيجل الغائي للدِّيانات التَّوحيديَّة الثَّلاث، ولغز ظهور الإسلام بعد المسيحيَّة. يقدِّم جيجك قراءة لعالميَّة الإسلام؛ تعيد تفعيل الدَّافع الأصلي في تحليل هيجل الجدلي للإسلام بعدِّه متجذِّرًا في سلسلة الأديان التَّوحيديَّة، بدون الوقوع في فخِّ أيٍّ من الاستشراق العنصري عند هيجل، أو التَّمركز الأوروبي، وآراء الإسلاموفوبيا.
يرفض جيجك في ما يرى خضر؛ تأكيد هيجل على كلٍّ من التَّناقض الزَّمني للإسلام، والمفهوم الفريد للإله المجرَّد والمتسامي. ويعيد تحميل وجهات نظر هيجل الجدليَّة ويتمكَّن من حلِّ المأزق في نهج هيجل للإسلام؛ والَّذي لا يمكن أن يفسِّر عالميَّة الإسلام. ويستخلص خضر الآثار السِّياسيَّة لتفسير جيجك الفلسفي للإسلام. تأسيسًا لظهور الإسلام السِّياسي في زحف مشروع التَّحديث على العالم الإسلامي، ويعزو صعود التَّطرف الإسلامي (العنف) إلى تناقضات، ومآزق الرَّأسماليَّة العالميَّة[45].
يحدِّد جيجك مهمَّته بأنَّها (إعادة تفعيل هيجل)؛ تحديد الجمود في قراءة هيجل الجدليَّة للإسلام، وعنده ليس هيجل هو الَّذى يستثني الإسلام من تاريخه العالمي. ولكنَّ الإسلام هو الَّذي يستثني نفسه من المخطَّط الهيجلي، بسبب الفشل في تعميق العلاقة الجدليَّة بين العالميَّة الإلهيَّة، والخصوصيَّة الإنسانيَّة في المسيحيَّة[46].

إنَّ إعادة تفعيل التَّحليل الجدلي الهيجلي للإسلام واضح منذ بداية الأرشيفات، ثم يفحص جيجك تفسير هيجل للإسلام على أنَّه دين السُّموِّ في أنقى صورة، كعالميَّة التَّوحيد اليهودي»، مع الترَّكيز على المفهوم الفريد لله في الإسلام. أنَّ الإسلام؛ يتغلَّب على المظاهر الملموسة للتَّاريخ البشري، والوجود، ويضعها في مرتبة «التَّوحيد العالمي الحقيقي». وبالنِّسبة لجيجك، فإنَّ التَّوحيد المجرَّد قد أعيد إدخاله في الإسلام بدون أيِّ أثر للخصوصيَّة اليهوديَّة[47].

خاتمة وتعقيب
تظهر نظرة هيجل للغرب، والإسلام، والشَّرق في عدَّة أعمال اختلف الباحثون في تفسيرها، وإن كانت رؤية هيجل الشَّاملة لا تتَّضح إلَّا فى سياق تحليل تاريخي لكلِّ النُّصوص الَّتى ناقش فيها الشَّرق، والعرب، والإسلام على امتداد دروسه المختلفة في سنوات عمره الأخيرة، ولكي نحدِّد هذه النَّظرة علينا العودة إلى كتاباته جميعًا الَّتي تناول فيها جوانب الحياة العربيَّة والحضارات الشَّرقيَّة، بدون الاكتفاء ببعضها بدون الآخر حتَّى تكتمل، وتتَّضح الصُّورة.
أثارت فلسفة هيجل ردود أفعال متباينة لدى المثقَّفين العرب، منذ بدايات القرن العشرين بعد تعرُّفهم عليها بأشكال متعدِّدة بين من يشيد بموقف الفيلسوف، ويمتدحه ومن يأخذ عليه نقده للإسلام، والشَّرق، وهي مواقف علينا النَّظر فيها محلِّلين لها لرؤية الذَّات من خلال الآخر فهمًا للذَّات، والآخر.
ومن يتتبَّع نظرة هيجل للشَّرق يجده يتعامل مع الشَّرق في محاضرات برلين بعدِّه مرحلة تمهيديَّة فى تطوُّر مسيرة الوعي فى التَّاريخ، وإنَّ المركز الأهم للتَّطوُّر التَّاريخى هو العالم الكلاسيكي، والعالم الألماني المسيحي، ولا تتعدَّى مساهمة الشَّرق إمداد أوروبا الأسس الَّتي تمكِّنها من الوصول إلى المراحل الأعلى من التَّقدُّم.

لقد أنكر هيجل أنَّ الشَّرق أسهم فى تشكيل الثَّقافة اليونانيَّة، والدِّين المسيحي، ووضع اليونان فى المركز بعدِّها المصدر للفلسفة، والفنِّ وجعل الوعي، والأصلاح المسيحيَّين الحدثين الحاكمين في التَّاريخ الدِّيني.
هناك بعض الباحثين من يوضح النَّزعة الاستعماريَّة الكامنة فى الفلسفة الهيجليَّة، الوريثة الشَّرعيَّة لكلِّ الفكر العنصري، والمركزيَّة الأوروبيَّة، أحد أسس الإمبرياليَّة، ذلك أنَّ فلسفة هيجل فى التَّاريخ، خاصَّة تاريخ الشَّرق كانت أحدى الأسس الَّتي اعتمد عليها الفكر الاستعماري، والإمبريالي اللَّاحق.

هناك علاقة متبادلة بين الرَّأسماليَّة الحديثة، والمسيحيَّة البروتستانتيَّة، ومبدأ العقل الواعي لذاته، والمصير الإمبراطوري لأوروبا، وإدراك الحريَّة في التَّاريخ.
إنَّ نصوص، وتحليلات هيجل المختلفة تؤسِّس مركزيَّة غربيَّة إثنيَّة، ودينيَّة في ثوب فلسفي لها جذورها الاستشراقيَّة، الَّتى تظهر فى مصادر هيجل من جهة، ونظرته للإسلام، وأحكامه عليه الَّتي تكوَّنت فى وعي هيجل منذ بدايات تعليمه الدِّيني وهو ما يزال شابًّا.

لا يحظى الإسلام باهتمام كبير فى محاضرات هيجل، لأنَّه يمثِّل «مرحلة سابقة من الوعي الدِّيني» فهو يقف فى معارضة المسيحيَّة كعنصر منافس، يمثِّل الاتِّجاه المعاكس في حين أنَّه من الصَّحيح أنَّ هيجل يعطي الإسلام القليل من الاهتمام من حيث فلسفة الدِّين، إلَّا أنَّ الآخر الإسلامي حاضر مع ذلك طول عمله، ذلك إنَّ الإسلام موجود دائمًا، ليكون هناك نقيض خارجي مقابل أوروبا الغربيَّة.

لائحة المصادر والمراجع
«المعقول واللَّامعقول في الأديان»، الرُّوح المطلق، نهضة مصر، القاهرة، 2006.
«تطوٌّر الأديان، رحلة البحث عن الإله»، مكتبة الشُّروق الدُّولية، القاهرة، 2010، الفصل السَّابع «الأديان المتعالية».
أبو يعرب المرزوقي: جدلية الدِّين والحريَّة، دار جداول، لبنان، 2012.
أحمد الربعي، محاضرات في فلسفة التَّاريخ، العالم الشَّرقي، المجلة العربيَّة للعلوم الإنسانيَّة، جامعة الكويت، مجلد 6 عدد 24 عام 1986.
إدوارد سعيد: الاستشراق، ترجمة: كمال أبو ديب، مؤسَّسة الأبحاث العربيَّة، بيروت، 2003.
إمام عبد الفتاح إمام مقدمة دراسته لترجمة الجزء الثَّاني من فلسفة التَّاريخ عند هيجل، القاهرة، مكتبة مدبولي.
أنور عبد الملك: الاستشراق في أزمة، مجلَّة الفكر العربي، معهد الإنماء العربي، بيروت، عدد 31، 1983.
حسان عبد الله: العنصريَّة قراءة نقديَّة في الأصول الفكريَّة، هيجل والتَّأسيس الفلسفي للعنصريَّة. مجلة المجتمع، الكويت، 8-7-2020.
حسين هنداوي: هيجل والإسلام لوثـريَّة فـي ثوب فلسَفي، مجلة نزوى، العدد 75، 2013، https://goo.gl/vTZMWo
راتب حوراني : هيجل والإسلام، مجلِّة الفكر العربي المعاصر، بيروت.
رشيد بوطيب: عين هيجل: حين لا تسافر النَّظريَّة، مجلَّة العربي الجديد، 18 يونيو 2016.
سمير بلكفيف: لا للعنف والإقصاء: هيجل من عنف وإنَّ الكتابة إلى عنف المتخيل، دار ناشري، 13 أغسطس 2011.
الطَّيب تيزيني: هيجل والشَّرق ذو البعد الواحد، جريدة الاتِّحاد، 2009، https://goo.gl/fKMG3e.
عادل سمارة : الاساس الفلسفي للنَّازية والجذر التَّواطئ بعد المحرقة، مجلَّة كنعان الفصلية، 1 نوفمبر2015.
عبد الواحد التهامي العلمي: هيجل والآخر، الكونيَّة المعطوبة، المنهل، 2015، https://goo.gl/X3sUGG.
محرِّر الرِّسالة في الإسلام بين هيجل ومحمد عبده، مجلَّة الرِّسالة، العدد 105، القاهرة، 1935.
محمد أركون: نزعة الأنسنة في الفكر العربي، ترجمة: هاشم صالح، دار السَّاقي، لندن، 1997.
المحمدي رياحي رشيدة: هيجلو الشَّرق، دار الرَّوافد وابن النديم، 2012.
هيجل: المحمديَّة، دروس في فلسفة التَّاريخ، ترجمة: بنسالم حميش: المحمديَّة: رؤية هيجل عن الإسلام، الحوار اليوم.
حسين هنداوي: هيجل والإسلام لوثـريَّة فـي ثوب فلسَفي،
https://goo.gl/vTZMWo.

لائحة المصادر الأجنبيَّة
Babacar Camara: The Falsity of Hegel’s Theses on Africa, Journal of Black Studies, September 1, 2005, https://bit.ly/2Ga5Fje.
Hegel, La Philosophie de l’histoire. Paris, LGF, Collection: La Pochothèque, 2009.
Ian Almond, Hegel and the Disappearance of Islam, in History of Islam in German Thought, Routledge, New York, 2010.
Ian Almond: Hegel and the Disappearance of Islam, History of Islam in German Thought from Leibniz to Nietzsche. Routledge, Jan 2010.
Ivan Davidsm Kalmar: Islam and Gudaism Mad, Reflection on Hegel. http.// groups. Chass utoronta. Ca/ Kalmar/426% zoislam%20 sudaism.ihi.pdf.
Lorella Ventura The Abstract God and the role of the Finite: Hegel’s view of the Islamic Absolute. In: Jahrbuch fur Hegel forschung, Herausgegeben von Helmut Schneider, Band 15-17, Academia Verlag, Sankt Augustin.
M.A.R Habib: Hegel and Empire from postcolonialism to Globalism, Palgrave macmillan, 2017.
Oliver Crawford, Hegel and the Orient, academia, https://goo.gl/yGmjmJ
Pradella: lucia: Hegel, Lmheialism and Umiuers al Histary Saimce Saciety, vol. 78, No.4, Gdolrrt 2014.
Souad Ayad: Hegel La RevolutionFrancaise Et l Islam, Le réseau de création et d’accompagnement pédagogiques. https://goo.gl/RChknH
Thomas Lynch: Hegel, Lslam and liberalism: Religion and the shape of world history Journals.sagepub.com/home/psc
Jamil Khader, Reactualizing Hegel:Zizek, the Universality of lslam, and lts Political Potentiality (Revisiting “the Archives of lslam”) Sophia (2020)59:793-808 https:// doi.org/10.1007/s11841-020-00799-0

------------------------------------
[1][*]- كبير باحثين، مركز المخطوطات، مكتبة الإسكندرية، كليَّة الآداب – جامعة القاهرة.
[2]- أنور عبد الملك: الاستشراق في أزمة، مجلَّة الفكر العربي، معهد الإنماء العربي، بيروت، عدد 31، 1983.
[3]- إدوارد سعيد: الاستشراق، ترجمة: كمال أبو ديب، مؤسَّسة الأبحاث العربيَّة، بيروت، 2003.
[4]- محمد أركون: نزعة الأنسنة في الفكر العربي، ترجمة: هاشم صالح، دار السَّاقي، لندن، 1997.
[5]- حسين هنداوي: هيجل والإسلام لوثـرية فـي ثوب فلسَفي، مجلَّة نزوى، العدد 75، 2013،
https://goo.gl/vTZMWo
[6]- Ian Almond, Hegel and the Disappearance of Islam, in History of Islam in German Thought, Routledge, New York, 2010.
[7]- يمكننا أن نشير إلى بدايات اهتمام نجده عند عدد من الباحثين في العالم الثَّالث عن هيجل، والحضارات الشَّرقيَّة؛ في الصِّين والهند وكذلك بعض البحوث عن نظرة هيجل إلى الأفارقة وكذلك نظرة هيجل لمصر والحضارة المصريَّة القديمة. نشير خاصَّة إلى فؤاد جابر الزرفي: هيجل والشَّرق: نقد المنهج واللُّغة في فلسفة التَّاريخ، مجلة مقالات في التَّاريخ الإلكترونية، https:// goo.gl /NyA9hr2012. إمام عبد الفتاح إمام مقدِّمة دراسته لترجمة الجزء الثَّاني من فلسفة التَّاريخ عند هيجل، القاهرة، مكتبة مدبولي.
[8]- Oliver Crawford, Hegel and the Orient, academia, https://goo.gl/yGmjmJ
[9]- Ibid. Oliver Crawford, Hegel and the Orient
[10]- وقد أخذ هيجل كتابات المستشرقين الألمان على محمل الجد. إنَّ مفهوم هيجل عن الشَّرق كان في جزء منها على حجج كتابين محدَّدين وهما: كتاب فريد ريكشليجل Ǖber die Sprache und Weisheit der Indier وكتاب كريوزر Symbolik und Mythologie.
[11]- Oliver Crawford, Hegel and the Orient, academia, https://goo.gl/yGmjmJ
[12]- حسَّان عبد الله: العنصريَّة قراءة نقديَّة في الأصول الفكريَّة، هيجل والتَّأسيس الفلسفي للعنصريَّة. مجلَّة المجتمع، الكويت، 8-7-2020.
[13]- عادل سمارة : الأساس الفلسفي للنَّازية والجذر التَّواطئ بعد المحرقة، مجلة كنعان الفصليَّة، 1 نوفمبر2015.
[14]- Pradella: lucia: Hegel, Lmheialism and Umiuers al Histary Saimce Saciety, vol. 78, No.4, Gdolrrt 2014 P.426- 453.
[15]- أحمد عبد الله الربعي 1949-2008، هو أستاذ الفلسفة الإسلاميَّة في جامعة الكويت؛ كان يدعو إلى التَّفكير العقلاني لحلِّ النِّزاعات العربيَّة ومحاولته لوضع سبل الحوار للتَّعايش مع الآخرين. حصل على الدُّكتوراه من جامعة هارفرد في الولايات المتحدة الأمريكيَّة في عام 1984. وانضمَّ إلى تيَّار القوميِّين العرب، وشارك في حركة المقاومة الفلسطينيَّة في الأردن في أثناء دراسته في الجامعة، وانضمَّ بعدها إلى ثوُّار ظفار في أوج نشاطهم بين عامي 1969 و1970. تثير حياة الدُّكتور الربعي الأسى بعدِّ صفاته الشَّخصيَّة، وتوجُّهه السِّياسي البنَّاء، والمستنير وحسب، بل تُثير التَّفكير في مصائر علائق الثَّقافة بالسُّلطة في الوطن العربي، إذ إنَّ الربعي كان أحد أبناء الجيل الَّذي أقبل من الجامعة، وبواسطتها على العمل السِّياسي، والثَّوري. رضوان السَّيد أحمد الربعي.. تحوُّلات المثقَّف والسِّياسي 8 مارس 2008 ص15-16 وانظر أحمد الربعي، محاضرات في فلسفة التَّاريخ، العالم الشَّرقي، المجلة العربيَّة للعلوم الإنسانيَّة، جامعة الكويت، مجلد 6 عدد 24 عام 1986، ص214.
[16]- الموضع نفسه 215 وما بعدها.
[17]- M.A.R Habib: Hegel and Empire from postcolonialism to Globalism, Palgrave macmillan, 2017. p.3.
[18]- Ibid, p. 6.
[19]- Ibid, M.A.R Habib: Hegel and Empire from postcolonialism to Globalism, p. 7.
[20]- عبد الواحد التهامي العلمي: هيجل والآخر، الكونيَّة المعطوبة، المنهل، 2015، https://goo.gl/X3sUGG، ص152.
[21]- رشيد بوطيب: عين هيجل: حين لا تسافر النَّظرية، مجلَّة العربي الجديد، 18 يونيو 2016.
[22]- Babacar Camara: The Falsity of Hegel’s Theses on Africa, Journal of Black Studies, September 1, 2005, https://bit.ly/2Ga5Fje.
[23]- سمير بلكفيف: لا للعنف والإقصاء: هيجل من عنف وإنَّ الكتابة إلى عنف المتخيَّل، دار ناشري، 13 أغسطس 2011.
[24]- حسين هنداوي: هيجل والإسلام لوثـريَّة فـي ثوب فلسَفي، مجلَّة نزوى، العدد 75، 2013.
[25]- حسين هنداوي: المرجع السَّابق، الموضع نفسه.
[26]- أمَّا الكاثوليكيَّة والمسيحيَّة الشَّرقيَّة السَّابقتان على الإسلام وعلى البروتستانتيَّة معًا، فإنَّهما بنظر هيجل مسيحيَّة سطحيَّة أو بالأحرى تمهيديَّة؛ لأنَّ الحقيقة المسيحيَّة المطلقة ظلَّت مجهولة حتَّى مجيء لوثر. ولا يكتفي هنداوي برد هيجل إلى اللُّوثريَّة الَّتي ما زال دينها للأسلام مساويًّا بل يزيد عن نقدها له بل نجده في عدَّة دراسات يرد الجدل عند هيجل الى بابل.
[27]- وقد تناول محمَّد عثمان الخشت الموضوع نفسه في كتابين: «المعقول واللَّامعقول في الأديان»، الرُّوح المطلق، نهضة مصر، القاهرة، 2006، ص253–345. و«تطوُّر الأديان، رحلة البحث عن الإله»، مكتبة الشُّروق الدُّوليَّة، القاهرة، 2010، الفصل السَّابع «الأديان المتعالية»، محمد عثمان الخشت: المصدر السَّابق، ص46.
[28]- المحمَّدي رياحي رشيدة: هيجلو الشَّرق، دار الرَّوافد وابن النديم، 2012، ص89.
[29]- انظر: أبو يعرب المرزوقي: جدليَّة الدِّين والحريَّة، دار جداول، لبنان، 2012، ص225.
[30]- الطيب تيزيني: هيجل والشَّرق ذو البعد الواحد، جريدة الاتِّحاد، 2009، https://goo.gl/fKMG3e.
[31]- Hegel, La Philosophie de l›histoire. Paris, LGF, Collection: La Pochothèque, 2009
وبنسالم حميش: المحمدية: رؤية هيجل عن الإسلام، الحوار اليوم،
http://www.arabicmagazine.com/arabic/ArticleDetails.aspx?Id=2881
وهناك ترجمة أخرى لنصِّ المحمديَّة لبسمة نايف سعد، المجلَّة الثَّقافية، ع38، الأردن، 1996. وانظر كتابات كل من حسين هنداوي: هيجل والإسلام لوثـريَّة فـي ثوب فلسَفي، https://goo.gl/vTZMWo.
[32]- Souad Ayad: Hegel La RevolutionFrancaise Et l Islam, Le réseau de création et d›accompagnement pédagogiques. https://goo.gl/RChknH
[33]- هيجل: المحمَّدية، دروس في فلسفة التَّاريخ، ترجمة: بنسالم حميش: المحمَّدية: رؤية هيجل عن الإسلام، الحوار اليوم.
[34]- الدُكتور محمَّد البهي (1905م-1982م)، وزير الأوقاف المصري الأسبق أحد مفكِّري الإسلام في العصر الحديث، دعا إلى الإصلاح الدِّيني بالعودة للأصول، وتتبٌّع نشأة الفكر الإسلامي منذ بدايته حتَّى الوقت المعاصر مقارنًا بينه وبين غيره من المذاهب الفكريَّة. سافر إلى ألمانيا عام 1931 لدراسة الفلسفة مبعوثًا من مجلس مديريَّة البحيرة إحياء لذكرى الشَّيخ محمَّد عبده، فحصل على دبلوم عال في اللُّغة الألمانيَّة عام 1934م، كما حصل على الدكتوراة في الفلسفة والدِّراسات الإسلاميَّة بتقدير امتياز من جامعة هامبورغ عام 1936م وحملت أطروحته للدُّكتوراة عنوان «الشَّيخ محمد عبده والتَّربية القوميَّة في مصر».
[35]- محرِّر الرِّسالة في الإسلام بين هيجل ومحمَّد عبده، مجلَّة الرِّسالة، العدد 105، القاهرة، 1935، https://goo.gl/RdNo33. ينقل محرِّر مجلَّة الرِّسالة، في العدد 105، بتاريخ: 8-7-1935، في باب النَّقد والمتابعة عن رسالة في الإسلام بين هيجل ومحمَّد عبده، يتناول فيها كتيِّب وضعه باللُّغة الألمانيَّة الأستاذ محمَّد محمَّد البهي وزير الأوقاف في مصر، الَّذي كان في هذا الوقت ما زال يتابع دراسته في جامعة هامبورج بألمانيا.
[36]- محرِّر الرِّسالة في الإسلام بين هيجل ومحمَّد عبده، مجلَّة الرِّسالة، م.س.
[37]- Lorella Ventura The Abstract God and the role of the Finite: Hegel’s view of the Islamic Absolute. In: Jahrbuch fur Hegel forschung, Herausgegeben von Helmut Schneider, Band 15-17, Academia Verlag, Sankt Augustin. P. 117- 134.
[38]- راتب حوراني : هيجل والإسلام، مجلَّة الفكر العربي المعاصر، بيروت، ص62.
[39]- راتب حوراني : هيجل والإسلام، م.س، ص64-65.
[40]- Ian Almond:Hegel and the Disappearance of Islam, History of Islam in German Thought from Leibniz to Nietzsche. Routledge, Jan 2010 page 114.
[41]- Ian Almond:Hegel and the Disappearance of Islam, History of Islam in German Thought from Leibniz to Nietzsche. Routledge, Jan 2010 page 114.
[42]- Thomas Lynch: Hegel, Lslam and liberalism: Religion and the shape of world history Journals.sagepub.com/home/psc
[43]- Ibid,Thomas Lynch: Hegel.
[44]- Ivan Davidsm Kalmar: Islam and Gudaism Mad, Reflection on Hegel. http.// groups. Chass utoronta. Ca/ Kalmar/426% zoislam%20 sudaism.ihi.pdf.
[45]- يسعى جميل خضر في دراسته إعادة تفعيل هيجل: جيجك، عالميَّة الإسلام وقدرته السِّياسيَّة إلى توضيح حقيقة فهم هيجل للإسلام وبيان أسسه الفلسفيَّة في علاقتها بالعالم المعاصر لدى الفيلسوف السُّلوفني؛ سلافوي جيجك وبيان نظرته للإسلام على ضوء فلسفة هيل.
Jamil Khader, Reactualizing Hegel:Zizek, the Universality of lslam, and lts Political Potentiality (Revisiting «the Archives of lslam») Sophia (2020)59:793 -808
https:// doi.org/10.1007/s11841 - 020 -00799 -0
[46]- Ibid.
[47]- Ibid.