البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

سيبويه وأطروحة التأثير اليوناني ، بحث في أصالة النحو العربي عند "جيرار تروبو"

الباحث :  د. أحمد بوعود
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  14
السنة :  السنة الخامسة - ربيع 2018م / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 13 / 2018
عدد زيارات البحث :  7196
تحميل  ( 445.795 KB )
مقدمة

اهتم المستشرقون بدراسة القرآن الكريم والسنة الشريفة، كما اهتموا بدراسة التراث الإسلامي بمختلف مجالاته. وعن هؤلاء يصدر كثيرٌ من الحداثيين العرب، ليتخذوا بذلك مواقف سلبيةً من التراث الإسلامي والوحي في كثير من الأحيان. ولاتخرج اللغة العربية عن هذا، خاصةً أنها لغة القرآن الكريم، تشرّفت بشرفه وشرف حمله، فكان الطعن فيها (نشأتها وأصولها...) طعنًا في القرآن الكريم... ولما فتح المسلمون شبه الجزيرة الإيبيرية في بداية القرن الثامن الميلادي، بدأ يطرأ تحوّلٌ كبيرٌ على مجتمع هذه البلاد في نواحٍ دينيةٍ واجتماعيةٍ وثقافية، حيث اعتنق كثيرٌ من أهلها الإسلام. ولم يكد ينصرم القرن الثامن حتى تأسست في إسبانيا دولةٌ دينها الإسلام ولغتها العربية. من هنا بدأ الاهتمام بدراسة اللغة العربية كما بدأ الاهتمام بالقرآن الكريم والسنة النبوية ترجمةً ودراسةً.

والحديث عن اللغة العربية هو حديثٌ مباشرٌ عن "قرآن النحو" الذي خلّفه سيبويه منذ أزيد من ألف سنة، وشكّل لبنات الفكر اللغوي. هذا الكتاب كان ثمرةً من ثمار الصحبة الطيبة لأستاذه الخليل بن أحمد الفراهيدي. ومن اهتمام المستشرقين بالنحو العربي عامةً، وكتاب سيبويه خاصةً، صدورُ الطبعة الأولى منه على يد المستشرق الفرنسي هرتويغ درنبورغ (توفي عام 1908) Hartuig Derenbourg. ولقيمة كتاب سيبويه تعددت شروحاته وتنوعت.

وقد ذهب بعض المستشرقين، منهم ميركس ودي بور وفرستيغ، إلى أن النحو العربي تأثّر بالمنطق والنحو اليونانيَّين واقتبس مفاهيمهما ومصطلحاتهما، كما نزع هذا المنزع بعض المفكرين العرب كإبراهيم مدكور.

لكن في المقابل، نجد من المستشرقين من يؤكد أصالة النحو العربي عمومًا وأصالة ما أنتجه سيبويه خصوصًا، وعلى رأسهم الإنجليزي مايكل كارتر والفرنسي جيرار تروبو.

فما هي مرتكزات القائلين بأطروحة التأثير اليوناني؟ وما موقف تروبو منها ؟ وهل فعلا اقتبس سيبويه مصطلحات النحو ومفاهيمه من العلم اليوناني ومنطق أرسطو؟ وإلى أي حد يمكن التسليم بأصالة النحو العربي؟

هدف البحث:

إن الهدف الرئيس من هذا البحث هو الإجابة عن هذه الأسئلة، وذلك من خلال دراسة مواقف القائلين بأطروحة التأثير اليوناني، ودراسة موقف المستشرق الفرنسي جيرار تروبو من كتاب سيبويه، لاستخلاص تصورٍ عامٍ عن مدى أصالة النحو العربي.

 منهج البحث:

إن الإجابة عن هذه الأسئلة وتحقيق هدف هذه الدراسة يتطلبان سلوك منهجٍ ذي بعدين:

- بعدٍ تحليلي: وصفُ مواقف المستشرقين القائلين بأطروحة التأثير اليوناني وتحليلها، مع بيان مرتكزاتها، وأيضًا وصفُ موقف تروبو من كتاب سيبويه وربطه بأصوله المعرفية.

- بعدٍ نقدي: نقدُ مختلف الآراء والمواقف استنادًا إلى حججها وأصولها المعرفية التي بنيت عليها.

كما أنني سعيت جهد الإمكان إلى توثيق النصوص التي أتى بها كل باحثٍ والرجوع إلى مظانها للتأكد منها ومن دلالتها.

خطة البحث:

أما خطة البحث التي تم اتباعها لتحقيق هذا الهدف فهي كالتالي:

مقدمة (تبيّن أهمية البحث وقيمته وأهدافه ومنهجه وخطته).

تمهيد (حول نشأة اللغة والنحو).

المبحث الأول:  أطروحة التأثير اليوناني في النحو العربي: عرض وتحليل:

1- أطروحة ميركس.

2- أطروحة دي بور.

3- أطروحة إبراهيم مدكور.

4- أطروحة فرستيغ.

المبحث الثاني: تروبو ونقد التأثير اليوناني في النحو العربي من خلال كتاب سيبويه:

1- دعوى تقسيم الكلام.

2- دعوى الإعراب والصرف والتصريف والكلمة.

3- دعوى التأثير اليوناني من الناحية التاريخية.

4- دعوى التأثير اليوناني من الناحية المنهاجية.

خاتمة تتضمن أهم النتائج و التوصيات.

والله المستعان.

تمهيد

حول نشأة اللغة والنحو

نشأ النحو العربي بفضل تضافر مجموعةٍ من العوامل، منها الديني([1])، ومنها القومي([2])، ومنها السياسي([3]). وإذا أردنا الحديث عن نشأة النحو قبل سيبويه فإنه لا مناص من المرور عبر المحطات الثلاث: محطة أبي الأسود الدؤلي، ومحطة الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم محطة سيبويه التي شهدت ظهور الكتاب.

1- أبو الأسود الدؤلي والإرهاصات الأولى للنحو العربي:

يذهب الباحثون وعلى رأسهم الأستاذ محمود محمد شاكر رحمه الله([4]) إلى أن أول مَن وضع للغة أحكامًا وأصولًا علي بن أبي طالب رضِي الله عنه، وذلك استنادًا إلى رواية أبي الأسود الدؤلي رحمه الله أنَّه قال: دخَلتُ على أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام فوجدت في يده رقعةً فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: إني تأمَّلت كلام العرب فوجدته قد فسَد بمخالطة هذه الحمراء، يعنى الأعاجم، فأردت أنْ أضع شيئًا يرجعون إليه ويعتمدون عليه، وفيها مكتوب: الكلام كله اسمٌ وفعلٌ وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمَّى، والفعل ما أُنبِئ به، والحرف ما أفادَ معنًى غير هذين، وقال لي: "انْحُ هذا النحو، وأضِفْ إليه ما وقَع إليك، واعلَمْ يا أبا الأسود أنَّ الأسماء ثلاثة: ظاهرٌ ومضمرٌ واسمٌ لا ظاهرٌ ولا مضمر، وإنما يتَفاضَلُ الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهرٍ ولا مضمر، وأراد بذلك الاسم المبهم"([5]).

ثم يعلّق محمود شاكر رحمه الله على أسباب وضع علم النحو فيقول: "وقد كثُرت الرِّوايات في سبب وضْع هذا العلم وأوَّل مَن وضَعَه، وأكثر هذه الروايات باطلٌ لا يقومُ بحجَّةٍ ولا يقعُد"([6]). لكن ما يطمئن إليه الباحثون عمومًا هو أن اللحن فشا "على لسان المسلمين من الأعاجم ومَن كثُر اتِّصاله بالأعاجم ولُغاتها من العرَب، حتى دخَل الضَّيْم على لسانه فأفلتت منه فطرته الفصيحة، وهذا نادرٌ لا تكاد تجدُه في الزمن الأوَّل أبدًا"([7]).

وقد أخذ عن أبي الأسود رجالٌ كثيرون من العربِ، حتى وصل الأمر إلى سيبويه الذي أنجز من خلال كل ما سبق كتابه الشهير. وهكذا يوضح محمود شاكر رحمه الله أن الطبقة الأولى أخذت القراءة - قراءة القرآن - عن أبي الأسود، وتلقَّت منه الكلامَ عن الأبواب التي وضَعَها من النحو، وسمتْ سمتَه في تتبُّع الكلام العربي جهدَ الطاقة لوضع القواعد التي بَنَى عليها - نفرٌ يعدُّون نترجمُ لكلٍّ منهم باختصارٍ بعد الكلام عن أبي الأسود رحمه الله.

ويجمل محمود شاكر مؤهلات أبي الأسود الدؤلي رحمه الله في كونه حكيمًا فصيحًا ذكيًّا نابغةً موفَّق الرأي، وهذه هي الصفات العالية التي سمتْ به إلى أنْ يكون الواضع الأوَّل لأجلِّ العلوم العربيَّة...

وقد حمَل علمَ النحو عن أبي الأسود جماعةٌ منهم  عنبسة بن معدان، وميمون الأقرن، ونصر بن عاصم، وعبد الرحمن بن هرمز، ويحيى بن يعمر، وعبد الله بن أبي إسحاق، وهؤلاء من الطبقة الأولى. أما من الطبقة الثانية فنجد أبا عمرو بن العلاء المازني التميمي، وقد أخذ عنه الخليلُ بن أحمد، ويونس بن حبيب البصري، وأبا محمد اليزيدي، ومعاذ بن مسلم الهرَّاء، وروى سيبويه عنه الحروفَ. ونجد أيضًا عيسى بن عمر الثقفي، وقد أخَذ عنه النَّحوَ الخليلُ بن أحمد، ولعلَّ سيبويه لَقِيَه وأخَذ عنه أيضًا. أما في الطبقة الثالثة فنجد يونس بن حبيب البصري، وقد أكثرَ سيبويهِ في كتابه من الرِّواية عنه. وقد تَخرَّجَ عليه كثيرٌ من اللُّغويِّين والنُّحاة؛ كالأصمعيِّ، وعليِّ بن حمزة الكسائي، وأبي زكريا الفَرَّاء، وكثيرٌ من أهل العلم في عصر الرشيد.

2- الخليل بن أحمد الفراهيدي شيخ سيبويه:

ونجد في هذه الطبقة الثالثة الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري شيخ سيبويه، وقد أقام في خصٍّ بالبصرة، لا يقدر على فلسين، وتَلامِذتُه يَكْسبون بعِلمه الأموال، وهذه حالُه في العلم أيضاً، فلولا الخليلُ لَم يكن سيبويه، فلمَّا كان الخليلُ وكان سيبويه، وأخَذ عِلمَه عنه وحَشَا به كتابه الجليل، طار اسمُ سيبويه في كلِّ مكان، وملأَ الدُّنيا، وانزَوى ذِكْرُ الخليل إلّا قليلًا، وأُهْمِلت كتبُه، وضاعَ أكثرُها، وقد كان الخليلُ من نَوابِغ الرجال وأفذاذ العرب، شَهِدَ له مُعاصروه بأنَّه كان آيةً في الذَّكاء.

يقول محمود محمد شاكر: "ولولا ما ضاعَ مِن كتب الخليل، لعرَفْنا كيف نردُّ كتابَ سيبويه إلى الأصل الذي أخَذ عنه من الخليل، ونحن لا نشكُّ في أنَّ أوَّل كتاب وخيره وصَل إلينا من كتب المتقدِّمين في النَّحو هو "كتاب سيبويه"؛ إذْ هو الكتاب الذي وُضِعَ على قواعِدَ معقودةٍ للكتاب كلِّه، وأرجَحُ الرَّأي عندنا أنَّ الذي عقَد النَّحو هذا العقدَ الذي نراه في "الكتاب" ليس هو سيبويه، بل هو الخليلُ بن أحمد الذي عقَد علمَ العروض هذا العَقْد الذي لَم يُنقَض، وقد رأى الخليلُ في سيبويه رجلًا مُحكَم العقل، فاستَصْفاه بعِلْمه وأدَبِه، ومنَحَه وقْتَه وراحتَه، فكان الخليلُ يقول له حين يزورُه: "مرحبًا بزائرٍ لا يُمَلُّ"، قال أبو عمرٍو المخزوميُ - وكان كثيرَ المُجالسة للخليل -: "ما سمعتُ الخليلَ يقولُها لأحدٍ إلاَّ لسيبويه""([8]).

تلقَّى الخليل العلم صغيرًا، وانقطع له، وعُنِي به، فلم يُبالِ بغيره، ولَم يَطلب الرِّزق بعِلْمه؛ لِما كان من وَرَعِه، وطولِ صبره على المَكاره، وشدَّة إبائه وتَعفُّفه؛ فكان يَمْتنعُ على الأمراء والحكَّام، ولا يَبْتذِل نفسه بالتردُّد عليهم، فكان ذلك سببًا في انقطاعه للعلم، والتبحُّر فيه، والتوسُّع في فُروعه مدَّةً طويلة من حياته، حتَّى نبغَ وفاق أهل عصره؛ عِلمًا وأدبًا، ووَرعًا وخُلقًا، وصَفَه مَن رآه فقال: "كان الخليلُ رجلًا صالِحًا عاقلًا، حليمًا وَقورًا"([9]).

3- سيبويه والكتاب:

ويصل محمود محمد شاكر إلى الطبقة الرابعة وفيها سيبويه، شيخُ النُّحاة في عصره وما بعدَ عصرِه، والبحر الذي أمدَّ عُلوم العربيَّة حتَّى زخرَتْ وتَلاطمَت، قال الجاحظُ: "لَم يكتُب النَّاسُ في النَّحو كتابًا مثله، وجميعُ كتب النَّاس في النَّحو عِيالٌ عليه"([10]).

إن أول علم طلبه سيبويه في طلب هو علم الآثار والفقه، ولَم تكنْ له عنايةٌ بالنَّحو، وكان يطلب الحديث من حَمَّاد بن سلمة بن دِينار البصريِّ المُحدِّث الفقيه النَّحوي، فقال حمادٌ: "قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "ما مِنْ أحدٍ من أصحابي إلاَّ مَن لو شِئتُ لأخذتُ عليه عيبًا، ليس أبا الدَّرداء"، فقال سيبويه "ليس أبو الدَّرداء"، فقال له حَمَّاد: "لحنْتَ يا سيبويه؛ ليس أبا الدرداء"، فقال: "لا جرم، لأطلُبَنَّ علمًا لا تُلحِّنني فيه أبدًا"، فطلبَ النَّحو، ولزم الخليلَ بن أحمد([11]).

وكانت في لسان سيبويه لكنةٌ؛ وذلك لأنَّ أصله من البيضاء في أرض فارس، ونشأ في البصرة، ولَم يُعمَّر أكثر من أربعين، وانتقل في آخِر أيَّامه إلى الكوفة؛ لِمُناظرة الكسائيِّ - وأمرُها مشهور - ثم رحَل إلى شيراز، ومات بها سنة 180 تقريبًا. وتجدر الإشارة إلى أن النحو في الكوفة نشأ ضعيفًا إلّا في أيَّام الخليل بن أحمد؛ وذلك لأنَّ البصرة أقدَمُ بناءً من الكوفة، وكان بها من صفوة الناس وأذكيائهم وعُلَمائهم من لَم يكن مثلهم بالكوفة؛ ولذلك تأخَّر ظهورُ علم النَّحو بها مدَّةً طويلة.

بنى سيبويه كتابه على الأبواب، فنجد مثلًا: "هذا باب علم الكلم من العربية"، و"هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربية"، و"هذا باب المسند والمسند إليه"... وهكذا. وتحت الباب يُدرج المسائل المرتبطة به، ثم الاستدراكات حيث يستدرك على الباب نفسه، وقد يشمل الاستدراك عددًا من الأبواب.

ويمكن إجمال مادة سيبويه في هذا التعبير لمحمد الطنطاوي حيث يقول: "جمع سيبويه في كتابه ما تفرق من أقوال من تقدمه من العلماء كأبي الخطاب الأخفش والخليل، ويونس، وأبي زيد، وعيسى بن عمر، وأبي عمر بن العلاء، وغيرهم في علمَي النحو والصرف، إذ كان في ذلك الحين يُطلَق عليهما، واسمه يعمُّهُما، وأكثرهم نقلًا عنه الخليل..."([12]).

أما من حيث الشواهد، فقد تعددت شواهد سيبويه النحوية، وأبرز هذه الشواهد كانت من القرآن الكريم، حيث احتج ببعض القراءات المتواترة. وقد أُنجزت في هذا الموضوع أبحاثٌ ودراساتٌ فصّلت وحلّلت وقوّمت.

المبحث الأول

أطروحة التأثير اليوناني في النحو العربي

(عرض وتحليل)

ذهب كثيرون إلى أن النحو العربي تأثّر بالمنطق الأرسطي وبالنحو اليوناني في وضع قواعده. ويعتبر المستشرقون ميركس ودي بور وفرستيغ أبرزَ القائلين بهذه الأطروحة. كما ذهب إلى ذلك من العرب إبراهيم مدكور. وتشير أغلب المصادر إلى أن أطروحة التأثير اليوناني ظهرت أول مرةٍ على يد الألماني ميركس، وإن كان هناك من ينسب ظهورها إلى ما قبل ميركس بحجة أن المستشرق الإنجليزي كارتر ذكر "أن المستشرق الألماني إفالد نفى عام 1830 ما كان شائعًا وقته من تأثيرٍ للفكر اليوناني في النحو العربي..."([13])، لكن لا دليل على ذلك يمكننا الاستناد إليه. من هنا، فإنه لا مناص من بحثِ أطروحة التأثير اليوناني، كما بناها الألماني ميركس، ثم بحث صداها عند بعض اللاحقين.

1- أطروحة ميركس:

يعتبر اللاهوتي والمستشرق الألماني أدالبير ميركس (توفي عام 1909) Adalbert Merx مؤرخَ قواعد اللغات السامية، وينتمي إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. وقد تعرّض للنحو العربي من خلال كتاب سيبويه في بحث ألقاه في معهد مصر عام 1891 بعنوان:  "أصل النحو العربي"([14]).

ينطلق ميركس من فكرتين مؤسِّستين قبل أن يعرض أطروحته:

الأولى: إن المؤلفين العرب الذين انشغلوا بتاريخ الدراسات الفيلولوجية وجدوا أنفسهم يومًا ما أمام مسألة توضيح أصل الفيلولوجيا العربية، وأن عليهم أن يتساءلوا عن أي حقبةٍ بدأ العرب بإنشاء نظام نحوهم: من هم أساتذتهم؟ ومن كان كُتّابهم الأوائل الذين وضعوا الأسس التي عليها بنت الأجيال اللاحقة النحو الذي لم يغيروه أبدًا ولم يتراجعوا عنه رغم الصعوبات؟

ولا ينسى أن يؤكد أنهم فعلوا كل شيء من أجل تجاوز هذه الصعوبات، "وإذا لم يكونوا قد وصلوا إلى الهدف الذي وضعوه فلأنهم كانوا يفتقدون الروح النقدية، وفي الوقت ذاته يفتقدون المعارف التاريخية اللازمة ليصلوا بعملهم إلى نهاية حسنة. نحن مدينون لهم بالمواد التي جمعوها ووضعوها رهن أبحاثنا النقدية..."([15]). وتجدر الإشارة هنا، حسب ميركس، إلى أن الذين اشتغلوا من العرب بتاريخ الدراسات الفيلولوجية لم يكونوا مؤرخين، ولم يعرفوا كيف يتساءلون جيدًا عن أصل النحو العربي.

الثانية: وهذه الفكرة تعتبر بديهيةً بالنسبة لميركس، وهي أن كل نحوٍ يتأسس على الفلسفة والمنطق. فكيف ذلك؟

يجيب ميركس بأن معرفة أجزاء اللغة، وأبنية الكلام واشتقاقاته، والأعضاء المكوِّنة للجملة البسيطة، إنما كانت نتيجة تحليلٍ فلسفي. ويبرر ذلك بأن "الفلاسفة الرواقيين هم الذين قاموا بتحليل منطق اللغة، نتائج هذا التحليل مبثوثةٌ في تعريفات الأصناف النحوية. وهذا المبدأ لم يعرفه العرب الذين يجهلون قيام النحو على المنطق، وذلك ليس لكون النحو لم يوجد قبل الفلسفة، ولكن أيضًا عقليًا، لأن مصنفات الواحدة مؤسسة على الأخرى"([16]). ويسوق ميركس هنا مثال ابن خلدون (808 ه) الذي لم يستطع، في نظره، أن يفهم شيئًا بخصوص أصل النظام النحوي العربي، فيوضح ميركس أن بحث أصول النحو كان بعيدًا عن إدراكه، وبقدرته العادية كان يعرف بأن حاجات المدارس والدروس الفقهية التي تهتم بتفسير القرآن الكريم والحديث الشريف هي التي أعطت الانطلاقة لبحوث النحو العربي، ولكنه لم يعرف بأن وضع الخطوط الأولى لا بد له من المنطق والمعارف الفلسفية.

من هنا، فإن النحو، تأسس في زعمه على المنطق، وبالتالي فالنحو العربي لم يكن له إلا منطق أرسطو مصدرَ إلهامٍ وأنموذجًا. وهذه الأطروحة ستكون مرتكز جميع اللاحقين الذين لم يروا أصل النحو العربي في النحو اليوناني ولا حتى في المنطق الرواقي، ولكن في المنطق الأرسطي تحديدًا.

ويتوقف ميركس مع ابن النديم (438هـ) في كتابه "الفهرست" الذي يتناول النحويين الأوائل، حيث هناك أسماء المؤلفين مع معلوماتٍ قليلةٍ عن سيرهم الذاتية وعناوين أعمالهم، كما نجد معلوماتٍ عن انقسام النحويين إلى مدرستَي البصرة والكوفة. ورغم قيمة عمل ابن النديم فإن ميركس يأسف لسكوت صاحب الفهرست سكوتًا مطبقًا عن المصادر التي ارتكز عليها النحويون الأوائل.

ثم يعود إلى ابن خلدون الذي جاء بعد ابن النديم بحوالي خمسة قرون، ويصفه ميركس بالعقل الأكثر فلسفةً في الأدب العربي. لقد ضمن ابن خلدون سفره الضخم "المقدمة" بعض تأملاته حول الدراسات النحوية، وهو نظر ميركس الأول "الذي سخر من حماقات النحويين وتصنيفهم الخطأ"([17])... وإلى ابن خلدون يرجع الفضل، حسب ميركس، في المعلومة المهمة التي تفيد أن النحويين الأوائل كانوا فرسًا وليس عربًا، وهذه المعلومة تلقفها أيضا حاجي خليفة (1067 هـ) لاحقًا.

يقول ابن خلدون: "وقد كنا قدمنا أن الصنائع من منتحل الحضر وأن العرب أبعد الناس عنها فصارت العلوم لذلك حضريةً وبعُد عنها العرب وعن سوقها. والحضر لذلك العهد هم العجم أو من هم في معناهم من الموالي وأهل الحواضر الذين هم يومئذٍ تبعٌ للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف، لأنهم أقوم على ذلك، للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس، فكان صاحب صناعة النحو سيبويه والفارسي من بعده والزجاج من بعدهما وكلهم عجم في أنسابهم. وإنما ربوا في اللسان العربي فاكتسبوه بالمربى ومخالطة العرب وصيّروه قوانين وفنًا لمن بعدهم.

وكذا حملة الحديث الذين حفظوه عن أهل الإسلام أكثرهم عجم أو مستعجمون باللغة والمربى لاتساع الفن بالعراق.

وكان علماء أصول الفقه كلهم عجمًا كما عرف، وكذا حملة علم الكلام، وكذا أكثر المفسرين. ولم يقم بحفظ العلم  تدوينه إلا الأعاجم. وظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: "لو تعلّق العلم بأكناف السماء لناله قوم من أهل فارس".

وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وسوقها وخرجوا إليها عن البداوة فشغلتهم الرئاسة في الدولة العباسية وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم"([18]).

ونفس الكلام نقله صاحب "كشف الظنون" إذ يقول: "[...] فاحتيج إلى وضع القوانين النحوية، وصارت العلوم الشرعية كلها ملكاتٍ في الاستنباط، والتنظير، والقياس؛ واحتاجت إلى علوم أخرى، هي وسائل لها، كقوانين العربية، وقوانين الاستنباط، والقياس، والذب عن العقائد بالأدلة؛ فصارت هذه الأمور كلها علومًا محتاجةً إلى التعليم، فاندرجت في جملة الصنائع؛ والعرب أبعد الناس عنها، فصارت العلوم لذلك حضريةً، والحضر هم العجم، أو من في معناهم، لأن أهل الحواضر تبع للعجم في الحضارة وأحوالها، من الصنائع والحرف، لأنهم أقوم على ذلك، للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس، فكان صاحب صناعة النحو سيبويه، والفارسي، والزجاج، كلهم عجم في أنسابهم، اكتسبوا اللسان العربي بمخالطة العرب، وصيّروه قوانين لمن بعدهم، وكذلك حملة الحديث، وحفاظه، أكثرهم عجم، أو مستعجمون باللغة، وكان علماء أصول الفقه كلهم عجمًا، وكذا جملة أهل الكلام، وأكثر المفسرين، ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم، أما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة، وخرجوا إليها عن البداوة، فشغلهم الرياسة في الدولة العباسية، وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم، مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم، لكونه من جملة الصنائع، والرؤساء يستنكفون عن الصنائع"([19]).

إن قيمة هذه المعلومة تسمح لميركس باستنتاج أن هناك تأثيرًا تسرّب إلى النحو العربي على يد هؤلاء بحكم درايتهم بالفلسفة اليونانية واطلاعهم على المنطق اليوناني خاصةً، والثقافة اليونانية عامة. وهنا نسأل ميركس: هل نشأةُ بعض العلماء في بيئةٍ غير عربيةٍ كافيةٌ للجزم بأنهم استنبطوا أصول علمهم  وقواعده من ثقافات أخرى؟

ويتوقف ميركس مع السيوطي (911 ه)، الذي جاء بعد نصف قرن من ابن خلدون، حيث يجد في كتابه "المزهر" معلومةً ذات فائدةٍ عظمى في فلسفة اللغة، وتتلخص في كون الأبحاث في الفلسفات اليونانية استمرت وتواصلت على يد العلماء العرب؛ حيث منهم من يزعم أن أصل اللغة إلهامٌ إلهيّ، بينما يرى الآخرون أن أصل اللغة إنسانيٌ واتفاقي. يقول السيوطي: "باب القول على أصل اللغة إلهام هي أم اصطلاح؟ هذا موضعٌ مُحْوِجٌ إلى فَضْل تأمُّل، غير أن أكثَر أهلِ النظر على أن أصلَ اللغةِ إنما هو تواضعٌ واصطلاحٌ لا وَحْيٌ ولا توقيفٌ، إلّا أن أبا علي رحمه الله قال لي يومًا‏:‏ هي من عند الله، واحتج بقوله تعالى‏:‏ ‏﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماءَ كُلَّها﴾، وهذا لايتناول موضعَ الخلاف، وذلك أنه قد يجوز أن يكونَ تأويلُه‏:‏ أَقدَرَ آدَمَ على أَنْ واضَعَ عليها، وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا مَحالة، فإذا كان ذلك مُحْتَمَلًا غير مُسْتَنْكَر سقط الاسْتِدلال به، وقد كان أبو علي رحمه الله أيضًا قال به في بعض كلامه، وهذا أيضًا رأي أبي الحسن على أنه لم يمنعْ قولَ مَنْ قال إنها تواضعٌ منه، وعلى أنه قد فُسِّر هذا بأن قيل‏:‏ إنه تعالى علَّم آدمَ أسماء جميع المخلوقات بجميع اللَّغات‏:‏ العربية والفارسية والسريانية والعِبرانية والرُّومية وغير ذلك من سائر اللغات، فكان آدمُ وولدُه يتكلمون بها، ثم إن ولدَه تفرَّقوا في الدنيا وعَلِق كلُّ واحدٍ منهم بلغةٍ من تلك اللغات فغَلَبَتْ عليه واضمحلَّ عنه ما سواها، لِبُعْدِ عَهْدهم بها، وإذا كان الخبرُ الصحيحُ قد ورد بهذا وجب تَلقِّيه باعتقاده والانطواء على القول به‏"([20]).‏ وهذا كلام ينسبه ابن جني من كتاب "الخصائص".

وهنا نتوقف لنقول: إن العلماء الذين استشهد بهم ميركس جاؤوا بعد سيبويه، بل إنهم ينتمون إلى قرون جد متأخرةٍ (أي ابتداءً من القرن الخامس الهجري)، مما يعني أن التأثر بالوافد أو بالثقافات الأخرى قد يصح بعد عصر الترجمة، وليس قبله، وبالتالي لا قيمة للاستشهادات التي ساقها هنا. ومن جهةٍ أخرى، ليس فيها ما يمكن به الجزم أن سيبويه تأثّر بثقافات أخرى.

إن المؤلفين العرب، في نظر ميركس، لم يدركوا أبدا أن العمل الأساس الذي بدونه يستحيل تكوين نحوِ أي لغةٍ هو اكتشاف أجزاء اللغة؛ إنهم يجهلون كون النحو يرتكز على المنطق. وللحصول على معرفةٍ مؤكدةٍ لأصول النحو يجب دراسة الأعمال النحوية التي تنتمي إلى النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، وقبل كل شيء، كتاب سيبويه. وهذا ما قام به ميركس([21]) فخلص إلى ما يلي:

أولًا: هناك نقص في التنظيم والوضوح عند سيبويه، ولكن مع هذا هناك مادة جمعها وأطّرها ضمن فكرةٍ عامة.

ثانيًا: كل نظرية الاشتقاق والإعراب المتعلقة بالفعل والاسم موجودةٌ في الكتاب، ولكن بطريقةٍ تبدو غير معقولةٍ للدارسين الذين لا يمتلكون اللغة.

ثالثًا: يتناول سيبويه ملاحظاتٍ تركيبية، لكن هذه أيضًا "لم تُرتَّب وفق نظامٍ منطقي". وهنا نسأل ميركس: كيف لسيبويه أن يقتبس من الثقافة المنطقية ولم يستطع الترتيب وفق نظامٍ منطقي؟

رابعًا: وما هو أكثر مفاجأةً حسب ميركس هو نقصٌ شبه كاملٍ للتعريفات، ويمكن تبرير هذا بأن الأصناف النحوية كانت معروفةً بشكل ما لدى كل الدارسين.

خامسًا: يقسّم سيبويه عناصر اللغة إلى ثلاثة أجزاء: الاسم، الفعل، الحرف. وهذا، في زعمه، هو تقسيم أرسطو التام والمتقدم عند النحويين الإغريق. وهذا يجب أن يقود إلى فكرةٍ مفادها أن الأصناف النحوية تم اقتراضها من الفلسفة المشائية، لكن هذه الدراسات لم تزدهر عند العرب قبل القرن الثامن الميلادي، أي بعد حقبة هؤلاء النحويين.

سادسًا: بعد أن اقترح سيبويه تسمية أجزاء اللغة: الاسم والفعل من غير أن يعطي تعريفًا لهما، تحدث عن الحرف. هنا فقط يجده ميركس يعطي تعريفًا، حيث يقول معرفًا الحرف: "فالكلم اسمٌ، وفعلٌ، وحرفٌ جاء لمعنًى ليس باسمٍ ولا فعل"([22]).

إن تعريف سيبويه للحرف بأنه "ليس له معنًى في ذاته"([23]) إنما هو، في نظر ميركس، تعريف أرسطو، فالحرف عنده لا معنى له.

هناك أصنافٌ نحويةٌ أخرى تنتمي إلى نفس المصدر، أي المنطق اليوناني، ومن أجل اشتقاقات الاسم وتصريف الفعل، فإنه ليس للغة العربية إلا كلمة "صرف". إن النحويين الإغريق ميزوا الاشتقاق عن الصرف، والنحويون السوريون ترجموا الصرف (تصريف الفعل) بالتركيب، بينما النحويون العرب، تبعًا لأرسطو، يتحدثون عن تصريف الاسم وتصريف الفعل. إنهم، في نظر ميركس، يجهلون الدلالة الحقيقية لكلمة "تصريف" بمعنى الاشتقاق.

سابعًا: ليس عند أرسطو مفهوم الفاعل sujet في المعنى النحوي، ولكن نجد عنده مفهوم المسند، أو الخبر. كذلك العرب لا يوجد لديهم مفهوم الفاعل النحوي، ولكن لديهم الخبر، وهذا ليس إلا ترجمةً من اليونانية... كل هذه المفاهيم، حسب ميركس، موجودةٌ في الكتابات المنطقية لأرسطو.

ثامنًا: من أجل شرح مختلف أنواع الاسم، والفعل خاصةً، استعان العرب بفكرة الجنس/النوع. لقد كانوا يفتقرون في لغتهم - كما في اللغات السامية - إلى كلمة للدلالة على الجنس. وهذه وجهة نظرٍ أخرى تدعو إلى اعتبار ما تم اقتراضه من العلم اليوناني.

تاسعًا: "إن الإعراب ليس سوى تحويل للفظ اليوناني وتطبيقه لحاجيات النحويين العرب. إنه، كما في اليونانية، هو التعبير بشكلٍ سليمٍ فيما يتعلق بالاستعمال المنطقي للأجناس والأعداد، ونضيف الحال فيما يرتبط بالفاعل، والخبر والنظام. ونفس الشيء في العربية، فالإعراب معرفة الاستعمال المنطقي لأواخر الاسم والفعل"([24]).

عاشرًا: الفعل في العربية ليس إلا ماضيًا ومضارعًا، لقد كان مستحيلًا بالنسبة إلى النحويين العرب تمييز الأزمنة الثلاثة: الحاضر، الماضي، المستقبل، ومن أجل ملء الفراغ في لغتهم فقد أدخلوا الأمر وذلك ليملؤوا "حاضر" اليونانيين. يقول سيبويه: "وأما الفعل فأمثلةٌ أُخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع"([25]).

"فأما بناءُ ما مضى فذهب وسمع ومكث وحُمِد. وأما بناءُ ما لم يقع فإنه قولك آمرًا: اذهب، واقتل، واضرب، ومخبرًا: يقتل ويذهب ويضرب ويُقتَل ويُضرَب، وكذلك بناءُ ما لم ينقطع وهو كائن إذا أخبرت"([26]).

هذا أهم ما بنى عليه ميركس أطروحته، وسنعود في المبحث الثاني مع جيرار تروبو لمناقشة هذه المرتكزات مع قضايا أخرى وبحث وجاهتها للحكم على مدى أصالة النحو العربي وأصالة ما أنتجه سيبويه. ولكن قبل ذلك لا بد من إشارةٍ منهجيةٍ بخصوص  الاقتباس من المنطق اليوناني.

يعرّف الجرجاني المنطق بأنه "آلة قانونية تعصم مراعاتُها الذهنَ عن الخطأ في الفكر، فهو علمٌ عمليٌ آلي"([27]). وما دام الأمر مرتبطًا بحفظ الذهن من الخطأ في الفكر وبترتيب هذا الفكر فإنه ولا شك أمرٌ تجتمع حوله العقول البشرية أيًا كان نوعها؛ ذلك أنه "ما كان بديهيًا فهو بديهيٌ بالنسبة لجميع العقول"([28]).

وهذا ما يؤكده تمام حسان عند دحضه لأطروحة تأثير المنطق اليوناني في النحو العربي قائلًا: "إن للعقل قوانينه الأساسية البديهية التي لا تحتاج إلى برهانٍ على صدقها لأنها ضرورية، فليست هذه البديهيات من عمل العقل ولكنها من بنية العقل ومن تركيبه. فإذا نظرنا مثلًا إلى قانون الهوية الذي يقضي بأن الشيء هو هو وجدنا أن المرء لا يفتقر إلى منهج أرسطو ليعرف أن يده هي يده... فلا ينبغي أن ننسب ذلك إلى أثر المنطق اليوناني على النحو العربي، لأن الشيء هو وما في معناه يجمع بينهما قانون الهوية وهو من البديهيات..."([29]).

من هنا نتساءل: هل يصح الجزم باقتباس شيءٍ من ثقافةٍ أخرى فقط لمجرد تشابهٍ اصطلاحي أو قواعدي؟

2- أطروحة دي بور:

تخصص المستشرق الهولندي ت. ج. دي بور (1942)Tjitze de Boer  في الفلسفة الإسلامية وكتب في ذلك كتاب "تاريخ الفلسفة في الإسلام". وفي الباب الثاني من هذا الكتاب، المتعلق بالفلسفة والعلوم العربية، تحدث دي بور عن تأثير الفلسفة اليونانية في علوم اللغة حيث قال: "وقد أثر منطق أرسطو في علوم اللسان التي لم يكن شأنها جمع الشواهد والمترادفات ونحوها، لأن هذه تتقيد بالموضوعات التي تعالجها. على أن السريان والفرس كانوا قبل العصر الإسلامي قد درسوا كتاب العبارة لأرسطو مع إضافات ترجع إلى الرواقيين وإلى المذهب الأفلاطوني الجديد"([30]).

ويجد دي بور مبررًا لهذا التأثير في ابن المقفع (142 ه)، الذي كان في أول الأمر صديقًا للخليل بن أحمد الفراهيدي أستاذ سيبويه، ويسَّر للعرب الاطلاع على ما كان في اللغة الفهلوية من أبحاث لغويةٍ ومنطقية. وهذا ما جعل العرب في نظره يحصرون الجمل في أنواعٍ خمسةٍ حينًا وثمانيةٍ أو تسعةٍ حينًا آخر، كما حصروا أقسام الكلمة الثلاثة الاسم والفعل والحرف.

هذا ما نجده عند دي بور، ويبدو أنها أحكامٌ لم يُقِم عليها أي دليل، حيث لا نجد تفصيلًا أكثر لموقفه هذا ولا تأسيسًا له، وإن كان يلتقي إجمالًا مع ما ذهب إليه ميركس.

3- أطروحة إبراهيم مدكور:

كان الدكتور إبراهيم بيومي مدكور (توفي عام 1996) عالمَ لغةٍ وباحثًا في الفلسفة، وأحدَ رؤساء مجمع اللغة العربية، وهو أبرزَ المرددين لأطروحة تأثير المنطق اليوناني في النحو العربي، وذلك في بحثه "منطق أرسطو والنحو العربي"، الذي ألقاه في مؤتمر مجمع اللغة العربية في 27 ديسمبر 1948، ونشره في مجلة مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1953.

يبدأ إبراهيم مدكور بالإشارة إلى العناية الكبرى التي صادفها النحو العربي أكثر من أي نحو آخر. يقول: "وإذا قارنّا النحو العربي بعلوم النحو القديمة والحديثة وجدنا أن أحدًا منها لم يصادف ما صادفه من درس وعناية؛ فللإغريقية واللاتينية نحوُها، ولبعض اللغات الشرقية القديمة نحوٌ معروفٌ كالسريانية والعبرية، غير أنه لم يصل نحوٌ من هذه إلى ما وصل إليه النحو العربي من عمق البحث وسعة الدراسة وتشعُّب الآراء. أما اللغات الحديثة فقد اختَزَلَت – في كثير منها – نحوَها واختصرته في أضيق الحدود الممكنة"([31]).

من جهةٍ أخرى، يرى أن المنطق الأرسطي قد صادف في القرون الوسطى المسيحية والإسلامية نجاحًا لم يصادفه أي جزءٍ آخر من فلسفة المعلم الأول، لافتًا الانتباه إلى أن "الأورجانون" تُرجم قبل أن يترجم "كتاب الطبيعة" أو "كتاب الحيوان". وللأورجانون في العالم العربي منزلةٌ خاصة، حيث كانت أجزاؤه الأولى أول ما ترجم من الكتب الفلسفية إلى اللغة العربية.

يذكّر إبراهيم مدكور قارئه بأهمية النحو العربي ووظيفته في فهم القرآن والشرع، لكنه يرى أن هناك جوانب ما زالت غامضةً، أخصها ما اتصل بنشأته والعوامل التي أثرت في تكوينه، وهذه العوامل كثيرةٌ ومتنوعة، داخليةٌ وخارجية، عربيةٌ وأجنبية. وهكذا يرى أن تأثير منطق أرسطو لم يقف عند الفقه والكلام والفلسفة، بل امتد إلى دراساتٍ أخرى من بينها النحو. يقول: "وقد أثّر فيه المنطق الأرسطي من جانبين: أحدهما موضوعي، والآخر منهجي. فتأثّر النحو العربي عن قربٍ أو عن بعدٍ بما ورد على لسان أرسطو في كتبه المنطقية من قواعد نحوية، وأريد بالقياس النحوي أن يحدَّد ويوضَّح على نحو ما حُدِّد القياس المنطقي"([32]). ويبرر ذلك بأن منطق أرسطو قد اشتمل على مبادئ نحوية، ويحيل هنا إلى كتاب "المقولات" لأرسطو حيث يعرض الألفاظ، وكتاب "العبارة" حيث يعرض للجمل ويفصّل القول فيها، دون اقتباس شيءٍ منهما.

وهكذا ينطلق إبراهيم مدكور لعقد مقارنةٍ بين منطق أرسطو ونحو سيبويه، نقتطف منها ما يلي:

أولًا: يقسّم أرسطو الكلمة إلى اسمٍ وفعل، معرِّفًا الأول بأنه ما دل على معنى وليس الزمن جزءًا منه، ومعرّفًا الثاني بأنه ما دل على معنى وعلى زمن، كما يشير أرسطو إلى قسمٍ ثالثٍ من أقسام الكلمة ويسميه الأداة. هذا من جهة.

من جهةٍ أخرى، "يقسّم سيبويه الكلم إلى اسم وفعل وحرف، ويعرّف الواحدة تعريفًا يحاكي من بعض الجوانب التعريف الأرسطي"([33]). وهنا يستغرب مدكور مما يسميه سيبويه حرفًا ويسميه الكوفيون الأداة([34]).

ثانيًا: عرض أرسطو بإسهابٍ لنظرية الإسناد في كتابَي المقولات والعبارة؛ ففي الأول يحاول أن يحصر أنواع المحمولات العامة الممكنة، وفي الثاني يوضح الصلة بين المحمول والموضوع ويعرّف الجملة التعريف النحوي الصحيح.

ومن جهة أخرى، يتحدث سيبويه عن المسند والمسند إليه، وفي مكان آخر يعقد الفصل الآتي "والمبتدأ والمبني عليه"، "وكأنه يريد أن يقول الموضوع والمحمول عليه... وواضحٌ أن الإسناد دعامةُ كل نحوٍ عربيًا كان أو غير عربي"([35]).

ويبرز إبراهيم مدكور مكانة عبد الله بن المقفع في الترجمة عن الفارسية وابنه محمد عن السريانية. وهنا يلتقي إبراهيم مدكور مع دي بور وغيره من المستشرقين الذين يؤكدون دور عبد الله بن المقفع في التأثير اليوناني. لكنه لا ينسى أن يذكّر القارئ بأنه لا يضر النحو العربي في شيء أن تتضافر عوامل شتى على تكوينه، أو أن يسهم منطق أرسطو في التوجيه إليه.

4- أطروحة فرستيغ:

في عام 1977 نال اللغوي والمستعرب الهولندي كيس فرستيغKees Versteegh (ولد عام 1947)([36]) شهادة الدكتوراه في موضوع "التأثير اليوناني على العربية". وقد استفاد فرستيغ من جهود السابقين في الموضوع فطوّر بذلك أطروحة التأثير اليوناني في النحو العربي، ويذهب إلى أن النحو العربي تأثّر ابتداءً بالنحو اليوناني، وليس بالمنطق اليوناني، كما ذهب إلى ذلك ميركس ودي بور، فكيف ذلك؟

يلفت فرستيغ انتباه قارئه إلى أمرٍ يعتبره ذا دلالةٍ وجديرًا بالاعتبار وهو أن الأدوات اليونانية بقيت متاحةً في الدول الإسلامية، وإلى غاية حكم عبد الملك بن مروان (685/66-705/87) كانت اليونانية هي لغة الإدارة والديوان في دمشق. وهذا يعني من دون شك أن هناك أناسًا درسوا اليونانية وقواعد نحوها التي تشكلت من خلال مؤلفين عدة، بدءًا من ديونيسيوس ثراكس Dionysios Thrax([37]) (توفي 90 ق.م). من هنا يؤكد أن "تراث النحو اليوناني المصدر الوحيد للمعرفة والدراسة النحويتين"([38]). وهذا ما أيده المستشرق البلجيكي إدوارد ليبنسكيEdward Lipinski (ولد عام 1930)، حين ذهب إلى الحكم بأن "الظهور المفاجئ لنظامٍ نحويٍ كاملٍ مع الخليل وسيبويه بالبصرة يمكن أن يفسر بالاتصالات المباشرة مع مدارس البلاغة والنحو اليونانية"([39]).

ولا ينكر فرستيغ تأثُّر النحو العربي بالمنطق اليوناني، لكن هذا التأثير، في نظره، جاء متأخرًا جدًا، حين صارت بغداد مركز الثقافة العربية. وهكذا، فإن تأثير المنطق الأرسطي لم يصر واضحًا إلا بعد القرن العاشر الميلادي، حين أدخل العرب المفاهيم والمناهج والأدلة المنطقية في كتاباتهم.

وينتقد كيس فرستيغ أطروحة ميركس التي اعتمد فيها على التشابهات الاصطلاحية:

1- مفهوم الإعراب.

2- تقسيم الكلمات إلى أجزاء الكلم الثلاثة.

3- تمييز الجنسين.

4- التمييز بين الأزمنة الثلاثة.

5- مفهوم الظرف.

6- مفهوم الحال.

ويعلق على هذه التشابهات الاصطلاحية منتقدا: "نعتقد أن هذه الحجج لا تدل على تأثير المنطق اليوناني، وإنما تدل على الاتصال بالنحو اليوناني"([40]).

وخلاصة القول: إن اهتمام المستشرقين بدراسة نشأة النظام النحويّ العربيّ وتطوره راجع إلى كونه يحتل مكانةً بارزةً بين النُظُم النحوية الكبرى الموجودة في العالم، وينقسم المهتمون إلى صنفين:

- صنف يقول بتأثر النحو العربي بعوامل خارجية، أبرزها التأثير اليوناني، ويعتبر المستشرق الألماني ميركس أول من زعم أن المنطق اليوناني أثَّر في النحو العربي، وهو الموقف نفسه الذي ردده بدون تحفُّظٍ كثيرٌ من المستشرقين بل وحتى بعض العرب.

- صنف يرى أن النحو العربي أصيل في نشأته، وعلى رأسهم المستشرق الإنكليزي كارتر Michael G. Carter  والمستشرق الفرنسي جيرار تروبو.

وخلاصة ما ذهب إليه المستشرقون بخصوص التأثير اليوناني في النحو العربي هي أن النُحاة العرب القدامى قد اقتبسوا من المنطق اليوناني تقسيم الكلام الثلاثي، ومصطلحاتٍ أربعة هي: الإِعراب والصرف والتصريف والحركة. فإلى أي حد يمكن التسليم بهذا التقسيم وباقتباس المصطلحات الأربعة؟

هذا ما حاول تروبو الإجابة عنه من خلال فحص تلك الآراء المتناقضة في نشأة النحو العربي؛ على ضوء كتاب سيبويه.



المبحث الثاني

"تروبو" ونقد التأثير اليوناني في النحو العربي

من خلال كتاب سيبويه

يروم هذا المبحث بحثَ موقف جيرار تروبو القائل بأصالة النحو العربي من خلال كتاب سيبويه وخلوِّه من أي تأثيرٍ يوناني، وذلك من خلال مناقشة أطروحة التأثير اليوناني كما قال بها أصحابها، وقد رأينا بعضًا منهم في المبحث الأول. ويناقش تروبو هذه الأطروحة في بحث "نشأة النحو العربي في ضوء كتاب سيبويه" من خلال التركيز أولًا على تقسيم الكلام، ثم الإعراب والصرف والتصريف والكلمة، كما يناقش التأثير اليوناني من الناحية التاريخية، ثم من الناحية المنهاجية.

1- تقسيم الكلام:

يؤكد تروبو بدايةً أنّ تقسيم الكلام أمرٌ مهمٌّ جدًا في كل نظامٍ نحوي، لأنه يشترط هذا النظام؛ وبالنسبة إلى بُنية كل لغة، مَيّز النحاة عددًا مختلفًا من الأقسام. من هنا فإن تروبو يضع مقارنةً بين تقسيم الكلام في اليونانية، كما عند أرسطو، وتقسيمه في العربية كما عند سيبويه،  ويسجل الملاحظات التالية:

أولًا: قد ميّز النحاة اليونان في لغتهم ثمانية أقسام، وهي، حسبما قال أرسطو في كتابه "فن الشعر": الحرف: stoikeion، المجموع: syllabe، الرباط: syndesmos، الفاصلة: arthron، الاسم: onoma، الكلمة: rhema، الوقعة: ptosis، القول: logos([41]).

أما النحاة العرب فإنهم، كما تعلمون، لم يميّزوا في لغتهم إلا ثلاثة أقسام؛ وهي، حسبما قال سيبيويه في الكتاب: الاسم والفعل والحرف. وقد مر معنا هذا التقسيم.

والمثير للاستغراب حقًا في نظر تروبو هو ادعاء  بعض المستشرقين أن النحاة العرب قد اقتبسوا هذا التقسيم عن المنطق اليوناني، رغم الفرق الكبير الذي يظهر بين عدد الأقسام في النظامين.

ثانيًا: ليس لقِسْم الحرف اليوناني قِسْمٌ يقابله في النظام العربي، لأنَّ سيبويه لم يجعل حروف الهجاء قسمًا مستقلًا في تقسيمه، كما فعل أرسطو. وكذلك ليس لقسم المجموع اليوناني قِسْمٌ يقابله في النظام العربي، لأن مفهوم المجموع المركّب من حرفٍ غير مصوَّتٍ وحرفٍ مصوَّت، مفهومٌ صوتيٌّ يختلف عن مفهوم الحرف الساكن والحرف المتحرك الذي نجده عند سيبويه.

أما قسم الرباط اليوناني فإنه لا يقابِلُ إلا جزءًا من قسم الحرف العربي؛ ونجد فرقًا بينهما، لأنّ الرباط عند أرسطو لفظٌ خالٍ من المعنى، بيد أن الحرف عند سيبويه لفظٌ له معنى. يقول أرسطو معرفًا الرباط: "صوتٌ بلا دلالة أو معنى، ولا يسبب ولايمنع من تأليف صوتٍ واحدٍ من جملة أصوات، ويكون له معنى. وهذه الأداة لايمكن أن تقوم صحيحةً بذاتها في بداية عبارةٍ أو جملة"([42]).

يشتمل قسم الفاصلة اليونانيّ على آلة التعريف والاسم الموصول، وهما عند أرسطو لفظان خاليان من المعنى؛ فليس لهذا القسم قسمٌ يقابله في النظام العربي، لأنّ سيبويه يَعْتَبر أن الاسم الموصول اسمٌ غير تامّ، يحتاج إلى صلة، فيدخله في قسم الاسم، كما أنه يَعْتَبر أن آلة التعريف لفظٌ له معنى، فيدخله في قسم الحرف.

أما قسم الاسم اليوناني فإنه يقابِل قسم الاسم العربي، غير أن تروبو يلاحظ أن هناك فَرقًا بين القسمين، لأن الاسم عند أرسطو لفظٌ له معنًى يدلّ على شيء، بيد أن الاسم عند سيبويه لفظٌ يقع على الشيء، فهو ذلك الشيء بعينه. وهذا يوضحه السجال الدائر بين الاسمية والواقعية؛ هل تمثل الكلمات والمفاهيم والعلامات الأخرى أو الصور الذهنية الحقيقة الخارجية؟ وهل هي انعكاسات وفيةٌ له؟ أم هي فقط مجرد كلمات/أسماء؟ وهل يمكن أن توجد المعرفة دون وجود الذات العارفة؟

بالنسبة للاسميين، المفاهيم العامة هي بناءٌ للذهن، أما في الخارج فوحده الخاص هو الذي يوجد. أما بالنسبة للواقعيين، فموضوعات الحقيقة يمكن أن تُدرك بطريقةٍ عامةٍ وبتجريدٍ تحديدًا. إن التصورات العقلية والمفاهيم العامة تدلّ على حقيقةٍ خارجيةٍ (ماهيةٍ مشتركةٍ للكائنات)، كما أن الفرضية الواقعية تقتضي القول بأن كلماتنا، وإن كانت ثمرة توافقٍ، فإنها ترجع إلى الحقيقة أو الواقع.

وكذلك، الكلمة عند أرسطو هي لفظٌ له معنى يدلّ على زمان، والفعل عند سيبويه مثالٌ أُخذ من لفظ حَدَثِ الاسم، فيه دليل على ما مضى وما لم يمضِ؛ يقول تروبو: "غير أننا نجد فرقًا بين القسمين، لأن الصيغة غير المبيَّنة aparemphatos مضمَّنةٌ في قسم الكلمة اليوناني، بيد أن المصدر مضمَّنٌ في قسم الاسم العربي، كما أن الصيغة المشتركة metochikon مضمَّنةٌ في قسمي الاسم والكلمة معًا في النظام اليوناني؛ بيد أن اسم الفاعل مضمَّنٌ في قسم الاسم فقط في النظام العربي"([43]).

وأخيرًا، فليس لقسم الوقعة اليوناني قسمٌ يقابله في النظام العربي، لأن مفهوم الوقعة التي تحدث في آخر الاسم أو في آخر الفعل مفهومٌ غير موجودٍ عند سيبويه؛ وكذلك قسم القول، الذي هو عند أرسطو مركَّبٌ من ألفاظٍ لها معنى، ليس له قسمٌ يقابله في النظام العربي، لأنّ سيبويه لم يجعل من القول قسمًا مستقلًا في تقسيمه.

وهكذا يخلص تروبو إلى أنه "من الناحية اللسانية، يظهر لنا أنه من المستحيل أن يكون التقسيم العربيُّ منقولًا من التقسيم اليوناني، لأن عدد الأقسام ومضمونها يختلف في النظامين اختلافًا تامًا"([44]).

2- الإعراب والصرف والتصريف والحركة:

أولًا: الإعراب:

يزعم أتْباع التأثير اليوناني أن كلمة الإِعراب نُقلت من الكلمة اليونانية hellenismos. وتعني هذه الكلمة في أصل اللغة اليونانية اسم فِعلٍ يوناني تعريبه([45]): هَلَّنَ شيئًا تهلينًا، أي صيَّره هِلّينيًّا. وأصل الكلام كما عند أرسطو هو "الوجه الهلّيني في التكلُّم"، أي الوجه الصحيح الذي يحصل عليه بمراعاة خمسة أشياء:

1-  باستعمال الروابط، أي حروف العطف.

2- باستعمال الكلمات الخاصة.

3- بعدم استعمال الكلمات الملتَبِسة.

4- بتمييز الأجناس في الأسماء.

5- بتمييز الأعداد فيها.

وهكذا، فإن الكلمة hellenismos كلمةٌ عامةٌ تختصّ بالكلام برمّته؛ وبالتالي فإنها اصطلاحٌ خطابيٌ وليست باصطلاحٍ نحوي.

أما معاني الإِعراب في أصل اللغة العربية فهي ثلاثة: أولًا الإبانة والإفصاح عن الخواطر، ثانيًا إزالة الفساد في الكلام، ثالثًا تغير آخر الكلمة([46]).

قال ابن جني في كتاب "الخصائص": "وكأنّ الإعراب من قولهم: عربت معدته أي فسدت، كأنها استحالت من حال إلى حال، كاستحالة الإعراب من صورة إلى صورة"([47]). وقال ابن الأنباري في كتاب "أسرار العربية": "إن الإعراب سُمّي إعرابًا لأنه تَغَيُّرٌ يَلحق أواخر الكلم، من قولهم: عربت معدة الفصيل إذا تغيرت"([48]).

والواقع أن سيبويه يستعمل كلمة الإعراب لِيَدلّ على ما يسميه "مجاري أواخر الكلم"؛ يعني التغيُّرات التي تَحدُث في آخر الاسم المتمكن، والفعل المضارع لاسم الفاعل. والإعراب عند سيبويه نقيضُ البناء الذي يدلّ على عدم التغيُّر في آخر الكلمة. يقول:

"هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربية، وهي تجري على ثمانية مجارٍ‏:‏ على النصب والجرّ والرفع والجزم والفتح والضمّ والكسر والوقف‏.‏

وهذه المجاري الثمانية يجمعهنّ في اللفظ أربعة أضرب‏:‏ فالنصب والفتح في اللفظ ضربٌ واحدٌ والجرّ والكسر فيه ضربٌ واحدٌ وكذلك الرفع والضمّ والجزم والوقف‏.‏

وإنما ذكرتُ لك ثمانية مجارٍ لأفرّق بين ما يدخله ضربٌ من هذه الأربعة لما يحدث فيه العامل - وليس شيء منها إلا وهو يزول عنه - وبين ما يبنى عليه الحرف بناءً لا يزول عنه لغير شيءٍ أحدث ذلك فيه من العوامل التي لكلٍّ منها ضربٌ من اللفظ في الحرف وذلك الحرف حرف الإعراب‏.‏

فالرفع والجر والنصب والجزم لحروف الإعراب‏"([49]).‏

وهكذا، فإن الإعراب كلمة تختصّ ببعض الكلمات فقط في الكلام؛ إنها اصطلاحٌ نحويٌ وليست باصطلاحٍ خطابي.

ثانيًا: الصرف والتصريف:

يذهب أنصار التأثير اليوناني إلى أن كلمة الصرف نُقِلت من الكلمة اليونانية klisis، وأن كلمة التصريف نُقِلت من الكلمة اليونانية ptosis. وهنا يتساءل تروبو: ما هو السبب الذي دفعهم إلى هذا الادعاء؟

يجيب أن السبب هو أن النحاة اليونان كانوا يعتبرون أن الاسم، بالنسبة إلى حالته الأصلية التي هي حالة التسمية onomasticos، له ميل klisis إلى حالاتٍ أخرى، كما أن الفعل بالنسبة إلى حالته الأصلية التي هي حالة الحاضر enestos، له ميلٌ إلى حالات أخرى؛ وكان النحاة اليونان يسمّون كل واحدة من هذه الحالات المتغيرة وقعةً: ptosis.

قال أرسطو في كتابه في الشعر: "أما الوقعة فهي للاسم أو الفعل، وتدل على معنى حرف "ل" أو حرف "إلى" وما أشبه ذلك، أو على الإفراد أو الجمع أو نوع كلام القائل، مثل الاستفهام أو الأمر"([50]).

أما معنى كلمة الصرف في كتاب سيبويه، فإن هذه الكلمة تدلّ على إلحاق حرف النون للاسم، وللاسم فقط، لأن هذا الحرف علامة التمكّن، يعني استقرار الكلمة في قسم الاسم.

وأما معنى كلمة التصريف فَيَسْتَعِمل سيبويه هذه الكلمة للدلالة على التغيُّرات التي تَحدُث في داخل الكلمة، فإنه لا يستعملها أبدًا للدلالة على التغيُّرات التي تَحدُث في آخر الكلمة.

وهكذا يلاحظ تروبو أن مفهوم الميل ومفهوم الوقعة غير موجودَين في النظام العربي، كما أن مفهوم التمكّن ليس بموجود في النظام اليوناني.

ثالثًا: الحركة:                                           

يزعم أَتباعُ التأثير اليوناني أن كلمة الحركة تُرجِمَت من الكلمة اليونانية: Kinesis، وذلك لأن بعض النحاة اليونان حَدّدوا الوقعة بأنها حركة تَحْدُث في آخر الاسم، فيستنتجون من هذا التحديد أن الحركة عند النحاة العرب كانت تَدلّ في الأصل على المصوَّت الأساسي، يعني ذلك المصوَّت الذي يشير إلى الوقعة في آخر الاسم، ومن ثم استُعِمْلَت هذه الكلمة بصفةٍ عامة للإشارة إلى المصوَّت.

يلاحظ تروبو أولًا أن مفهوم التحريك في النظام الصوتي العربي لا يتفق أبدًا ومفهوم التصويت في النظام الصوتي اليوناني؛ فإن أرسطو يقسّم الحروف إلى مصوَّتة ونصف مصوَّتة وغير مصوَّتة، بيد أن سيبويه يقسم الحروف إلى متحركة وساكنة.

ثم يلاحظ أن كلمة الحركة عند سيبويه تدلّ على حركات الشفة، من الضم والفتح والكسر، أو على حركات اللسان، من الرفع والنصب والجر أو الخفض، عند إخراج الصوت؛ أَتَحْدُث هذه الحركة في صدر الكلمة أم في وسطها أم في آخرها، فإن الحركة في نظام سيبويه كلمةٌ عامة، لا تدلّ على آخر الاسم المعرب، لأنها تُسْتَعْمَل أيضًا لتدلّ على آخر الاسم المبني غير المعرب، ويمكن أن تكون كلمةٌ معربةٌ مجرّدةً من الحركة، كالفعل المضارع المجزوم مثلًا.

وهكذا، "يبدو لنا أنه من المستحيل أن تكون هذه المصطلحات الأربعة منقولةً من اليونانية إلى العربية، لأن المفاهيم التي تدلّ عليها تتباعد في النظامَين كل التباعد"([51]).

3- التأثير اليوناني في النحو العربي من الناحية التاريخية:

إذا ثبتت استحالة اقتباس تقسيم الكلمات والمصطلحات الأربعة السابقة من المنطق والنحو اليونانيَّيْن، فإنه يبقى أمام تروبو النظر إلى الموضوع والحكم عليه من الناحية التاريخية. فهل كان من  الممكن أن يَعرف النحاةُ العرب القدامى النحوَ اليوناني والمنطق اليوناني فيتأثروا بهما؟

أولًا: النحو اليوناني:

يوضح تروبو أن النحاة القدامى لم يستطيعوا أن يعرفوا النحو اليوناني بطريقة مباشرة، إذ إنهم كانوا يجهلون اللغة اليونانية، ولم يكن لديهم كتاب في النحو اليوناني مترجَمٌ إلى اللغة العربية، وبالتالي لم يستطيعوا أن يعرفوا النحو اليوناني إلا بواسطة النحو السرياني، لذا اضطر تروبو إلى البحث عن العلاقات الموجودة بين النحو السرياني والنحو اليوناني من جهة، والنحو العربي من جهة أخرى([52]). وهذه أهم خلاصات ما توصل إليه:

- كان النظام النحويّ السريانيّ مرتكزًا على الأقاويل الخمسة التي مَيَّزها منطق أرسطو في الكلام...

- كان النحاة السريان أنفسهم يَعتبرون أن النحو العربي يختلف عن النحو اليوناني من جهة، وعن النحو السرياني من جهة أخرى، اختلافًا تامًا...

والمقصود بالسريانية هي إحدى اللغات المعروفة باللغات السامية، كالأشورية والفينيقية والعربية والعبرانية. وكان أهلها شعبًا كبيرًا منتشرًا في البلاد التي تسمى في التوراة آرام... وقد تغلّبت اللغة السريانية على سائر اللغات السامية من القرن السادس قبل الميلاد إلى القرن الثامن بعده. ثم أخذت اللغة العربية تتغلب عليها ([53]). وأشهر النحاة السريان في القرن السابع نجد الأسقف يعقوب الرهاوي، الذي صَنَّف الكتاب الأول في النحو السرياني، وفي القرن التاسع نجد المترجِم المعروف حنين بن إسحاق، الذي ألَّف كتابًا في النحو سماه "كتاب النُقَط"، وفي القرن الحادي عشر: إيليا بن شينايا، مطران نصيبين، الذي صَنَّف كتابًا صغيرًا في النحو.

وبالتالي فإن النحو اليوناني لم يستطع أن يؤثر على النحو العربي بواسطة النحو السرياني؛ وبعكس ذلك، في القرن الحادي عشر، نرى إيليا مطران طيرهان يصنِّف كتابًا في النحو السرياني يُدخِل فيه النظام العربي؛ فالنحو العربي هو الذي أثر في النحو السرياني.

ثانيًا: المنطق اليوناني:

لم يستطع النحاة القدامى أن يعرفوا المنطق اليوناني في القرن الثاني للهجرة، أي الثامن الميلادي، كما سبقت الإشارة. والكتاب في العبارة والكتاب في المقولات لأرسطو لم يُتَرجَما إلا في القرن الثالث للهجرة، التاسع الميلادي، على يد حنين بن إسحاق؛ كما نعلم أن الكتاب في الشعر لم يُتَرجَم إلا في القرن الرابع للهجرة، العاشر للميلاد، على يد مَتّى بن يونس (328 ه)، وهذا ما ذكره غير واحدٍ من المستشرقين السابق ذكرهم.

وهنا يلا حظ تروبو أن المترجِمَ السرياني لم يَسْتَعْمِل مصطلحات النحو العربي ليترجِمَ مصطلحات النحو اليوناني، ولكنه اخترع مصطلحاتٍ عربيةً جديدة، ويأتي بأمثلة لهذه الترجمة: "ترجم اللفظة stoikeion بأسطقس، ولم يترجمها بحرف، وترجم اللفظة syndesmos برباط، ولم يترجمها بحرف، وترجم اللفظة rhema بكلمة، ولم يترجمها بفعل، وترجم اللفظة klisis بميل، ولم يترجمها بإِعراب، وترجم اللفظة phone بمصوَّت، ولم يترجمها بحركة"([54]).

وفي القرن الرابع للهجرة، العاشر للميلاد، يلاحظ تروبو أن الفلاسفة العرب اخترعوا مصطلحات جديدة، ليُفَسِّروا كتب المنطق اليوناني في اللغة العربية. ويستشهد هنا بالفيلسوف أبي نصر الفارابي (338 هـ)، الذي يقول في كتاب "الألفاظ المستعملة في المنطق"، حول حروف المعاني: "إن هذه الحروف هي أصنافٌ كثيرة، غير أن العادة لم تَجْرِ في أصحاب علم النحو العربي إلى زماننا هذا بأن يُفْرَد لكل صنفٍ منها اسمٌ يَخُصُّه؛ فينبغي أن نستعمل في تعديد أصنافها الأسامي التي تأدت إلينا عن أهل العلم بالنحو من أهل اللسان اليوناني، فإنهم أفردوا كلّ صنفٍ منها باسم خاص"([55]). وهكذا فقد اخترع الفارابي خمسة مصطلحات ليدلّ على هذه الأصناف من حروف المعاني، وهي: الخوالف، والواصلات، والواسطات، والحواشي، والروابط.

وتأكيدا لحجته يورد تروبو المناظرة المشهورة التي جرت بين متّى بن يونس المنطقي وأبي سعيد السيرافي النحوي؛ فمنما يبيِّن أن متّى كان يعتبر أن المنطق ليست له صلة بالنحو؛ الحوار  التالي بين العالمين:

"أبو سعيد السيرافي: حدثني عن المنطق ماذا تعني به؟ فإنا إذا فهمنا مرادك، كان كلامنا معك في قبول صوابه ورد خطئه، على سننٍ مرضيٍ وطريقةٍ معروفة.

أبو بشر متى بن يونس: أعني به أنه آلة من آلات الكلام ، يُعرف بها صحيح الكلام من سقيمه، وفاسد المعنى من صالحه ، كالميزان، فإني أعرف به الرجحان من النقصان، والشائل من الجانح.

السيرافي: أخطأت، لأن صحيح الكلام من سقيمه يُعرف بالنظم المألوف، والإعراب المعروف، إذا كنا نتكلم بالعربية، وفاسد المعنى من صالحه يُعرف بالعقل... إذا كان المنطق وضَعَه رجلٌ من يونان على لغة أهلها، واصطلاحِهم عليها، وما يتعارفون به من رسومها وصفاتها، فمن أين يلزم التُرك والهند والفرس والعرب أن ينظروا فيه!! ويتخذوه قاضيًا وحكمًا لهم وعليهم، ما شهد به قبلوه، وما أنكره رفضوه؟

متى: إنما لزم ذلك لأن المنطق يبحث عن الأغراض المعقولة، والمعاني المدركة، وتصفُّحٌ للخواطر السانحة والسوانح الهاجسة، والناس في المعقولات سواء، ألا ترى أن أربعةً هي نصف ثمانيةٍ عند جميع الأمم؟ وكذلك ما أشبهه؟

السيرافي: لو كانت المطلوبات بالعقل والمذكورات باللفظ ترجع في شُعَبها المختلفة وطرائقها المتباينة إلى هذه المرتبة البيّنة في أربعة وأربعة وأنها ثمانية، زال الاختلاف وحضر الاتفاق، لكن ليس الأمر هكذا، ولقد موهت بهذا المثال، ولكُم عادةٌ بمثل هذا التمويه، ولكن مع هذا أيضًا كانت الأغراض المعقولة والمعاني المدركة لا يوصل لها إلا باللغة الجامعة للأسماء والأفعال والحروف، أفليس قد لزمت الحاجة إلى معرفة اللغة؟

متى: نعم!!

السيرافي: أخطأت!! قُل في هذا الموضع بلى!

متى:  بلى، أنا أقلدك في مثل هذا.

السيرافي: أنت إذن لست تدعونا إلى علم المنطق، إنما تدعونا إلى تعلم اللغة اليونانية، وأنت لا تعرف لغة يونان، فكيف صرت تدعونا إلى لغةٍ لا تفي بها، وقد عَفَت منذ زمنٍ طويل، وباد أهلها، وانقرض القوم الذين كانوا يتفاوضون بها، ويتفاهمون أغراضهم بتصاريفها، فكأنك تقول: لا حجة إلا عقول يونان، ولا برهان إلا ما وضعوه، ولا حقيقة إلا ما أبرزوه.

متى: لا، ولكنهم من بين الأمم أصحابُ عنايةٍ بالحكمة والبحث عن ظاهر هذا العالم وباطنه، وعن كل ما يتصل به وما ينفصل عنه، وبفضل عنايتهم ظهر ما ظهر، وانتشر ما انتشر، وفشا ما فشا ، ونشأ ما نشأ، من أنواع العلم وأصناف الصنائع، ولم نجد هذا عند غيرهم.

السيرافي: أخطأت وتعصبت وملت مع الهوى، فإن علم العالم مبثوث في العالم، بين جميع من في العالم، ولهذا قال القائل: العلم في العالم مبثوث، ونحوه العاقل محثوث....

أسألك عن حرفٍ واحدٍ وهو دائرٌ في كلام العرب، ومعانيه متميزةٌ عند أهل العقل، فاستخرج أنت معانيه من ناحية منطق أرسطاطاليس الذي تـدِّلُ به وتباهي بتفخيمه، وهو "الواو"، ما أحكامه؟ وكيف مواقعه؟ وهل هو على وجه أو على وجوه؟

متى: هذا نحوٌ، والنحو لم أنظر فيه، لأنه لا حاجة بالمنطقي إليه، وبالنحوي حاجةٌ شديدة للمنطق، لأن المنطق يبحث عن المعنى، والنحو يبحث عن اللفظ، فإن مرَّ المنطقي باللفظ فبالعرض، وإن عثر النحوي على المعنى فبالعرض، والمعنى أشرف من اللفظ، واللفظ أوضح من المعنى.

السيرافي: أخطأت، لأن الكلام والنطق واللفظ والإفصاح والإعراب والإبانة والحديث والإخبار والاستخبار والعرض والتمني والنهي والحض والدعاء والنداء والطلب كلها من وادٍ واحدٍ بالمشاكلة والمماثلة، ألا ترى أن رجلًا لو قال: "نطق زيد بالحق ولكن ما تكلم بالحق، وتكلم بالفحش ولكن ما قال الفحش، وأعرب عن نفسه ولكن ما أفصح، وأبان المراد ولكن ما أوضح، أو فاه بحاجته ولكن ما لفظ، أو أخبر ولكن ما أنبأ"، لكان في جميع هذا محرّفًا ومناقضًا، وواضعًا الكلام في غير حقه، ومستعملًا اللفظ على غير شهادة عقله وعقل غيره، والنحو منطقٌ ولكنه مسلوخ من العربية، والمنطق نحوٌ ولكنه مفهومٌ باللغة. وإنما الخلاف بين اللفظ والمعنى، إن اللفظ طبيعيٌ، والمعنى عقلي، ولهذا كان اللفظ بائنا على الزمان، لأن الزمان يقفو أثر الطبيعة بأثرٍ آخر من الطبيعة، ولهذا كان المعنى ثابتًا على الزمان، لأن مستملي المعنى العقل، والعقل إلهي، ومادة اللفظ طينية، وكل طيني متهافت، وقد بقيت أنت بلا اسم لصناعتك التي تنتحلها، وآلتك التي تزهى بها، إلا أن تستعير من العربية لها معنًى فتعار، ويسلم لك ذلك بمقدار، من كثيرها من أجل تحقيق الترجمة، واجتلاب الثقة والتوقي من الخلة اللاحقة.

متى: يكفيني من لغتكم هذه الاسم والفعل والحرف ، فإني أتبلغ بهذا القدر إلى أغراض قد هذبَتها يونان. 

 السيرافي: أخطأت، لأنك في هذا الاسم والفعل والحرف فقير إلى وصفها وبنائها، على الترتيب الواقع في غرائز أهلها... أنت إلى تعرُّف اللغة العربية أحوج منك إلى تعرُّف معاني اليونانية، على أن المعاني لا تكون يونانيةً ولا هندية، كما أن اللغات تكون فارسيةً وعربيةً وتركية، ومع هذا تزعم أن المعاني حاصلةٌ بالعقل والفحص والفكر، فلم يبق إلا أحكام اللغة ، فلمَ تزري على العربية وأنت تشرح كتب أرسطو بها؟ مع جهلك بحقيقتها.."([56]).

تفيد هذه المناظرة أن المنطقيين السريان والفلاسفة العرب كانوا يعون أن النحو العربي لا يتعلق بالمنطق البتّة.

وهكذا، يظهر من الناحية التاريخية أنه من المستحيل أن يكون النحاة العرب القدامى قد عرفوا النحو اليوناني والمنطق اليوناني فتأثروا بهما في نظامهم.

4- التأثير اليوناني في النحو العربي من الناحية المنهاجية:

يلاحظ جيرار تروبو أن لغة كتاب سيبويه غنيّة جدًّا، وذلك لأنه يستعمل عددًا وافرًا من المفردات ليعرض نظامه النحوي. وما دام العدد غير معروفٍ على وجه التحديد، فإنه عزم أن يحصي جميع المفردات التي استعملها سيبويه في لغته الشخصية دون لغة الشواهد القرآنية والشعرية، فوجد أن عددها يبلغ: ألفًا وثمانمئة وعشرين. فما هي دلالات هذا الإحصاء؟

يميز تروبو في الكتاب خمسة أنواع من المفردات:

أولًا: المفردات التي تتعلَّق بالمفاهيم النحوية العامة: أقسام الكلام وأنواع الألفاظ وأحوالها.

ثانيًا: المفردات التي تختص بتركيب الجُمَل، أي بمواضع الألفاظ في الكلام ومجراها من ناحية العمل.

ثالثًا: المفردات التي تتعلق بالتصريف، يعني بتغيير الألفاظ في اللغة وصياغتها بالاشتقاق.

رابعًا: المفردات التي تختص بالصوتية، أي بإخراج الأصوات ومجراها في بنية الألفاظ.

خامسًا: المفردات التي تتعلق بالمنهاج، أي بالمفاهيم التي يستعملها سيبويه ليفسّر الوقائع النحوية والوسائل التي يستعملها ليوضحها.

أما توزيع تلك المفردات العددي، فإنّ المفردات التي تتعلّق بالمنهاج هي الأكثر، وعددها ستمئة وخمسون، ثم تتبعها المفردات التي تختص بالمفاهيم العامة، وعددها ثلاثمئة وتسعون، ثم المفردات المتعلقة بالتصريف والتي تساوي المفردات المتعلقة بالصوتية، وعددها ثلاثمئة وعشرون، وأخيرًا المفردات التي تختص بالتركيب، وعددها مئتان وخمسون.

ثم يقول تروبو معلِّقًا: "فمن البَيِّن أنَّ عددًا وافرًا من المصطلحات النحوية كان تحت تصرف النحاة العرب القدامى؛ فمن المستحيل أن يكونوا قد احتاجوا إلى اقتباس بضعةٍ من المصطلحات الأجنبية، يونانيةً كانت أم سريانيةً، فما تعني تلك العَشَرة من المصطلحات التي يزعم المستشرقون أن النحاة العرب قد اقتبسوها من اللغة اليونانية؟ ما تعني تلك العَشَرة بالنسبة إلى المئات من المصطلحات التي كانت متناوَلَةً في لغتهم؟"([57]).

ثم يردف مجيبًا: "أظنُّ أن المستشرقين قد أخطأوا عندما اعتمدوا على بضعة من مصطلحاتٍ يونانيةٍ ليبرهنوا على مضارعة النظام العربي النظامَ اليوناني، لأنَّ كلّ واحدٍ من المصطلحات جزءٌ من نظامٍ معقّدٍ ليس له معنى، خارجًا عن هذا النظام"([58]).

ويلفت تروبو انتباهنا إلى أن سيبويه لم يُحدِّد المصطلحات التي يستعملها؛ وهذا يدلّ على أنه لم يُنتج مصطلحاتٍ جديدة، وأنه يستعمل تلك التي استعملها قَبْلَه النُحاة القُدامى الذين يذكرهم في الكتاب؛ كما يدلّ ذلك على أن معاصريه كانوا يفهمون تلك المصطلحات بدون صعوبةٍ وبدون تفسير. فماذا يعني هذا الكلام عند تروبو؟

ويمكن أن يرجع ذلك في نظر تروبو إلى أن سيبويه استعمل المصطلحات المشتركة بين العلوم الإسلامية الأصليّة التي هي: القراءات، والحديث، والفقه، والنحو، وقد تكَّونت تلك المصطلحاتُ في وقتٍ واحدٍ في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، الثامن للميلاد، في مِصْرَي العراق المسلِمَين، البَصرة والكوفة، فكان القُرّاء والمحدِّثون والفقهاء والنحاة يستعملون نفس المنهاج ونفس المفاهيم ونفس المصطلحات، لأنهم كانوا يقصدون إلى نفس الهدف الذي هو سلامة لغة التنزيل الإلهي والحديث النبوي.

هكذا يؤكد تروبو أصالة النحو العربي، ومن ثم أصالة كتاب سيبويه، وذلك لارتباطه الوثيق بالتراث الإسلامي؛ فالنحو في نظره، منذ بدايته، كان مرتبطًا بالحديث والفقه، إذ إن كتب أخبار النحويين تروي لنا عن نصر بن عاصم الليثي (89 ه)، وهو أول من وضع العربية بعد أبي الأسود، أنه كان فقيهًا عالمًا بالعربية والحديث، كما أنها تروي لنا عن يحيى بن يعمر (129هـ)؛ وهو أول من نَقَّط المصاحف، أنه كان أيضًا فقيهًا عالمًا بالعربية والحديث.

ويبرر هذا بكون العلماء، في غالب الأحيان، يتلقَّون جميع العلوم الإسلامية قبل أن يتخصَّصوا في واحدٍ منها. فنعلم مثلًا أن النحوي المشهور الخليل بن أحمد، وهو واحد من أساتذة سيبويه، قبل أن ينصرف إلى النحو، تَعَلَّم الحديث والفقه عن أيوب السختياني، الذي كان فقيهًا من فقهاء البصرة ومحدّثًا من محدّثيها. وهذا ما حاول تمهيد هذا البحث إثباته.

خاتمة

اهتم المستشرقون بدراسة اللغة العربية، لغة القرآن، وقد شرُفت بشرفه. وقد تنوعت دراسات المستشرقين حول اللغة العربية عمومًا، كما تنوّعت خاصةً حول أصالة النحو العربي. وقد تبين من خلال هذا البحث أنهم انقسموا قسمين:

- قسمٌ ذهب إلى الحكم بأن النحو العربي غير أصيل وأن سيبويه استقى مادته من اليونانيين، من منطقهم ونحوهم. وهنا نجد رائدهم ميركس الذي تعرّض للنحو العربي من خلال كتاب سيبويه في بحث ألقاه بمعهد مصر عام 1891 بعنوان:  "أصل النحو العربي". وقد بنى أطروحته على دعامتين:

الأولى: أن المؤلفين العرب الذين انشغلوا بتاريخ الدراسات الفيلولوجية وجدوا أنفسهم يومًا ما أمام مسألة توضيح أصل الفيلولوجيا العربية، وعليهم أن يتساءلوا عن أي حقبةٍ بدأ العرب بإنشاء نظام نحوهم: من هم أساتذتهم؟ ومن كان كُتّابهم الأوائل الذين وضعوا الأسس التي عليها بنت الأجيال اللاحقة النحو؟

الثانية: كل نحوٍ يتأسس على الفلسفة والمنطق؛ ذلك أن معرفة أجزاء اللغة، وأبنية الكلام واشتقاقاته، والأعضاء المكونة للجملة البسيطة، إنما كانت نتيجة تحليلٍ فلسفي.

من هنا، فإن النحو، تأسس في زعمه على المنطق، وبالتالي فالنحو العربي لم يكن له إلا منطق أرسطو مصدرَ إلهامٍ وأنموذجًا. وللحصول على معرفةٍ مؤكدةٍ لأصول النحو يجب دراسة الأعمال النحوية التي تنتمي إلى النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، وقبل كل شيء، كتاب سيبويه. وهذا ما قام به ميركس.

كما نجد دي بور الذي أكد دون تفصيل ودون أمثلة أن منطق أرسطو أثّر في علوم اللسان العربي، مشيرًا إلى أن السريان والفرس كانوا قبل العصر الإسلامي قد درسوا كتاب "العبارة" لأرسطو، مع إضافاتٍ ترجع إلى الرواقيين وإلى المذهب الأفلاطوني الجديد. ويؤكد هنا دور ابن المقفع في هذا التأثير.

ونجد، كذلك إبراهيم مدكور، وهو أبرز العرب المرددين لأطروحة تأثير المنطق اليوناني في النحو العربي، حيث يؤكد أن هناك عوامل كثيرةً ومتنوعة، داخليةً وخارجية، عربيةً وأجنبية، أثّرت في النحو العربي. وهكذا يرى أن تأثير منطق أرسطو لم يقف عند الفقه والكلام والفلسفة، بل امتد إلى دراساتٍ أخرى من بينها النحو. ثم يعقد مقارنةً بين منطقِ أرسطو ونحوِ سيبويه، لم تذهب بعيدًا عما ذهب إليه ميركس.

ويبرز إبراهيم مدكور قيمة عبد الله بن المقفع في الترجمة عن الفارسية وابنه محمد عن السريانية. لكنه لا ينسى أن يذكّر القارئ بأنه لا يضر النحوَ العربيَ في شيء أن تتضافر عوامل شتى على تكوينه، أو أن يسهم منطق أرسطو في التوجيه إليه.

كما نجد فرستيغ الذي استفاد من جهود السابقين في الموضوع فطوّر بذلك أطروحة التأثير اليوناني في النحو العربي، ويذهب إلى أن النحو العربي تأثر ابتداءً بالنحو اليوناني، وليس بالمنطق اليوناني، كما ذهب إلى ذلك ميركس ودي بور، فكيف ذلك؟ ويلفت فرستيغ انتباه قارئه إلى أمر يعتبره ذا دلالةٍ وجديرًا بالاعتبار، وهو أن الأدوات اليونانية بقيت متاحةً في الدول الإسلامية، من هنا فتراث النحو اليوناني هو المصدرُ الوحيد للمعرفة والدراسة النحويتين. 

ولا ينكر فرستيغ تأثر النحو العربي بالمنطق اليوناني، لكن هذا التأثير، في نظره، جاء متأخرًا جدًا، حين صارت بغداد مركز الثقافة العربية. وهكذا، فإن تأثير المنطق الأرسطي لم يصر واضحًا إلا بعد القرن العاشر الميلادي حين أدخل العرب المفاهيم والمناهج والأدلة المنطقية في كتاباتهم.

- في مقابل هؤلاء، نجد جيرار تروبو الذي ناقش أطروحة التأثير اليوناني، مثبتًا أصالة ما ذهب إليه سيبويه وأصالة النحو العربي، وذلك من خلال تقسيم الكلام، ليثبت لنا أنه من الناحية اللسانية يظهر أنه من المستحيل أن يكون التقسيم العربيُّ منقولًا من التقسيم اليوناني، لأن عدد الأقسام ومضمونها يختلف في النظامَين اختلافًا تامًا. وكذلك من خلال الإعراب والصرف والتصريف والحركة، ليخلص بنا إلى أنه من المستحيل أن تكون هذه المصطلحات الأربعة منقولةً من اليونانية إلى العربية، لأن المفاهيم التي تدلّ عليها تتباعد في النظامَين كل التباعد.

أما بحث التأثير اليوناني في النحو العربي من الناحية التاريخية، فإنه يخلص إلى أن النحو اليوناني لم يستطع أن يؤثر على النحو العربي بواسطة النحو السرياني؛ وبعكس ذلك، في القرن الحادي عشر، نرى إيليا مطران طيرهان يصنِّف كتابًا في النحو السرياني يُدخِل فيه النظام العربي؛ فالنحو العربي هو الذي أثّر في النحو السرياني.

وقد استدل تروبو بمناظرة أبي سعيد السيرافي ويونس بن متى التي تبين أن المنطقيين السريان والفلاسفة العرب كانوا يشعرون بأن النحو العربي لا يتعلق بالمنطق البتّة. ليخلص بنا إلى أنه من المستحيل من الناحية التاريخية أن يكون النحاة العرب القدامى قد عرفوا النحو اليوناني والمنطق اليوناني فتأثّروا بهما في نظامهم.

أما بحث التأثير اليوناني في النحو العربي من الناحية المنهاجية، فإن تروبو يتوصل إلى أن لغة كتاب سيبويه غنيّةٌ جدًّا، لأنه يستعمل عددًا وافرًا من المفردات ليعرض نظامه النحوي. ثم يخلص إلى أنَّ عددًا وافرًا من المصطلحات النحوية كانت تحت تصرف النحاة العرب القدامى؛ وبالتالي من المستحيل أن يكونوا قد احتاجوا إلى اقتباس بضعةٍ من المصطلحات الأجنبية، يونانيةً كانت أم سريانية.

من هنا تتبين أصالة كتاب سيبويه، ومن خلاله أصالة النحو العربي. إن الدراسة المتأنية كما قام بها تروبو، على صغر حجمها، تؤكّد أنه من المستحيل أن يكون قد وقع تأثيرٌ يونانيٌ على النحو العربي، سواء من خلال منطق أرسطو أو النحو اليوناني، وذلك من ناحية تقسيم الكلام، ومن ناحية الإعراب والصرف والتصريف، ومن الناحية التاريخية، ومن الناحية ومن الناحية المنهاجية. والله أعلم.



*  هوامش البحث  *

([1]) - تمام حسان، الأصول.. دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغزي عند العرب (النحو- فقه اللغة- البلاغة) (عالم الكتب، القاهرة، 2000)، ص 23.

([2]) – نفسه، ص 25.

([3]) – نفسه، ص 27.

([4]) – يُنظّر: محمود محمد شاكر، مقدمة في نشأة اللغة والنحو والطبقات الأولى من النحاة، ضمن شرح الأشموني على ألفية إمام النحاة أبي عبد الله محمد جمال الدين بن عبد الله بن مالك، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (المطبعة المصرية، ط 1، 1352ه-1933م)، 1/5، ومنه أخذت معظم مادة هذا التمهيد. ويُنظر أيضا: محمد المختار ولد أباه، تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب (دار الكتاب العلمية، بيروت، ط 23، 1429ه-2008)، ص 43 وما بعدها.

([5]) - محمود محمد شاكر، مقدمة في نشأة اللغة والنحو والطبقات الأولى من النحاة، 1/18.

([6]) - نفسه.

([7]) – نفسه، 1/19.

([8]) – نفسه، ص 27-28.

([9]) – نفسه، ص 29.

([10]) - نفسه.

([11]) – نفسه، ص 30.

([12]) - محمد الطنطاوي، نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة (دار المعارف، ط 2، د.ت)، ص 48.

([13]) - عبد المنعم السيد أحمد جدامي، المستشرقون والتراث النحوي العربي (كنوز المعرفة، عمان، ط 1، 2016)، ص 26.

([14]) - Adalbert Merx, L’Origine de la Grammaire Arabe, in Bulletin de l’Institut Arabe, Troisième Série n2 Année 1891 (Imprimerie nationale, Le Caire 1892).

([15]) - Ibid., p. 14.

([16]) - Ibid., p.16.

([17]) - لم أجد في مقدمة ابن خلدون ما يفيد هذا المعنى.

([18]) - ابن خلدون، المقدمة (دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1993)، ص 466-467.

([19])  حاجي خليفة، كشف الظنون (مكتبة المثنى، بغداد، 1941)، 1/40.

([20]) - جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، شرح محمد أحمد جاد المولى بك وآخرين (منشور المكتبة العصرية، بيروت، د.ت)، 1/11.

([21]) - Adalbert Merx, L’Origine de la Grammaire Arabe, p. 27.

([22]) - أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (سيبويه)، الكتاب، تحقيق عبد السلام محمد هارون (مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 2، 1408-1988)، 1/12.

([23]) - يقارَن هذا الكلام بتعريف سيبويه السابق للحرف "... وحرف جاء لمعنى".

([24]) - Adalbert Merx, L’Origine de la Grammaire Arabe,  p. 28.

([25]) - سيبويه، الكتاب، 1/12.

([26]) - نفسه.

([27]) - علي الجرجاني، التعريفات (دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1403-1983)، ص 232.

([28]) – يُنظر: باروخ اسبينوزا، علم الأخلاق، ترجمة جلال الدين سعيد (دار الجنوب للنشر، تونس، د. ت)، ص 143.

([29]) - تمام حسان، الأصول.. دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب، ص 47.

([30]) - ت. ج. دي بور، تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط 2، 2010)، ص 63.

([31]) - إبراهيم مدكور، منطق أرسطو والنحو العربي، في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة (مطبعة وزارة المعارف العمومية، القاهرة، 1953)، الجزء السابع، ص 338.

([32]) – نفسه، ص 339.

([33]) - رأينا مع ميركس أن سيبويه لم يعرّف الاسم ولا الفعل، بل عرّف الحرف فقط.

([34]) – نفسه، ص 340.

([35]) - نفسه.

([36]) - ويعرف أيضا بـ Comeils Henricus Maria (C. H. M) Versteegh.

([37]) - يعتبر حلقةً مهمةً في أطروحة القائلين بالتأثير اليوناني في النحو العربي، وقد كان من تلامذة الإسكندرية التي غلب عليها العقل الأرسطي والرواقي، وهو أول نحوي يضع كتابًا متخصصًا في النحو يصف قواعد اللغة اليونانية. يُنظر: ماجدة محمد أنور، فن النحو بين اليونانية والسريانية، ترجمة ودراسة لكتابي ديونيسيوس ويوسف الأهوازي (المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2001)، ص 26 وما بعدها.

([38]) - Kees Versteegh, Greek  Elements in Arabic Linguistic Thinking (Leiden, E. J. Brill 1977), p. 4.

([39]) - Edward Lipinski, Arabic Linguistics, A Historiographic Overview, in Roczinik Orientalistyczny (Elipsa, Warszawa 2012), LXV, Z, 2, p 29.

([40]) - Kees Versteegh, Greek  Elements in Arabic Linguistic Thinking, p. 8.

([41]) - أرسطو، فن الشعر، ترجمة إبراهيم حمادة (مكتبة الأنجلو المصرية، د.ت)، ص 180.

([42]) – نفسه، ص 181.

([43]) - جيرار تروبو، نشأة النحو العربي في ضوء كتاب سيبويه، مجلة مجمع اللغة العربية، بالأردن (1982).

([44]) - نفسه.

([45]) - نفسه.

([46]) – يُنظر: ابن منظور، لسان العرب (دار صادر، بيروت، د.ت)، مادة "عرب".

([47])- أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار (دار الكتب المصرية، القاهرة، د. ت)، 1/37.

([48]) - أبو البركات ابن الأنباري، كتاب أسرار العربية، تحقيق محمد بهجت البيطار (مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق، د.ت)، ص 18.

([49]) - سيبويه، الكتاب 1/13.

([50]) - أرسطو، فن الشعر، ص 182.

([51]) - تروبو، نشأة النحو العربي في ضوء كتاب سيبويه.

([52]) - نفسه.

([53]) - الأباتي جبراييل القرداحي، المناهج والمعاني عند السريان (دار المكتبة السريانية، حلب، ط 3، 2008)، ص 3 وما بعدها.

([54]) - تروبو، نشأة النحو العربي في ضوء كتاب سيبويه.

([55]) - أبو نصر الفارابي، الألفاظ المستعملة في المنطق، تحقيق محسن مهدي (دار المشرق، بيروت، ط 2، د.ت)، ص 42.

([56]) - أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة (المكتبة العصرية، بيروت، 1432-2011)، ص 88 وما بعدها للاطلاع على المناظرة كاملة.

([57]) - تروبو، نشأة النحو العربي في ضوء كتاب سيبويه.

([58]) - نفسه.



*  المراجع والمصادر  *

الأصول.. دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغزي عند العرب (النحو- فقه اللغة - البلاغة)، تمام حسان (عالم الكتب، القاهرة، 2000).

الألفاظ المستعملة في المنطق، أبو نصر الفارابي، تحقيق محسن مهدي (دار المشرق، بيروت، ط2، د.ت).

الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي (المكتبة العصرية، بيروت، 1432-2011).

تاريخ الفلسفة في الإسلام، ت. ج. دي بور، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط 2، 2010).

تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب، محمد المختار ولد أباه (دار الكتاب العلمية، بيروت، ط 23، 1429ه-2008).

التعريفات، علي الجرجاني (دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1403-1983).

الخصائص، ابو الفتح عثمان بن جني، تحقيق محمد علي النجار (دار الكتب المصرية، القاهرة، د.ت).

علم الأخلاق، باروخ اسبينوزا، ترجمة جلال الدين سعيد (دار الجنوب للنشر، تونس، د.ت).

فن الشعر، أرسطو، ترجمة إبراهيم حمادة (مكتبة الأنجلو المصرية، د.ت).

فن النحو  بين اليونانية والسريانية، ترجمة ودراسة لكتابي ديونيسيوس ويوسف الأهوازي، ماجدة محمد أنور (المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2001).

كتاب أسرار العربية، أبو البركات ابن الأنباري، تحقيق محمد بهجت البيطار (مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق، د.ت).

الكتاب، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (سيبويه)، تحقيق عبد السلام محمد هارون (مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 2، 1408-1988).

كشف الظنون، حاجي خليفة (مكتبة المثنى، بغداد، 1941).

لسان العرب، ابن منظور (دار صادر، بيروت، د.ت).

المزهر في علوم اللغة وأنواعها، جلال الدين السيوطي، شرح محمد أحمد جاد المولى بك وآخرين (منشور المكتبة العصرية، بيروت، د.ت).

المستشرقون والتراث النحوي العربي، عبد المنعم السيد أحمد جدامي (كنوز المعرفة، عمان، ط 1، 2016).

مقدمة في نشأة اللغة والنحو والطبقات الأولى من النحاة، محمود محمد شاكر، ضمن شرح الأشموني على ألفية إمام النحاة أبي عبد الله محمد جمال الدين بن عبد الله بن مالك، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (المطبعة المصرية، ط 1، 1352ه-1933م).

المقدمة، ابن خلدون (دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1993).

المناهج والمعاني عند السريان، الأباتي جبراييل القرداحي (دار المكتبة السريانية، حلب، ط3، 2008).

منطق أرسطو والنحو العربي، إبراهيم مدكور، في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة (مطبعة وزارة المعارف العمومية، القاهرة، 1953).

نشأة النحو العربي في ضوء كتاب سيبويه، جيرار تروبو، مجلة مجمع اللغة العربية، بالأردن (1982).

نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة (دار المعارف، ط 2، د.ت محمد الطنطاوي).

Arabic Linguistics, A Historiographic Overview, Edward Lipinski, in Roczinik Orientalistyczny (Elipsa, Warszawa 2012).

Greek Elements in Arabic Linguistic Thinking, Kees Versteegh (Leiden, E. J. Brill 1977).

L’Origine de la Grammaire Arabe, Adalbert Merx, in Bulletin de l’Institut Arabe, Troisième Série n2 Année, 1891 (Imprimerie nationale, Le Caire 1892).