البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ترجمة القرآن ومعضلة الفاصلة القرآنيّة

الباحث :  أ.د. ابن عبد الله الأخضر
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  36
السنة :  خريف 2023م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  October / 31 / 2023
عدد زيارات البحث :  4536
تحميل  ( 604.631 KB )
الملخّص
يعرض البحث الفاصلة القرآنيَّة، وعدم احترام سائر المترجمين لـ«سجعيَّتها»: تجاهلٌ متعمَّد لا يمكن الرُّضوخ لواقعه المفروض، ويُختتم البحث بمقترحات لتدارك الوضع التَّرجميِّ الخياني.
إنّ الفاصلة على الرَّغم من تعدادها في القرآن، إذ نافت آياتها عن نحو 85 في المئة من مجمل آيات القرآن، إلّا أنَّها حُرمت حقًّا لها في الوجود لدى سائر المسمُّون «مترجمين» للقرآن مسلمين، وغير مسلمين، وبشتَّى اللُّغات وهو -الأغرب في الأمر- سكوت النُّقَّاد عنه تقصيرًا بل تجاهلًا: وهو ما دعانا داعيه إلى تسليط الضَّوء عليه «مسكوتًا».
هل «ترجمة الفاصلة القرآنيَّة» تكون قد بلغت حدَّ الاستحالة على النَّقل؟ وهل على جميع حملة القلم التَّرجمة؟ لأنَّنا نؤمن أنَّ «الخبر ليس كالخبر - فقد جرَّبنا ترجمتها فاصلةً في رسالة ماجستير أشرفنا عليها في العام 2000، ولم يكن الأمر لا عسيرًا، ولا يسيرًا أيضًا، بل بين بين.
ولذا وجب إعادة الاعتبار لهذا العنصر الكتابيِّ الخاصِّ بالقرآني دون سائر الكتب السَّماويَّة، واقترحناها إجرائيَّات ممنهجة لا نحسبها إلَّا ممكنة التَّفعيل والاستثمار. أمَّا التَّرجمات الأخرى فلا خير في كثير من نسَخها المسيئة للقرآن، الَّتي تحرمه حرمانًا من زينة الفاصلة ودقَّة الدَّلالات.

الكلمات المفتاحيَّة: فاصلة، نقد التَّرجمات، المقامة، ,Ruckert Friedrich، صالومون مونك Munk، جمعيَّات مترجمي الكتاب المقدَّس، المجامع اللُّغويَّة العربيَّة، ترجمان وحي، مجمع طباعة المصحف الشَّريف تبوك، محاكم، اليونسكو، Journal asiatique، إجرائيَّات التَّنفيذ، كيفيَّة التَّنفيذ، آجال التَّنفيذ.

ما هي الفاصلة؟
الفاصلة لغة: هو ما قام كمسافة فارقة بين شيئين، وقولك «فصل الجسد» معناه موضع المفصل. أمَّا اصطلاحًا فالفاصلة تعني تلك التَّسجيعة الشَّبيهة بالقافية، والواقعة مختتم الآيتين، فما أكثر مع فارق ذكرَه الرَّماني في «النكت في إعجاز القرآن» وقال: إنَّ الفواصل بلاغةٌ، والأسجاع عيبٌ ذاك أنَّ الفواصلَ تابعة للمعاني على خلاف الأسجاع، فتكون المعاني هي التَّابعة لها. وقد كانت الفاصلة من مائزات الكتابة في القرآن الكريم دون سائر الكتب السَّماويَّة: توراة وأناجيلُ، وقد عكف على مدارستها الأولون من الزَّركشيِّ الباقلاني الرَّماني، وأخرون محدِثون معاصرون مثل الرَّافعي، وسيد قطب، وسواهم كثرٌ كثرٌ، إلَّا أنَّهم حاصروا الذَّات الدَّارسة الممحِّصة لها في حدود أيات القرآن، بمعنى وجودها في اللُّغة العربيَّة. هذا ورغم ما اكتسته الفاصلة من تمايز لغويٍّ بلاغيٍّ تبليغيٍّ، إلَّا أنَّها لم تستأثر باهتمام المسمَّون «مترجمين» للقرآن، فكان منهم التُّجاهل التَّامُّ لها، والكامل ودون أدنى مبالغة في القول، وتمثلة لا غير نستقيها عيِّنات من سورة «الكوثر»، ذاتِ الثَّلاثِ آياتٍ «المسجوعة» جميعها، ومرجعيَّتنا كانت «ترجمات» بالفرنسيَّة، والإنكليزيَّة، والإسبانيَّة، صادرة عن مجمَّع طباعة المصحف الشَّريف في المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، إليكموها:

1. Es cierto que te hemos dado la Abundancia.
2. Por eso reza a tu Senor y ofrece sacrificios.
3. Porque es quien te detesta el que no tendrà posteridad.

الشَّيخ عبد الغني ميلارا نابيا
«التَّرجمة» الإنكليزيَّة لصاحبيها:
محمَّد تقي الدِّين الهلالي
ومحمَّد محسن خان

1. Verily, We have granted you Al Kawthar.
2. Therefore turn in prayer to your Lord and sacrifice.
3. For he Who hates you (O Muhammad) he will be cut off (from posterity…).

التَّرجمة الفرنسيَّة إنجاز الرِّئاسة العامَّة لإدارة البحوث والإفتاء والدَّعوة بالمملكة العربيَّة السَّعوديَّة.

1. Nous t’avons certes accordé l’Abondance.
2. Accomplis la” Salat” pour ton Seigneur et sacrifie.
3. Celui qui te hait sera certes sans postérité.


التَّعليق
الملحوظ أنَّ لا أثر لحرف الفاصلة المتجانس كما هو قائم، وبوضوح في الأصل العربيِّ ممثلًا في حرف «الراء»، ولا نحسب استحضاره حين القيام بالتَّرجمة لو هي توافرت النِّيَّة الحسنة السَّليمة، يندرج ضمن المهمَّة المستحيلة، أو المستعصية على التَّحقيق، بل ولا هي حتَّى بالشَّاقَّة هذه المرَّة على الأقلِّ بالنِّسبة لـ«المترجم» الفرنسي، إذ يكفي العمود إلى استبدال فعل sacrifie في الآية الثَّانية بالاسم منه sacrifice،كذا ما تعلَّق بالآية الثَّالثة، فيعوَّض الاسم éritépost بمرادفه descendance.
وهكذا تتجانس الآيات الثَّلاث صوتيًّا بتماثل مقطع ce، ممَّا قد يُكسب الآيات جرَسيَّة لا محالة، أنَّها -حين التَّلقِّي لها على السَّواء من قِبَل المتلقِّي الغربي، ولمَ لا العربي- استحسانًا. ومثلها تلك «تقفية» لا نراها إلَّا ذاتَ أثر تأثيري، وتعبيري شبيهة بتلك الَّتي تتمتَّع بها القافية جماليًّا، ودلاليًّا في مجال الشِّعر، ومن ثمَّ فإنَّ الإصرار من لدن المشتغلين على نقل ما سمُّوه «معاني القرآن» ودونما اكتراث بزينة الفاصلة ففعلة تعدُّ شبيهة -مع الاعتذار- بمحاولات متكرِّرة الفشلِ لترجمة الشِّعر المقفَّى الموزون بواسطة النَّثرِ. فالقرآن عندنا دون فواصله المتعدَّدة الأشكال في المسمَّاة «ترجمات للقرآن»، قرآن متحامَل عليه، وبأكثر من معوِّل تردئة، وتبشيع، َوإنَّا لنربأ بجمع الغيورين عليه أن يظلُّوا على حيادهم السَّلبي، ومن ثمَّ الإسهام فيه تصديًّا كـ«وضع قائم» هو ما نتوخَّاه بواسطة بحثنا الآتي وعلى الله التَّوكل:

البحث
ما من ترجمة إلَّا وتشترط اشتراطًا أوَّليًّا وقَـبْليًّا: الفهم المتعمِّق الدَّقيق للمكتوب: إنَّه الشَّرط الَّذي لا يُقفَـز من فوق عنصره قطُّ، وهذا ضمن بقيَّة العناصر الأخرى المؤسِّسة للفعل التَّرجمي، ومن نظر في قائمة التَّفاسير للقرآن قديمها، وحديثها ألِفاها عددًا لا تقل عن مئـة ونيِّف، اختلفت في ما بينها: تأوُّلًا للآيات، واستبطانًا لمعاني الكلمات القرآنيَّة، وما إلى ذلك، وهذا كلُّه في إطار اللُّغة الأصل الَّتي أُنـزل بها القرآن، فكيف يمكن لقلم التَّرجمة أن ينطلق في عمله التَّحويلي من لسان إلى لسان وهذا «الشَّرط - الإمام» شرط الفهم الموحِّد المتوافق لم يتحقَّق؟

لقد تمَّ التَّرحيل للكتاب الرَّبَّاني بالقوَّة، وعنوةً إلى أصقاع، وبقاع الآخرين ولغاتهم المتباينة: لغات ليس بينها وبين العربيَّة من وشائج القربى الأسلوبيَّة، والصَّرفيَّة، ولا النَّحويَّة ما يؤهِّلها للتكَّفُّلِ التكفلَ الحسن بالكتاب في جانبه الدَّلالي، ناهيك عن جماليات لها معوِّقات شتَّى من الصَّعب التَّذليل لحواجزها الكبرى، والَّتي معها العمل التَّرجمي يصبح لا شبه مستحيل، بل مستحيلًا حقًّا وحقيقًا، وليس في القول هذا منَّا مبالغة، ولا شططًا، أو ضربًا من التَّعصُّب لكتاب الله، أو المزايدة على العاملين في الميدان ميدانه. ذاك، إنَّها الحقيقة المُرَّة الَّتي ما فتئت تتكشَّف للعيان مع الأيَّام، ومع كلِّ ترجمةٍ حديثة الصُّدور، والَّتي من المفترض أن تتدارك ما وقعت فيه سابقات عليها من أشكال التَّجاوزات كبراها وصغراها. القرآن نصُّه من الصَّعب صعوبة تدجين معجزته الكتابيَّة، لتنحشر في ضائقة منطوقات أيِّ ألسن للنَّاس، وذاك لكون النَّصِّ المجْــهَـز عليه من طرف قلم للتَّرجمة ليس نصًا بشريَّا فيكون في الوسع حين التباس معنى لآية، أو كلمة مساءلة صاحب النَّصِّ كما يحصل على أيَّامنا أحيانًا -إن لم يكن ما بين النَّصِّ ومترجمه[2]- فعلى الأقلِّ مع صحبة، أو جيرة ممَّن عاشروه أو عاصروه: ذاك طوق نجاة، أو قلَّ مسلكًا للنَّجاة -إن كان بالإمكان اللُّجوء إليه على زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أو على الأقلِّ عهدَ صحبته الكرام -فإنَّه لم يعد قائمًا عنصره الإسعافي حاليًا، ولا ممكنًا، ومن ثمَّ فكل ُّمغامرة تعوِّل تعويلًا على الاجتهاد نحسب أثرها السَّلبي ينعكس على القرآن، إذ يحَولُّه إلى شبه «قرآنات»، وهو القائم جرحه المعرفي الآن.

هذا في ما يخصُّ الجانب المضموني للقرآن.
ولو أنَّنا افترضنا -افتراضًا ولا غير افتراض- أنَّ العائق هذا اجتيز بسلام، فهل ترى يوجد في لغات الوصول أي لغاتهم الغربيَّة، «هندو-أروبية» كانت أو سواها، من الخصائص الأسلوبيَّة التَّعبيريَّة ما تتمتَّع به اللُّغة العربيَّة، فتضمن وصولًا آمنًا للنَّصِّ الرَّباني بحلاه وحليه البديعيَّة والبيانيَّة كافَّة؟

بلا أدنى تردُّد ولا مواربة، نقول بأسف إنَّ لا وجود لها بكاملها: وهو المطلوب فرضًا مفروضًا؛ أمَّا ما يوجد فليس فيه ما يفي بالغرض. كيف ذلك؟ لا بأس، إنَّ مثلنا على ذلك بما سُمِّي الفاصلة القرآنيَّة، إنَّها زينة بديعيَّة ضمن سواها بديعيَّات كادت العربيَّة تتميَّز بها عن سائر اللُّغات الأخرى العالميَّة، تتعاطاها، تدمنها إدمانًا، والَّتي شاء القدير سبحانه أن يتَّخذ من زينتها البديعيَّة حلية من حلى التَّعبير القرآني: إنَّها الفاصلة حاضرة، لا بالعارض العرضي بل تلك «بديعيَّة» طاغية طغيانًا على الأسلوب القرآني، وقد عكف على مدارستها بحثُ طويل للـمستشرق Devin J.Stewart من جامعة Ermory University البريطانية، ونشره عرض صفحات Journal of arabic literature XXI وتحت عنوان: Saj in the Quran: Prosody and Structure.
وأعادت نشره مترجمًا مجلة «فصول» المصريَّة في عددها لعام 1993/ المجلد الثَّاني عشر، العدد الثَّالث على الصَّفحات 7-37، وكان الحاصل النَّتائجي كالآتي:

مجموع الآيات 6236
الآيات «المسجوعة» 5355
النِّسبة المئويَّة: 85,9%
وفي ما يلي تمثيل لا غير على التَّوزُّع للفاصلة في بعض السُّور القرآنيَّة:
عدد الفواصل
عدد الآيات

السُّورة
55
55

القمر
78
78

الرحمن
90
96

الواقعة
19
29

الحديد
إنَّه عنصر تشكيل جماليٍّ، لا أحد من «المجهزين» على القرآن باسم «ترجمته» أولاه عناية عدا مستشرق ألماني يدعى فريدريش روكرت Ruckert (1788-1866) Friedrich أحدُ كبار الاستشراق الألمانيِّ، لقد حاول تدارك ما فات الآخرين، رتق ذاك الفتق العميق، إلَّا أنَّه في ما حاول لم يحالفه التَّوفيق: لقد ارتكبها أخطاء عديدة في حق المعاني القرآنيَّة، وهذا بغية الوصول إليها «سجعيَّة» ختاميَّة، ومن ثمَّ التَّرجمات كلِّها المسمَّاة «ترجمات للقرآن» نأخذ عليها أنَّها قد تنكَّرت لهذا العنصر وبالكامل، ودونما اعتذار ما، أو تنبيه للقارئ الأجنبي، والمتلقِّي للتَّرجمة عمَّا ارتكبت أيديهم: إنَّها «الأمانة العلميَّة»، تلك الأمانة العلميَّة الَّتي ما انفكُّوا يتغنَّون بها، ويدعون إليها في سائر مدوِّناتهم النَّقديَّة، وبحوثهم، إلَّا أنَّهم -لحظة التَّطبيق- ألفيناهم يولُّونها الأدبار، أو يفعلون بها الأفاعيل: والدَّليل على ما نقول هو دليل ناطق متمثِّل في ما وقع للفاصلة القرآنيَّة على أيديهم: إجهاز بالكامل عليها، وبلا أدنى ترفُّق أو شفقة.

وبعد هذا لنسأل: هل الفاصلة القرآنيَّة فاصلة غير ممكن الإتيان بمثيلتها في لغات الآخر بمعنى «مستحيلة « على التَّرجمة؟
الفاصلة: هل من إمكانيَّة لترجمتها؟
إنَّه القرآن عانى على أيدي هؤلاء «التَّراجمة» الكثير من العذاب، والحوب، ولكن أفدحه حوبًا أحسبُه وقع على رأس «الفاصلة القرآنيَّة».
وهكذا السَّجع الَّذي ذمَّه الرَّسول الكريم محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ذمًـــا لكونه مما اعتاد الكهنة، والسَّحرة على «تفعيله» لاستلاب عقول النَّاس، هو ذا الله جلَّ جلاله، قضى قضاؤه، وشاء مشاؤه العظيم أن جعل منه أداة لتفصيل آياته، وتبليغها لخلقه، ولربَّما كان وراء ذلك:

1. ضربًا من التَّحدِّي للعرب، والقول الضُّمني منه سبحانه -ولِـمَ لا؟- أنَّه الفَعَّال لما يريد أو(جملة غير تامة)
2. لربَّما ليجعل من هذا العنصر البديعي شبه عائق، وحائل أدبي دون تهجير القرآن إلى لغات الغير: لغات هي على مدى شهرتها، وعراقتها إلَّا أنَّها جميعها لا تتعاطى السَّجع لسبب من الأسباب، على الرَّغم ما للسَّجع في ما نعتقد من مقدرة على إكساب الجملة المنثورة ضربًا من الإيقاعيَّة الجرسيَّة، ولِــمَ لا الجماليَّة الشِّعريَّة.
هذا في ما تعلَّق بـ«تراجمة»[3] من غير ذوي اللِّسان العربيِّ، ترى كيف كان موقف «تراجمة» طالعين من بطانة اللُّغة العربيَّة والعقيدة الإسلاميَّة؟

لقد وجدناهم هم الآخرين في حضرة المسمَّاة «الفاصلة القرآنيَّة» يمارسونها خيانة للأمانة العلميَّة، حذوك النَّعل بالنَّعل، ودونما تردُّد أدناه بل إنَّ تراجمة «الغرب» -للإشارة لا غير- وكأنَّما لم يكفهم ما فعلوه بالفاصلة القرآنيَّة، ها هم أولاء يمدُّدونه تطاولًا واضحًا مفضوحًا إلى «سجعيات» المقامات:همذانيَّة، وحريريَّة، وربما سواها[4]: ممَّا سلَّط ضيمًا ظالمًا، وغبنًا على هذا النَّصِّ العربي المميّز: وهو غبن سينعكس سلبًا على مدى انتشار تأثيره في الآداب الأجنبيَّة لينحسر في جانبه التيميِّ الموضوعاتي، ومن ثَمَّة لا يتعدَّاه إلى الأثر الشَّكلاني اللُّغوي عِلما أنَّ المقامة -وإن كانت قصَّة- فإنَّها قَبل ذلك هي تشكيل بارع للَّغة، واستعطاءٌ لممْـكنات هذه الأخيرة في «الإدهاش»، وبالتَّالي، التَّرجمة حينما تتجاهل هذا المُكوِّن الجمالي للمقامة نجدها تمارس إجحافًا -حقًّا وحقيقًا- على النَّصِّ العربي في قالبه الجماليِّ: تهمة نستثني منها مستشرقًا يدعى «صالومون مونك» Salomon MUNK: وهو مستشرق بولوني من مواليد 1803، توفِّي عام 1867، خلَّــف أعمالًا وتحقيقات شاهدة على تضلُّعه في الأدب العبري، «صالومون مونك» لربَّما كان أحد الوحيدين كمترجم -فيما نعلم- الَّذي حاول التَّعامل مع المقامة ببعض الدِّقَّة بمعنى الأمانة العلميَّة، إذ لم «يهدر» لعنصر السَّجع، والتَّسجيع في المقامة ماء وجه، ولو على الأقل في تلك المقامة الَّتي بين أيدينا والموسومة بـ«المقامة الصِّنعانيَّة» وهي الأولى ضمن مجموعة كاتبنا العربِّي محمَّد الحريري، لقد ترجمها Salomon MUNK إلى الفرنسيَّة، وتأتَّــــى له نشرها في journal asiatique لشهر ديسمبر عام 1834، وفي ما يلي منتبَــذ منها:

Hareth ben-Hammâm raconta:
Forcé par la misère — de visiter une terre étrangère, — je préparai le bâton du voyage—et je me séparai des compagnons de mon âge; — et voilà que le sort me mène — à Sanaa, dans le Yémen. — En y entrant, je vis dépouillée ma valise, — pas de souliers ni de chemise, — pas un sou à cacher dans ma poche, — rien à mâcher dans ma sacoche. — Je parcourus, les rues comme un homme qui flâne, — je volai par les allées comme un oiseau qui plane.

لقد تَـوفق «صالومون مونك» في استحضارها سجعةً موحَّدة مختتم كلِّ جملتيْن، ممَّا نعدُّه من وجهة نظرنا دليلًا ماديًّا، وعمليًّا على إمكانيَّات الحفاظ على خصوصيَّات نصوص الغير بدل تدجينها، تهجينها، أو قلَّ تشويهها.
والسُّؤال: لَـــمَ لا تعامَل الفاصلة القرآنيَّة بمثل ما عوملت به تلك المقامة الحريريَّة، فترعى لها ذمَّة «سجعيَّة» من قِبَل سائر «المترجمين» للقرآن: «السَّجعيَّة» بوصفها إحدى خصوصيَّات الأسلوب القرآني ومائزاته الكبرى، لِـم؟ أيكون فعل الاستحضار لها «سجعيَّة فواصليَّة قرآنيَّة» قد بلغ من التعذُّر، والتعسُّر حـدَّ الاستحالة؟

الردُّ ردَّنا نرجئه إلى الجزء الثَّاني من البحث.

الجزء الثاني ـــــ
«ترجمة القرآن»
ومعضلة الفاصلة القرآنيّة
أيكون فعل الاستحضار لها «سجعيَّة فواصليَّة قرآنيَّة» قد بلغ من التَّعذُّر والتَّعسُّر حـدَّ الاستحالة؟
ردنا نستعطيه من مؤدَّى المثل القائل: «الخُبر ليس كالخبر»: نعم ما كان لنا من حقٍّ في الإجابة عن السُّؤال المطروح من قَـــبْل أن نركبها مغامرة لتجربة التَّرجمة للمسمَّاة: «الفاصلة القرآنيَّة».
لقد وقع منَّا الاختيار على سورة «الشَّمس»، وفواصلها الـ15 كعيِّنة نصِّيَّة للتَّجريب عليها: كان ذلك عام 2000 للميلاد، وفي إطار ممارستنا لعملنا كأستاذ في قسم التَّرجمة لجامعة وهران/ السَّانيَّة الجزائريَّة، لقد تمَّ لنا ذلك بمساعدة مشرف مساعد لنا هو الدُّكتور خليل نصر الدِّين، وهو من نفس القسم، وقد تيسر لنا بعون الله مناقشة رسالة الطَّالب «بغداد بلية» والموسومة بـ: (السَّجع القرآني والتَّرجمة – سورة الشَّمس نموذجًا). المناقشة تمَّت في الأجل القانوني بمعنى دونما مشقَّة كبرى، لقد تحقَّق المبتغى المنشود من البحث، والمتمثِّل في الإثبات أنَّ لا وجود لوجه استحالة، أو تَعَـــذُّر لترجمة ما يمكن تسميته «سجعيَّة» الفاصلة القرآنيَّة، فاصلة حُرمت عقودًا طويلة من حقٍّ لها في «الوجود» ضمن المسمَّاة «ترجمات للقرآن»، وعددها العدد وبلغات شتَّى: وكم تمنَّينا في دخيلة أنفسنا لو هم المترجمون على الأقل من ذوي اللِّسان العربي، والعقيدة الإسلاميَّة، شكَّلوا شبه استثناء للقاعدة، وتعاملوا مع الفاصلة وسجعيِّتها -سجعيِّتها أكرِّر- بأمانة وأخلاقيَّات مترجم يخشى الله. لكن لا شيء من ذلك تمَّ للأسف! لقد تحقَّق -وعلى غير عادة منهم- ضمن «ترجماتهم»، للقرآن إجماع تامٌّ على التنكُّر لحقِّ «الفاصلة القرآنيَّة» في الوجود؛ وهو ما نرفضه كواقع قائم مفروض ولا بدَّ، لا بدَّ من تجاوزه، وتبينةً لممكنات التَّجاوز هذه، قمنا بمحاولة تطبيقيَّة «ترجميَّة» كانت سورة «الشَّمس» عيِّنتنا التَّجريبيَّة، إنَّها سورة مجموع آياتها 15، وهي كلُّها آيات «مسجوعة» مختتمة بحرفي «هـ ا»، أمّا اللُّغة «المترجَم» إليها فهي الفرنسيَّة، والحرف المنتقى لـ«التقفية»، أو السَّجعة فهو حرف (إِي é): إنَّه حرف -للعِــلْم- له في هذه اللُّغة أكثر من وجه رسم وكتابة، إذ يأتي متشكَّلًا على نحو حرف واحد، وقد يأتي على نحو حرفين (er)، أو (ei)، أو (ai)، ويُنطقان سَويَّا في الحالات كلِّها (إِي) é، وقد يرد الحرف هذا في الفرنسيَّة حاملًا على رأسه مَــدَّة مائلة ذات اليمين è، أو مدَّة مائلة ذات الشِّمال: é وقد يتكلَّل الحرف بما يعرف بــ(accent circonflexe)، أو «قبَّعة» على النَّحو المبين بين الهلاليَّتين (^)، ولكنَّ النُّطق في الحالات، والأحوال كلِّها نطقٌ واحد متشابه إلى حدٍّ بعيد، لكنَّه لا يبلغ حدَّ التَّطابق؛ التَّطابق بمعناه الهندسيِّ الإقليديِّ.

وكان أن تمخَّض الجهد التَّرجمي عن الآتي:
Juré par le soleil et sa clarté( (1par la lune quand elle le suit de près (2) par le jour quand il le fait briller( (3par la nuit quand elle le fait voiler( (4 par le ciel et CELUI qu’IL l’a édifié( (5 par la terre et CELUI QUI l’a bien étalé( (6par l’esprit et CELUI QUI l’a perfecionné(7) et lui fit don de sa malignité et sa piété(8) sauvé est celui qui l’aura bonifié(9) malheureux est celui qui l’aura abaissé(10) les Thémoudiens par leur arrogante fierté ont abjuré( (11lorsque le plus misérable d’entre eux s’est dressé(12) à l’encontre du Messager d’ALLAH qui leur dit que le tour de la chamelle doit être respecté et qu’il ne faut point la toucher(13) L’ayant démenti, LE chamelle est égorgée et leur SEIGNEUR fulmina et nivela le tout pour leur péché (14) et il n’y a de ces suites rien à redouter .(15)[5]

الفاصلة القرآنيَّة للتَّذكير قد تأتي على شاكلة حرف يختتم الآية، ويتكرَّر وجوده على الأقلِّ في آيتين متتابعتين، وقد تأتي الآيات جميعها على إيقاع حرف ساجع، كما هو الشَّأن في سورة «الشَّمس» الَّتي عرضنا لها بـ«التَّرجمة».
وقد تتطلَّب «سجعيَّة» الفاصلة القرآنيَّة الاتِّكاء على أكثر من حرف، حرفين مثلًا كما في سورة «الشَّرح»، فهي قائمة على حرفين متشخِّصين في راء، وكاف متلاحقين (رك)، والصُّعوبة في مثل هذه الحال تغدو مضاعفة، وهو ضرب من التَّقفية يعرف في الشِّعر العربي بـ«لزوم ما يلزم».

بعد هذه الملاحظة البسيطة لِنعد إلى الموضوع صلبه وهو:
هل ما يمكن عدُّ ما قمنا به شبه شاهد ملموس، وعملي على إمكانيَّة «ترجمة» الفاصلة القرآنيَّة؟
إن ما كفَـــله الحقُّ سبحانه للفاصلة من حقِّ في الوجود، ضمن مكتوبه الكريم، لا يمكن بأيِّ حال من الأحوال، ولا التعلات التَّلاعب به، ولا التَّطاول عليه، مع بقاء الفعل دون محاسبةٍ من لدن أهل النَّقد، أو رجالات الدِّين! كَيف يمكن السُّكوت عنه استهتارًا ترجميًّا مَــسَّ نحو5355 آية في «سجعيِّتها» الفواصليَّة، وحِليتها البديعيَّة –وهو ما يعادل نحو 85,9% من مجموع آيات القرآن الكريم– أليس في ذلك ما يُعـدُّ بحقٍّ وحقيق تعدِّيًا خطيرًا، بل شِبه كبيرة من الكبائر الَّتي لا يمكن التَّغاضي عنها؟ النِّقاشات المؤتمراتيَّة، والكتابات الأكاديميَّة، وسواها حين تغرق غرقًا في دقائق الأمور من مثل مرادف لكلمة دون آخر، وإن نحن لم ننكر عليها فعلتها إلَّا أنَّنا رغم ذلك نلفيها كمن يحاول مطاردة شجرة، ويعمى عنها غابة بكاملها.

الحلول المقترحة
1. الحاضنات للمشروع الإصلاحيالمصاب جلل ولا يمكن مزيدًا من التَّغاضي عنه، ولا التَّساهل، فلا بدَّ من الإتيان على الدَّاء استئصالًا من الجذور، كيف ذلك؟ ذاك ما سنسعى للتَّعرُّض إليه في هذه الفِقرة الأخيرة من ورقنا البحثي.

كيف السَّبيل «لإعادة الاعتبار» لهذه فواصل قرآنيَّة بالآلاف منتهكة الحرمة، كيف الاقتصاص لها وإنصافها؟
حَــلًّا للإشكال لا نرى العمل المفردن مجديًا، لا من حيث آجال التَّنفيذ، ولا من حيث نوعية المنجَـز، إذ لا بدَّ من التَّكاتف المعرفي في ما بين أهل الغيرة، والحَمِــيَّة على الكتاب، والضَّالعين في لسان أجنبي أو ألسن، وفي هذا المجال، لا ضرر، ولا ضرار إن نحن تأسَّــيْنا بالمسمَّاة «جمعيَّات مترجمي الكتاب المقدس» associations des traducteurs de la Bible، والمتوزِّعة عبر العالم، وأنشأناها جمعيَّات على شاكلتها نتمنَّاها أن تكون حكوميَّة بمعنى ذات طابع رسمي، مموَّنة من طرف الدَّولة، تابعة لها، ولا بأس إن هي المجامع اللُّغويَّة المنتشرة في عالمنا العربي ألحقَتها بها.

للعلم، بعض هذه «الجمعيَّات لترجمة القرآن» نحسبها قائمة، ولا تحتاج إلى تأسيس وتتمثَّل في:
مُجمَّع الملك فهد لطباعة المصحف الشَّريف بالسُّعوديَّة.
«ترجمان وحي» في إيران.
هيئة تركيَّة مندوبة الهدف لـ»ترجمة القرآن» لم نتمكن من الوقوف على اسمها فنورده –المعذرة-.
إنَّها ثلاثيَّة مَجامعيَّة لا نراها يقينًا تكفي، أو تفي بالغرض كلِّه، ومن ثمَّ يقتضي الحال تشكيلها أخريات مفتوحة البرمجيَّة، والعضويَّة على كلِّ راغب في ذلك من ذوي الكفاءة العلميَّة، والنُّبوغ التَّرجمي، ولا نحسبهم بالمعدَمين يقينًا في عالمنا الإسلامي والعربي.

هذا في ما تعلق بالحاضنات للمشروع كمؤسَّسات رسميَّة حكوميَّة.

2. كيِّفيَّات التَّنفيذ أمَّا ما ارتبط بالتَّنفيذ وكيِّفيَّته، فإنَّه لا مناص في رأينا من تبنِّي الصَّرامة، وكلِّ الصَّرامة في معالجة الإشكال وذاك:
باعتماد أسلوب التَّوزيع لمجموع آيات القرآن بحسب العناصر البشريَّة المساهمة في العمليَّة التَّرجميَّة للقرآن.
لا بدَّ من ضَـبْــطه أجلًا للتَّنفيذ، أي الفروغ، والانتهاء ممَّا يمكن تسميته الـ»ترجمة الإسلاميَّة العربيَّة للقرآن»، واستصدارها طبعة بديلة عن سابقات عليها تاريخًا.
وفي ما يخصُّ آجال التَّنفيذ، فنحسب أنَّ أجل عامين كأجل أقصى لإجراء التَّنقيح، والتَّصحيح، وتسليم النَّسخة معدَّلةً مكتملة هي ذي الفاصلة القرآنيَّة تكون فيها قد استعادت حضورها الفعليَّ، الَّذي دون غلوٍّ، ولا شطط، لا نشترطه أن يكون:
بالضَّرورة مطابقًا تمام المطابقة لوضعها الَّتي هي عليه في الأصل القرآني العربي وإنما مماثلًا له بمعنى أن تكون:
الفواصل في التَّرجمات المنقَّحة فواصل تتمتَّع على الأقلِّ بنفس الحرف المختتم لآيتين، فما أكثر، ولا استثناء في هذا الصَّدد يعطى لأيِّ لغة من اللُّغات «المترجم» إليها القرآن.

هذا وقد يبدو الأجل المحدَّد، وقدره عامان لإعادة النَّظر في «فراغات» الفاصلة وما اقتُرف في حقِّها من حيف، وتعسُّف أجل غير كاف للنُّهوض بالمهمَّة التي نقرُّ منذ البدء أنَّها مستصعبة لا صعبة، إلَّا أنَّ رأينا يقول إنَّها مدَّة كافية كفاية لكن شريطة أن تكون المهمَّة قد أوكلتْ مقاليدها لمترجمين كثيرين، وأكفْاء بحيث يتوازعونها آيات للقرآن بالتَّساوي في ما بينهم لـ»ترجمتها»، كما الشَّأن معهود، ومعمول به في ترجمة ما يكتبه معاصرون من كبار رجال السَّاسة، وأصحاب النُّفوذ، أو العائلات الملكيَّة، أو المالكة، تعدُّد أقلام، وأسماء أساليبهم ليست بالضَّرورة متجانسة، ووجب التَّأليف بينها، أو قلُّ المؤانسة، وهو ما سيتكفل به مراجع أو مراجعان، ولا نحسب الحاجة لمثلها عمليَّة تأليف ما بين متغايرات أسلوبيَّة مطلوبة بالنِّسبة للمسمَّاة «ترجمات القرآن» ما دام الأمر منحصرًا في تصويب للـ«فاصلة» لا غير، أي إضافة كلمة، أو تغييرها بـأخرى كي تتوافق مع حرف ختاميٍّ لآية لها سابقة.

وحين التعنُّت من لدنها جهات «مترجمة»
هذا وقد يُواجه المشروع كلُّه، ومن الأساس بتعنُّت، وربَّما رفض جذريٌّ، وعندها لا مناص من اللُّجوء إلى القضاء، وهو «شرٌّ» لا بدَّ منه لحملهم:

1- إن كان أصحاب التَّرجمات أحياء يرزقون على تمكين الفاصلة القرآنيَّة من «سجعيِّتها» بقدر المستطاع.
2- أمَّا إن كان الموت اختطفهم فالمسؤوليَّة في هذه الحال تقع على عاتق دور النَّشر الَّتي رعت مشروعهم «التَّرجمي»، إذ تصبح هي المطالبة قانونًا بإجرائها تعديلات على مستوى الفاصلة، و«حرف تقفيتها».
فالتَّجاوز لزمن «الـتَّرجمات» المهينة للحرف الفواصليِّ السَّاجع، وجماليَّاته، والماضي مضيَّه في التَّوسُّع، والتَّمدُّد للأسف جغرافيًّا وألسنيًّا هو تجاوز ليس من السَّهل تحقيق حلمه دونما حدوثها «تصادمات» داخل «بيوتات» القضاء، والهيئات العالميَّة من مثل «منظمة اليونسكو« بوصفها المؤتمنة أمميًّا على فعل الترجمة عبر العالم.
ولذلك، وجب وجوبًا على محاميي الأمَّة العربيَّة، والأمَّة الإسلاميَّة، التَّكتُّل على شكل لجان، وطواقم متعدِّدة اللُّغى، واللُّغات، وهذا للعمل على رفعها دَعاوٍ قضائيَّة مطالبة بتصحيح ما لحق بالفاصلة القرآنيَّة من أذى.
وقد يصل بنا المطاف حدَّ الضَّرورة بالمطالبة بالسَّحب للنُّسخ المسوَّقة للمَّسماة «ترجمات القرآن» بوصفها مثيلة بأوراق نقديَّة مزوَّرة، لا يمكن التَّعامل بها وإن كانت بها شبيهة.
ولا يمكن البتَّة السُّكوت عنه عبثًا بالكتاب الرَّباني سواء كان دلاليًّا، أو جماليًّا، وما الفاصلة القرآنيَّة تلك إلَّا إحدى كبريات تلك «الكبائر» التَّرجميَّة.

المستخلص الختامي
مقالتنا مبتغاها القول أن لا تنازل عن «سجعيَّة الفاصلة» في المسمَّاة «ترجمات للقرآن» إذ لا خير في ترجمات ضررها للقرآن أكثر من نفعها، ولا بدَّ بالتَّالي من وضْــعُه حدًّا لاستهانة بالقرآن، وخصوصيَّاته تحت طائل المسمَّى التَّعريف به، وبخطابه العقائدي،
والسُّؤال: أليس من السَّذاجة، وبمقدار غبائي أن تقبَل مثلها تعلات، وبعد انصرام أنيف من أربعة عشر قرنًا من الزَّمن على تاريخ حضور الإسلام إلى رحاب هذا العالم؟ أليس في ما لا يقل عن 120 ترجمة مثلًا في اللُّغة الفرنسيَّة لوحدها ما فيه كفاية الكفايات؟ أليس في «ترجمات» بلغات أخرى، ولهجات ممَّا لا أحسب هذا البرنامج الإحصائي للتَّرجمات Index Translationum لليونسكو يقوى على الإحاطة بعددها إحاطة دقيقة[6] ما يكفي؟ تفريخ مستمر لترجمات متشابهة العورات في النَّقائص، والعيوب وعلى رأسها الفاصلة القرآنيَّة الدَّائمة الغياب في ما طرحت أيديهم وتطرح من مسمَّاة «ترجمات للقرآن، أو ترجمات معاني القرآن».
إنَّه لمما يحز حزًّا في النُّفوس بقاء مثل هذا العدد الغثِّ، والفج من «الجميلات الخائنات les belles infidèles »[7] أو «الخائنات غير الجميلات»، يهيمن هيمنة على الرُّفوف، ودونما إفلاح لقلم النَّقد، وبأكثر من لسان في حملها قطُّ على الارعواء عن غيِّها، وتغيير سلوكها اللَّاعلميِّ، ولو بإجرائها تصويبات مثلًا لأخطائها على الأقلِّ من طبعة إلى أخرى، ولأنَّ الأمر كذاك، وخشية أن يتأبَّد وضع مزرٍ مخزٍ كما تأبَّد ذاك الآخر لاسم رسول الله مشوَّهًا في كتاباتهم الغربيَّة[8]، كان علينا رفعها لزامًا هنا صرخة عالية بواجبيَّة الأمَّة تحريكها دعاوٍ قضائيَّة ضدَّهم جمعًا من المستهترين اللَّامبالين، لا بالأمانة العلميَّة فقط وإنَّما أيضًا -وهنا إيلام الجرح- بقدسيَّة النَّصِّ الرَّباني المتعامل معه، فلربَّما تحرَّك لهم في دواخلهم، ولربَّما ساكن من السَّواكن، فلربما.


لائحة المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
1. بلية بغداد: السَّجع القرآني والتَّرجمة –(سورة الشَّمس نموذجًا»)، رسالة ماجستير في التَّرجمة، جامعة وهران السانيا/ قسم التَّرجمة، عام 2000.
2. مجلَّة فصول (المصرية): المجلَّد الثَّاني عشر، العدد الثَّالث/ عام 1993.

بالفرنسيَّة:
UNESCO: Index Translationum, CD ROM anée 1997.
Journal asiatique, décembre 1934.

------------------------------------
[1][*]- أستاذ الأدب المقارن والترجمة، جامعة وهران السانية – الجزائر.
[2]- Coindreau (Maurice Edgar): mémoires d’un traducteur, Paris, Gallimard,1974, pp9- 19.
[3]- نضع الكلمة «تراجمة» بين معقوفتين لسببين:

أ- كون أغلب هؤلاء الَّذين حاولوا «ترجمة القرآن» ليسوا من خريجي أقسَّام التَّرجمة.
ب- وكذلك لما فعلوه بالكتاب الرَّبانيِّ القرآن من أفاعيل متفاوتة الدَّرجات وهذا من «ترجمة» إلى أخرى.

[4]- نذكر من هؤلاء الفرنسيين:
1- SYLVESTRE de SACY (Antoine Isaac).
2- BLACHERE (Régis) et Masnou (Pierre): §§§§§.
3- CHERBONNEAU (Auguste): §§§§§§§§§§.
4- VIGREUX (Philippe): séances .
5- KHAWAN (René): le livre des vagabonds.

[5]- الآية الأخيرة نجدها موضع خلاف في الفهم ما بين المترجمين وكذا المتفسرين للقرآن وقد كان لنا بعض اجتهاد في الفهم لكن يبقى ناقصًا وهو ما انعكس أثره على الصياغة اللغوية.
[6]- اليونسكو بدأت إصدارها إحصائيَّة في شكلٍ مطبوعٍ ورقيٍّ عام 1932 ليتوقَّف ثمَّ يعاد بعثه أعوام 1946، ليتحوَّل إلى قرص مرقمن عام 1997، ونتوافر على نسخة منه، ولكن مصير هذا البنك المعلوماتيِّ المتعلِّق بالتَّرجمات عبر العالم لم يعد بوسعنا الوصول إليه، وحتَّى بالعودة إلى الموقع الرَّسميِّ لليونسكو على الشَّبكة العنكبوتيَّة.
[7]- مصطلح يُطلق على ضرب من التَّرجمة جميلة هي، إلَّا أنَّها -دقَّةَ ترجمة: معنى، أوْ مبنى أو، هما معًا- تشكو الكثير من الحَوَل وحتَّى العمى، أمَّا الدَّاعي لذلك فهو داعي الاستجابة لأفق انتظار ما لمتلقين، أو خصوصيَّة لغة، وقد ازدهر مثل هذا النَّوع من التَّرجمة في القرن 17 و18 من تاريخ الأدب الفرنسيِّ وفي ما عداه لاحقًا.
[8]- اسم لرسول الله الكريم لمَّا يزل مشوّهًا كتابة إلّا لدى أقلية من قلة: تماد في التَّشويه رغم كون هذا الاسم متواترًا ضمن «أونوماستيكا» الغرب بحكم وجودها جالياتٍ مسلمة ضمن تشكيلات مجتمعاتهم، وبنسبة معتبرة إن لم أقل عالية، وهو اسم يرد في سجلات عقود الازدياد وسواها دون أدنى تشويه، أو خطأ في الكتابة على خلاف الحاصل إن تعلَّق الشَّأن بشخص رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) محمَّد، والَّذي ناله تصحيف، وتحريف متقصَّد متعمَّد، أي مع سبق علم بما يعنيه الاسم صرفيًّا، نحويًّا، ولغويًّا، فولد بـ»عمليَّة قيصريَّة» بشعة الاسم البدعة Mahomet، والَّذي لمن جهل، أو نسي قلنا إنَّه اسم الاسم مشَّكل (الكاف مشدَّدة مفتوحة) على نحو يقول ما معناه «ما حمَّــد» أي نفي التَّحميد عن محمَّد الَّذي هو الله جل جلاله، وملائكته يصلون عليه.