البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الأنثروبولوجيا الاسلاميّة مقاربة في الاستشراق الجديد

الباحث :  أ. د. عامر عبد زيد الوائلي
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  13
السنة :  السنة الخامسة - شتاء 2018م / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث :  February / 27 / 2018
عدد زيارات البحث :  4873
تحميل  ( 376.002 KB )
مدخل

هنالك تعريفات متنوعة لهذا الحقل من حقول البحث؛ فهناك من ينظر الى الاستشراق وكل منهم ينطلق من الآخر وبتأثير الآخر(من عرب وعرب مسيحيين ومسلمين متأثرين بالغرب)، فإذا كان الآخر أي الغربي تصدر عنه في دراسته للذات العربيّة الاسلاميّة مجموعةٌ من النتاجات الفكريّة والإعلاميّة والسياسيّة، والاستخباريّة، في مجال العقيدة والاجتماع والسياسة والفن يمكن أن ينسب إلى حقل الاستشراق ؛ والى جانب المسلمين نجد كذلك: (الدراسات الصينيّة أو الدراسات الهنديّة أو الدراسات اليابانيّة).

الاستشراق هي حركة غربيّة تركز على استكشاف الثقافة الشرقيّة ودراستها عن كثب، وتوضيح النظرة الغربيّة لهذه الثقافة الشرقيّة، وتدل على مدى تصوير الغرب للبنية التحتيّة للحضارة الشرقيّة، ويوحي مفهوم الاستشراق إلى السلبيّة بناءً على ما ترتب على التفسيرات القديمة للغرب فيما يتعلق بالحضارات الشرقيّة وثقافتهم.

 كما يمكن تعريف الاستشراق بأنّه عبارة عن قيام علماء غير مسلمين من الغرب بإجراء دراسات ذات أبعاد أكاديميّة تركز على دراسة الدين الإسلامي، و جوانب حياة المسلمين المختلفة في: ( التاريخ، والشريعة، والحضارة)، إذ تستهدف دراساتهم المسلمين من العرب وغير العرب([1]).

ومع أنّ مصطلح الاستشراق ظهر في الغرب منذ قرنين من الزمان على تفاوت بسيط بالنسبة للمعاجم الأوروبيّة المختلفة، لكنّ الأمر المتيقن أن البحث في لغات الشرق وأديانه وبخاصة الإسلام قد ظهر قبل ذلك بكثير، ولعل كلمة مستشرق قد ظهرت قبل مصطلح استشراق، فهذا آربري Arberry في بحث له حول هذا الموضوع يقول "والمدلول الأصلي لاصطلاح (مستشرق) كان في سنة 1638م أحد أعضاء الكنيسة الشرقيّة أو اليونانيّة" وفي سنة 1691م وصف آنتوني وود Anthony Wood صمويل كلارك Samuel Clarke بأنه (استشراقي نابه) يعنى ذلك بأنه عرف بعض اللغات الشرقيّة. وبيرون في تعليقاته على Childe Harold's Pilgrimage يتحدث عن المستر ثورنتون وإلماعاته الكثيرة الدالة على استشراق عميق"([2]).

وبحسب تعريف جويري، في كتابه: علم الشرق وتاريخ العمران، يقول "...إنّما هو من جمع بين الانقطاع إلى درس بعض أنحاء الشرق و بين الوقوف على القوى الروحيّة الأدبيّة الكبرى التي أثّرت في تكوين الثقافة الإنسانيّة، فهو من تعاطى درس الحضارات القديمة، وبإمكانه أن يقدر شأن العوامل المختلفة في تكوين التمدن في القرون الوسطى مثلاً أو النهضة ...([3]).

يظهر من هذه التعريفات بأنّ القضيّة المركزيّة التي أسّس لها الاستشراق عموماً هي أن الغرب غزا الشرق لهدفٍ مزدوج: ليعرف ماهيّة الشرق، طبعاً لكل لون استشراقي أهدفه الخاصة. و ليعيد خلق الشرق، وهذا شأن الاستشراق الرسمي، الاستعماري والثقافي، كيف يراه هو؟، أو صياغة صورة للشرق كما يريدها الغرب (بحسب وظن إدوارد سعيد). ويكمن الاستدلال على صدق هذا التصور من خلال دراسة المراحل التي مرّ بها الاستشراق وتعدُ مراحل أساسيّة، وهي:

الاستشراق الاستعماري (Colonial Orientalism): تعد هذه المرحلة أولى مراحل الاستشراق، وتضم كل ما جاء به الاستشراق منذ ظهوره مروراً بالحركة الرومانسيّة الغربيّة ووصولاً إلى عام ألف وتسعمائة وستين ميلادي. ويرى رضوان السيد "على أنَّ بداية التعرُّف الأوروبي على الإسلام ثقافيًّا ابتدأتْ مع ترجمة الفرنسي"أنطون غالان"(1646-1715 م) كتاب ألف ليلة وليلة، وما تركته من أثر في نفوس المثقفين الأوروبيين في القرن الثامن عشر الميلادي، عصر الرومانسيّة الأوروبيّة بامتياز."([4]).

أمّا الاستشراق ما بعد الاستعماري (Post Colonial Orientalism): فهي المرحلة التي بدأت أطوارها من بعد عام ألف وتسعمائة وستين ميلادي، وسلّطت الضوء على الجوانب الثقافيّة واللغويّة التي يمكن التأثير فيها من خلال إدخال التغيرات الجذريّة عليها.

يبدو بعد التحولات الكبيرة أي بعد حقبة الاستعمار وظهور حركات ما بعد الاستعمار وهي قد جعلت الاستشراق غير مرغوب فيه من حيث المنطلقات الأيديولوجيّة والمنهج الذي تعرض الى نقود منهجيّة ؛فظهر شكل جديد من الاستشراق هو الاستشراق الجديد (New Orientalism): هو أحدث ما وصل إليه الاستشراق ومرحلته التي تزامنت مع مطلع القرن الحالي، واستهدف الأمور الدينيّة للأفراد.

أقسام بحوث الاستشراق: تسعى دراسات الاستشراق إلى التركيز على مجالات محدّدة في حياة الشرق والمسلمين خاصة، وتشمل كلاً ممّا يأتي: (التاريخ والاقتصاد و الجغرافيا و اللغة و الآداب و علم الإنسان و الفنون و الأديان و الفلسفة و علم الآثار)([5]).

مصطلح  "الاستشراق الجديد " يمثل عتبة جديدة في العلاقة بين الأنا الغربيّة والآخر الشرقي فإنها عتبة تحاول من أن تخلق تمفصل بين الخطاب الاستشراقي القديم و آخر جديد اذ تناسلت العديد من الأعمال والدراسات التي ظهرت إلى الوجود مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي  وبداية القرن العشرين، وقد اعتمدت هذه الدراسات على العديد من المناهج العمليّة والحقول المعرفيّة مثل:(اللسانيات والأنثروبولوجيا، الإثنوغرافيا، السوسيولوجيا، والاثنولوجيا....) وكثير من العلوم المساعدة الأخرى التي ترتبط بالدراسات الاجتماعيّة والإنسانيّة. وإذا كانت هذه النتاجات والأبحاث التي قام بها العديد من الدارسين والباحثين الأجانب، إذ شكلت مجموع ما يصطلح عليه بـ"الإسطوغرافيا الاستعماريّة" أو"الدراسات الكولونياليّة" التي ظلّت موسومة بطابع استعماري وتم توظيفها كتمهيد أوّلي نحو غزو للعديد من المناطق، ومنها منطقة شمال إفريقيا، فإنها في مقابل ذلك، تعد مرجعاً وتراكماً مفصلاً ومدققاً يحمل قيمة علميّة واضحة بحكم ما ارتبط بها من معطيات وحقائق مهمّة حول الجوانب المختلفة التي تهم المجتمعات التي خضعت للسيطرة الاستعماريّة، كما أن هذه الدراسات لا تزال تحتل موقع الصدارة على مستوى القيمة الموضوعيّة والعلميّة التي تنفرد بها، وكذا طبيعة المناهج التي وظفتها والنتائج والخلاصات التي انتهت إليها.

وتعد الأبحاث والدراسات الفرانكفونيّة صاحبة السبق على مستوى تناول مختلف مظاهر الحياة العامّة لدى المجتمعات المغاربيّة بصفة عامة، والمجتمع المغربي بصفة خاصة، ولكن على الرغم من ذلك فالدراسات الانجلوساكسونيّة والأسبانيّة كان لها وقعها الخاص على واقع هذه الأبحاث والكتابات، لاسيما بعدما خاض هذا المضمار العديد من الدارسين والباحثين المرموقين الذين شكّلو اتجاهاً جديداً داخل حقل الدراسات الكولونياليّة، من أبرز هؤلاء، نجد: ( جاك بيرك و روبير مونطاي و أرنست غيلنز و جون واتروبوي و رايمون جاموس و مولييراس و بول باسكون و ايميليو بلانكوايثاكا ودايفيد هارت.)..([6]).

وعلى الرغم من أنّ علماء الإنثروبولوجيا لا يعدون أنفسهم من المستشرقين وغالباً ما ينظرون الى المستشرقين التقليديين بازدراء ؛ وسبب ذلك هو أن تدريبهم داخل حقل علم الانثروبولوجيا أقوى من تدريبهم في لغات و آداب وتاريخ الشرق الأوسط .لكنّهم مع ذلك يقعون من ضمن تعريف إدوارد سعيد للمستشرق :" كل من يدرس أو يكتب أو يبحث في أمور الشرق " ([7])، ثم أنّه يعرف الاستشراق بوصفه " أسلوب تفكير يعتمد على تفريق أنطولوجي و إبستمولوجي بين "الشرق " وبين "الغرب" ويرى بأنّ الاستشراق عبارة عن "مؤسسة منظمة للتعامل مع الشرق تعليمه ووصفه بل وحكمه " ([8]).

فإنّ الاختلاف في مستوى المنهج وتقدمه على مناهج المستشرقين لا يعني تبرئة الانثروبولوجيا من ارتباطها بالاستشراق الجديد، وارتباطها به وبالسلطات الداعمة للبحوث والغايات نفسها القائمة على معرفة الآخر ومن ثمّ حكمه والهيمنة على مقدراته ؛ لهذا تجد رجال الاستشراق الجديد يحتلون مكانة مهمّة في الخطاب الغربي من خلال رسم الاستراتيجيات واحتلال مكانة مهمة في المؤسسات الغربيّة السياسيّة والعلميّة .

تأتي هذا المقاربة من أجل دراسة المنهج الانثروبولوجي في الغرب عامّة ودراسة أرنست غيلنز ؛ اذ سوف نحاول  من أن نتناول الأمر من خلال ثلاثة مباحث: الأوّل في تأصيل المنهج والثاني في عرض قراءة أرنست غيلنز ويأتي المبحث الثالث بمثابة مقاربة نقديّة لدى مجموعة من الباحثين في مجال الأنثروبولوجيا .

المبحث الاول

التأصيل المفهومي للأنثروبولوجيا وتياراتها

لقد شكّل هذا المنهج الانثروبولوجيّة مكانة مهمة في العلوم الانسانيّة بكل تحولاتها من ناحية، ومن ناحية أخرى يعد أحد مناهج الاستشراق الجديد .ومن هنا تأتي أهميّة تناوله في هذا البحث. في بعدين الأوّل تعريف بالانثروبولوجيا، والثاني يتناول الانقساميّة وأهم ملامحها ومرجعياتها الاستشراقيّة.

أوّلاً: الأنثروبولوجيا :

هي علم دراسة الإنسان طبيعياً واجتماعياً " وأيضاً، علمُ الجماعات البشريّة وسلوكها ونتاجاتها. علم الإنسان من خلال أنّه كائنٌ طبيعي واجتماعي وحضاري. علمُ الحضارات والمجتمعات البشريّة.

هذهِ التعريفات هي "للأنثروبولوجيا العامّة"، ويمكنُ من خلال التعريف الرابع بأن نعرِّفَ "الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة" على أنها: علم الإنسان من خلال كونه كائنٌ اجتماعي." والمشكلة تكمن في تعدد فروع الأنثروبولوجيا فيحددها في ثلاثة تخصصات رئيسة فقط، وهي: الأنثروبولوجيا الطبيعيّة، الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة، الأنثروبولوجيا الثقافيّة " ([9]) .

يبدو أنّ العتبة المهمة في هذا الحقل من العلوم الانسانيّة هو (الميدان ) بوصفه مخبراً للانثروبولوجيا كما يذهب كثير من العلماء الى التأكيد على هذا الامر، وهذا ما سوف نستشفه من النماذج التي سوف ندرسها فهي في المجمل كانت تعتمد على البحث الميداني في بناء تصوراتها و تأكيد توصيفاتها ؛فقد كان لزاماً على الباحث الذي يقوم بالبحث  في حقل الانثروبولوجيا من أن  يختار عيّنات الدراسة - في حقل ما- من خلال دراسة شعوب معيّنة كانت تمثل نمطاً من أنماط العيش سواء كان بدائياً يقوم على أشكال التضامن الميكانيكي إلى أشكال التضامن العضوي أم غير بدائي، كما ذهب إلى هذا "إميل دوركايم " (1858-1917)م([10]) في التأسيس الى مفهوم إنقساميّة (segmentarité) في ميدان علم الاجتماع ؛ فقد بيّن بأنّ المجتمعات الإنسانيّة تنتقل بالتدريج خلال صيرورتها التاريخيّة، من أشكال التضامن الميكانيكي إلى أشكال التضامن العضوي.

وهذا ما نجده في منهج البحث   الأنثروبولوجي إذ يذهب الباحث إلى موطن الشعب الذي اختاره موضوعاً للدراسة ؛ لكي يقوم بعمله، فيستمع إلى أحاديثهم ويزور بيوتهم، ويحضر طقوسهم ويلاحظ سلوكهم العادي .. ويسألهم عن تقاليدهم، ويتآلف مع طريقة حياتهم حتى تصبح لديه فكرة شاملة عن ثقافتهم، أو يحلّل جانباً خاصاً من جوانبها. أي أنّه يجمع معلوماته من الميدان حتى يصل الى توصيف مقولاته الواصفة لحياة تلك الشعوب المنعزلة، فهذه الدراسات لا تعدم أمرين:

الأوّل منهما أنّ لها غايّة سياسيّة تسعى من أجلها تلك الدراسات فهي تقوم على دراسة تلك الشعوب ليس من أجل غايات علميّة فحسب ؛ بل أنّ هناك مسوغات سياسية من أجل تقديم تصور علمي عن طبيعة تلك الشعوب حتى تسهل للدول الداعمة للبحوث من أجل تسهيل الطريق امامها  في السيطرة على تلك الشعوب من قبل الدول الغربيّة .

الأمر الثاني: إنّ هذه البحوث لا تقوم بعملها من دون خلفيّة علميّة سابقة تقوم عليها برامج البحث في الميدان فالبحوث إمّا أنها تؤكد على الفرضيّات السابقة أو تقدم لها نقداً وتقويماً على أساس ما يظهر في الميدان من نتائج .

أمّا على الصعيد الاول فيجعل البحث العلمي مرتهن الى الخطاب السياسي الذي يقدم دعماً ويسخر جهود الباحثين ؛من أجل غايات الهيمنة على مقدّرات الآخر، عندما عمدت الأنثروبولوجيا الأنجلوسكسونيّة، وبالضبط البريطانيّة، إلى دراسة مجتمعات حوض البحر الأبيض المتوسط وافريقيا بعد الحرب العالميّة الثانيّة إذ ركزت بشكل رئيسي على ظاهرة السلطة داخل هذه المجتمعات.

أُطروحتنا هنا تؤكد على إبراز الغايات السياسيّة التي توجه هذا الحقل المعرفي الذي يدّعي الاستقلاليّة فإنّه يظهر لنا بأنه محكوم بالأحكام المسبقة فضلاً عن الاستراتيجيّة السياسيّة لدى المؤسسات الاكاديميّة والجهات السياسيّة التي تؤكد على توجيه البحث من أجل معرفة الآخر ومن أجل تحقيق أهداف سياسيّة وهو بهذا جزء من المشروع الاستشراقي القديم الذي عمل في المغرب بمراحل الطويلة ؛ لكن من سمات هذا المنهج أنّه جزء من منظومة مدعومة من قبل بريطانيا من أجل تحقيق مقاصدها السياسيّة في الشرق وخصوصاً في منطقة  المغرب العربي التي هي جزء من مشروع الاستشراق الغربي، وهذا ما عمدت إليه الأنثروبولوجيا الأنجلوسكسونيّة، وبالضبط البريطانيّة.

ثانيا :منهج الانقسام وأبعاده الاستشراقيّة :

ويعد مفهوم الانقسام من أهم سمات هذا المنهج  إذ عدّ ه " بول باسكون " (1923-1985م) بعد بحث واستقصاء مفهوم (الانقساميّة ) الى معنى لا يقترب الى مجال الفيزياء و العلوم بل وجده مفهوماً مأخوذاً من مصطلحات علم الحيوان، - كما عرضنا سابقا- يعد إميل دوركايم أول باحث وظّف مفهوم " الانقساميّة " اذ يعد عامل الانشطار يفهم حين يصبح الجيل الواحد مصدراً لأجزاء جديدة: (أبناء)، وهؤلاء بدورهم – كل على حدة – يشكل (وحدة سلاليّة) جديدة، تتفرع عنها هي الأخرى وحدات سلاليّة جديدة، وهكذا دواليك.

أمّا عامل الانصهار، فيبدو حين يصبح هذا الانشطار نفسه مصدراً لتعيين "أجزاء" أو "أقسام" جديدة من داخل النسق الانقسامي. بهذا الشكل إذن، يصبح كل جيل من الأجداد يجسِّد مستوى من الانقسام والتداخل: فالمستوى الأول هو القبيلة، والثاني هو القسمة أو الفرع القبلي (ويصطلح عليه "الخمس"، والثالث هو الوحدة السلاليّة؛ وصولاً إلى أدنى مستوى إذ الوحدة العائليّة ثم الفرد.

لكن، يبقى السؤال المطروح هو: كيف تشتغل كل من آليتي "الانشطار" و"الانصهار" هاتين (سوسيولوجياً)؟ وكيف تعملان على بنية (Structuration ) مستويات الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة وأشكالها من داخل المجتمع الانقسامي؟ أو بمعنى أدق، كيف يعمل النسق الانقسامي على وفق هاتين الآليتين على إنتاج وإعادة إنتاج نفسه، على الرغم من عوامل الصراع والتوتر التي تتهدّده؟ هنا بالذات يقدم الانقساميون مقولتي (التعارض) و (التحالف) كنموذجٍ للتحليل، وكقاعدة تؤسس للنسق الانقسامي وتمدّه بشروط الاستمراريّة. فإذا كانت الصراعات وأشكال النزاع التي يشهدها المجتمع الانقسامي- عبر مختلف مستوياته البنائيّة – تمثِّل واقعا مرتبطا أشد الارتباط ببنيات ذلك المجتمع، وتناقضاته الداخليّة – كما يؤكد الانقساميون طبعاً- فإن ذلك لا ينفي وجود أشكال من التماسك والاتحاد أيضاً. فالصراع في مستويات أدنى، لا ينفي أبداً وجود أشكال من التعاون والتحالف في مستويات أعلى، وبصورة تلقائيّة([11]).

لقد كانت الدراسات الميدانيّة هي التي أكّدت على هذا المفهوم ثم وبعد مرور حوالي عشر سنوات على تلك الدراستين طرح لبريتشرد من جديد موضوع المجتمعات العربيّة القبليّة، مع الباحثين الأنجلوسكسونيين، من خلال الاعتماد على فرضيّات الأنموذج الانقسامي، ومنطلقاته .

مرد ذلك إلى أن البريطانيين رغبوا في دراسة الأنظمة السياسيّة المحليّة، بهدف المزيد من إحكام الطوق عليها وهكذا برز في ميدان الأنثروبولوجيا أنموذجاً تحليلياً جديداً للمجتمعات (البريّة)، كتحليل طفق يمارس جاذبيّة وإغراء لا يستهان بهما في مجال العلم الأنجلوسكسوني والذي سيبلغ أوجّه في التطبيق على يد ثلّة مهمّة من الباحثين أقصد بذلك: غيلنر، وواتربوري 1939م،([12]) ورايمون جاموس تحديداً، إلا أنّه في محاولتنا هذه سنركز على الباحث غيلنر كأنموذج لهذا التحليل." ([13])

أمّا على صعيد الأحكام المسبقة فهناك إسقاط خطابات فكريّة غربيّة على شعوب أخر, إسقاط يفقد تلك البحوث من قيمتها التجريبيّة ويجعل منها مرتهنة الى الأحكام الثقافيّة والحضاريّة التي انطلق منها الباحث سواء كان عالماً بها كباحث يخدم مشروع غربي موجه سياسياً .

أمّا موقف الباحثين العرب في مجال الانثروبولوجيا ؛فنلمسه من الاصطلاح اذ من الملاحظ بأنّ مفهوم الانقساميّة عندما انتقل إلى اللغة العربيّة لم يصادف توافقا بين الباحثين فيما يتعلق بالمصطلح. نلامس هنا بعض التفاوت الذي قد يحصل بين المفهوم والمصطلح .  ففي تونس استُعمل مصطلح التجزؤيّة مقابلا له وبالمغرب عرّبه عبد الكبير الخطيبي بلفظة التجزيئة بينما استعمل أحمد التوفيق عبارة الانقساميّة، وهي التي نالت الموافقة لدى العديد من المؤرخين. هذا على مستوى الاصطلاح أما على مستوى النظريّة فإنّ النظريّة الانقساميّة تقوم على مبدأين أساسيين:

مبدأ التعارض الأفقي المؤدي إلى التوتر والصراع بين الوحدات المتساويّة في المستوى الأفقي من ضمن المنظومة الانقساميّة من جهة.

ومبدأ التكامل المفضي إلى التعاون  بين الوحدات المتسلسلة في المستوى العمودي وتحالفها من جهة أخرى. وللتبسيط، يمكن استحضار المقولة الشهيرة  في نظام العصبيّة الخلدوني ؛ وقد تعرّضت هذه النظريّة لكثير من النقد من قبل باحثين مغاربة وغير مغاربة. ومن بين المغاربة نخص بالذكر جرمان عياش وعبد الله حمودي وعبد الله العروي، كل من منطلقاته الخاصة. والنقد الأساسي لهذه النظريّة بأنّها نشأت لتعالج مجتمعات تفتقر إلى بنيَة الدولة وبالآتي فهي تفسِّر التوصل إلى حالة من الاستقرار في المجتمعات القبليّة عن طريق الصراع بين الوحدات المكونة لها مما يؤدي في النهاية إلى التوازن فيما بينها، في حين أن للمغرب  مجتمعاً قبلياً ودولة بمواصفات خاصة. انطلاقاً من هذه الدراسات واعتماداً على الرصيد المهم من الوثائق المخزنيّة التي تتصل بالعلاقات بين المخزن والقبائل، تبيّن بأنه بالإمكان تجاوز هذه النظريّة مع الاستفادة منها فظهر من الإجرائي أن أستعمل عبارة الدولة الانقساميّة لتوصيف الدولة المخزنيّة قبل الاستعمار، وهي دولة تتكيف مع النظام القبلي وتستفيد من إيجابياته وسلبياته إما عن طريق التحكيم أو بتأجيج الصراعات بين الوحدات القبليّة أو بتعديد التحركات المجاليّة([14]).

لعل هذا ما تمخضت عنه مجموعة من الأبحاث والدراسات أنجزها بعض رواد البحث الأنثروبولوجي الأنجلو سكسون، حول عدد من قبائل المغرب. لقد بدأ اهتمام هؤلاء بالمغرب منذ الحرب العالميّة الثانيّة، غير أن نشاطهم تعزّز أكثر، وأصبح ملحوظاً خلال الستينات من القرن العشرين. ويمكن تفسير ذلك في إطار انشغال جيو- استراتيجي لبعض الدول الرأسماليّة: كإنجلترا والولايات المتحدة تحديداً؛ بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لقد كان الهدف الأساس هو مراقبة، وعن كثب، مجمل التطورات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة التي تشهدها البلاد، والهدف طبعاً هو تيسير السبل الكفيلة بدمج المغرب – وعلى غرار باقي بلدان المنطقة- في منظومة السوق الرأسماليّة – الإمبرياليّة"([15]).

وقد شخّصت تلك الدراسات الانقساميّة بأنّ القبيلة بالمغرب أنموذج لنسق انقسامي قائم الذات.، فكل قبيلة تنقسم على فروع، وهذه تنقسم بدورها على أجزاء، إلى أن تصل إلى مستوى الوحدات العائليّة. ويبقى عامل النسب هو المهيمن من داخل هذا المجتمع، إذ اقترح (غيلنز) حصر مفهوم الانقساميّة واستعماله، في المجتمعات التي تعتمد على النسب وحده فقط؛ لتقعيد العلاقات بين القسمات– كعلاقات اجتماعيّة وسياسيّة " ([16]) ؛ إنّ أغلب الدراسات الانقساميّة كانت تؤكد على أمرين :

أوّلهما إنّه يقدم الحلول لما تظهر من مشاكل ،عن الإدارة والحكم المحلّي، في المجتمعات البدائيّة والمحليّة ‏التي وصفناها كونها تعتمد على التضامن الميكانيكي . أمّا الثاني فإنّه يقدم معالجة مشكلات التغيير الحضاري السريع في هذه المجتمعات، والمساعدة في التكيّف المناسب. وبالآتي لابد من أن تقترح تلك البحوث حلولاً يمكن أن تطبقها السلطات السياسيّة التي تستثمر نتائج تلك البحوث ؛ ( ولكي يحقّق عالم الأنثروبولوجيا النجاح لأهدافه وبحوثه ودراساته، فقد جرى التقليد أن يقوم بأبحاثه الميدانيّة لدى الشعوب (البدائيّة)([17]) التي تعيش خارج التيار التاريخي للثقافة الأورو- أمريكيّة، أو الثقافات الأخرى المتحضّرة التي تعرف الكتابة، وذلك بغية المقارنة وإيجاد أوجه التشابه والاختلاف في السياقات التاريخيّة التطوّريّة للثقافات الإنسانيّة المختلفة)([18]) بمعنى أنّ تلك البحوث سوف تهون فهم التطور في الحقل الاجتماعي والتحولات التي تطرأ على أشكال التعاون البشري في انتقالها من العلاقات البدائيّة الميكانيكيّة، وما خلّفته من أشكال وعلاقات تجعل السلطة ضعيفة في ظل مجتمعات تعتمد على العلاقات العشائريّة وصولا الى أشكال اكثر تطوراً في المجتمعات المعاصرة تعتمد على أشكال من العلاقات مختلفة تماماً، وبالآتي أصبح علم الأنثروبولوجيا بشكل عام تخصص علمي يبحث في أصول الشعوب المختلفة، وخصائصها، وتوزّعها وعلاقاتها بعضها ببعض، ويدرس ثقافاتها دراسةً تحليليّة مقارنة، ترصد الأنثروبولوجيا انتظام وتغير العقائد والأعراف والتقاليد في مجتمع تسوده موجهات دينيّة أو اجتماعيّة أو عرقيّة.

المبحث الثاني

حياة ومنهج إرنست غيلنر

حياته ومؤلفاته:

من أبرز الأمثلة على هذا المنهج هو إرنست غيلنر (1925- 1995م) ،ولد في 9 ديسمبر 1925م في باريس من أصل يهودي- تشيكوسلوفاكي. هاجرت عائلته من باريس الى براغ. وبعد الغزو النازي لتشيكوسلوفاكيا سنة 1939م هاجرت عائلة غلنر الى لندن وهو في الثالثة عشر من عمره. وقد درس الفلسفة والعلوم السياسيّة والاقتصاديّة في كليّة باليول (Balliol College) بجامعة أكسفورد (Oxford). بداية من سنة  1947م اقتحم مجال التدريس في الجامعات الانكليزيّة بدءاً بجامعة أدنبرغ ثمّ بجامعة لندن للعلوم الاقتصاديّة والسياسيّة. تطوّر في مسيرته العلميّة من الفلسفة الى علم الاجتماع ومنه الى الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة. وانطلاقاً من 1954م قام بالعديد من الرحلات إلى شمال إفريقيا ؛لينجز عدداً من البحوث الإنثروبولوجيّة حول الأمازيغ بجبال الأطلس ومنها موضوع أطروحته للدكتوراه التي أنجزها تحت إشراف الأستاذ جون ماك ميراي (John Mac Murray) سنة 1961م إذ حملت عنوانا "الزاويّة لدى البربر: تنظيمها ودورها". هذا فضلاً عن احتكاكه المباشر بالثقافة الإسلاميّة وتعرّفه على عادات المسلمين وعقائدهم وقد ألّف في هذا الغرض مؤلّفات عدّة منها "أولياء الأطلس" (Saints of Atlas) سنة 1969.م.([19])



2-  الانثروبولوجيا الإسلاميّة عند إرنست غيلنر:

وضح غيلنر في كتابه " مجتمع مسلم" الذي نقدِّمه إلى القارئ العربي، وبشكل واضح، إنّه يسعى إلى تقديم نظريّة أو نموذج تفسيري لدراسة المجتمعات الإسلاميّة أو العربيّة بشكل عام. وعلى الرغم من أن هذا الطموح كبير، إن لم نقل فضفاض، فإن فيما أكد عليه، باستمرار، في ثنايا متنه إذ كان يعتقد بإمكانيّة ذلك، بل وتمكنهِ من إنجاز مسودة أوليّة مهمّة في هذا الاتجاه. وبطبيعة الحال يرى غيلنز أنّ ما يقدمه إنما يمثل منظوراً ينطلق من مفاهيم أو نظريات ونماذج العلوم الاجتماعيّة عموماً، وعلى وجه الخصوص المنظور الأنثروبولوجي الاجتماعي على الطريقة البريطانيّة!([20]).

ولسنا في مجال تناول مسألة أنثروبولوجيا الإسلام من خلال الإمكانيّة أو الأهميّة كموضوع علمي يمكن تقديمه بالدراسة والتحليل، فلقد تناول ذلك العديد من النقاد لعل أبرزهم طلال أسد([21]) في نقده لكتاب إرنست غيلنز الذي نقدّمه هنا، وستكون لنا عودة إلى ذلك لاحقاً. إن ما يهمنا هنا – إن سلمنا بإمكانيّة وأهميّة دراسة ” المجتمعات الإسلاميّة”، وهو يوردها “بالمفرد” على اعتبار أنّها تشكل نموذجاً واحداً متشابهاً في كافة أنحاء العالم – هو كيف قدم غيلنز نموذجه النظري.

المرجعيّات التي وظّفها في قراءته:

اعتمد غيلنر على مصادر عديدة في تقديمه لأنموذجه، لكنه اعتمد بشكل محوري وأساسي على مقدمة ابن خلدون، لقد وظف غيلنز التأويل الذي جاء به ابن خلدون للعصبيّة التي تعرف عادتنا بالعصبيّة لكن هذا التأثر لم يكن اعتباطياً بل له مقاصده الثانويّة أو موجهات القراءة الاستشراقيّة التي تعتمد على المنهج الانقسامي وأحكامه المسبقة المتولدة عن قراءات سابقة في أماكن أخرى في العالم لهذا جاء على تصور محدد (لرؤيّة ابن خلدون، يقوم في الأساس انطلاقاً من أن آراء وتفسيرات ابن خلدون لمجتمعات شمال أفريقيا إنما يعتمد على البناء القبلي القائم على العصبيّة والغزو ومن ثم الانقساميّة المستمرّة)([22]). إنّ العصبيّة التي درسها ابن خلدون والتي تقوم على توصيف العصبيّة أو العصبة التي لا تعني مطلق الجماعة وإنما الأفراد الذين تجمع بينهم رابطة الدم أو رابطة الحلف أو الولاء بالإضافة إلى شرط الملازمة بينهم من أجل أن يتم التفاعل الاجتماعي، وتبقى مستمرة ومتفرعة بوجود هؤلاء الأفراد واستمرار تناسلهم، فينشأ بين أفرادها شعور يؤدي إلى المحاماة والمدافعة وهم يتعصبون لبعضهم حينما يكون هناك داعٍ للتعصب، ويشعر الفرد بأنه جزء لا يتجزأ من أهل عصبته، وفي هذه الحالة يفقد شخصيّته الفرديّة إذ تذوب في شخصيّة الجماعة، وهو شعور جماعي مشترك لدى أفراد العصبة فهو ذو صبغة جمعيّة أساسيّة بين الفرد والمجموعة، وليس بين فرد وآخر فقط، وفي حال تعرض العصبة إلى عدوان فيظهر في هذه الحالة "الوعي" بالعصبيّة، وهذا " الوعي العصبي" هو الذي يشد أفراد العصبة إلى بعضهم وهو ما يسميه ابن خلدون " بالعصبيّة " التي بها تكون الحماية والمدافعة والمطالبة وكل أمر يجتمع عليه وبالآتي يكون ((والتقارب بين الهويّة والعصبيّة كبير " فالعصبيّة " إنما تكون من " الالتحام بالنسب أوما في معناه " ومن الولاء والتحالف والصحبة . وابن خلدون يرى " إذ النسب أمراً وهمياً لا حقيقة له , ونفعه إنما في هذه الوصلة والالتحام .))([23])؛ فالتأكيد على الرابطة فيها تصور الى تحول وليس ثابتاً كما تريد أن تؤكد عليه الدراسات الاستعماريّة، ومنها دراسة غيلنز في هذا الكتاب الذي نتحدث عنه . ومن هنا يصح القول بأنّ تصوراته تنتمي الى ((تلك النصوص بوصفها قراءات وليدة فضاء استعماري تقوم على منطق الثبات والهويّة بالمقابل فن المنطق الجديد يقدم ممكنات تقوم على مفهوم نقد الثبات والقول بالنسبي والعلاقة المتغيرة بحسب تغير المحيط، فالقيم البدويّة هي قيم ليست سلبيّةً في ذاتها  بل هي قيم كانت تستجيب لتحديّات معيّنة لم تعد تستجيب لمنطق الحداثة والعلم لهذا تحولت إلى عائق أمام بناء ثقافة تعدديّة.)).([24])  

تأثره الحقيقي والعميق يقوم، على نسخة منقّحة من النظريّة الانقساميّة البريطانيّة حسبما قدمها (ايفانز بريتشارد E.Pritchard) ).الذي كان يرى بأنّ مهمّة الأنثروبولوجي تنحصر بدراسة السلوك الاجتماعي الذي يتّخذ غالباً شكل نظم وأنساق اجتماعيّة كنظام العائلة ونسق القرابة والنظام السياسي والإجراءات القانونيّة والعبادات الدينيّة وغيرها من النظم والإجراءات إلى جانب دراسة العلاقة بين تلك النظم والأنساق. ([25]) ،وهي النظريات الانقساميّة الأكثر شيوعاً وشعبيّة، في السبعينيات، التي كانت تفسر لنا حقل المجتمعات المغاربيّة.  اذ حاول غيلنز  أن يستلهم أفكار"إيفانز بريتشاد"،  في تطبيق تلك الأفكار المستمدّة من المجتمع الأفريقي أن يحاول استلهامها في توصيف المجتمع الصحراوي وإقليمه القائم على التنقل في المغرب كمجتمع قبلي متنقل حاول تشخيصه بالسمات الآتية:  إنّ الإسلام ذو رسالة إلهيّة كاملة وخاتمة مما يحول من دون تقديم بعض مجالات الحياة إلى سلطات دينيّة.ثم صعوبة إمكانيّة تقديم صور بديلة للنظام في دفاعه عن موقف الإسلام من الحضارة والصراع بينهما، إذ مجمل التغيرات التي طرأت على الإسلام جراء الحداثة هي تغيرات طارئة ولم تمس الجذور(( بأن ما يحدث من تغييرات طرأت على الإسلام جراء الحضارة، بأنه أحدث تغييراً فعلا إلا أن الإسلام لم ينحط ))، وصحيح بأنه ليس مصدراً للحداثة إلا إنه المستفيد منها، وذلك ما يدعوه لأن يعالج الفكر الديني كمنهجيّة وليس كعقيدة في تحليل كثير من استنتاجاته وتفسيرها.([26])

من ناحية ثانية كان أمين الى المرجعيّات الغربيّة التي كان يقوم بإسقاطها على واقع مختلف اذ اعتمد غيلنز كذلك على مجموعة متباينة من المفاهيم والأفكار من مصادر متعددة مختلفة تتراوح من هيوم وآراءه في الدين([27]) إذ يرى هيوم بـ"أن الدين في المجتمع يتأرجح بين فكرة التوحيد (وحدة الوجود) والتعدديّة، وتبعاً له يرى غيلنز بأنّ هذه الصورة من أقوى الاستعارات التي يمكن من خلالها فهم حركة التدين في المجتمع الإسلامي تاريخياً، وأن مما تميزت به الحركة التاريخيّة للمجتمعات الإسلاميّة في العصر الحديث تحرك البندول في اتجاه طرف الإسلام الأصولي/‏‏‏ النصّي." ([28]) وإلى توليفة توفيقيّة لمفاهيم "ماكس فيبر" أيضاً الذي كان له أثر في كثير من الدراسات الاجتماعيّة والانثروبولوجيا اذ انصبت كل أعماله على عامل واحد هو الدين، وكانت تتّخذ مسارين اثنين: الأول، تبيان الإسهامة الإيجابيّة للمسيحيّة، أو لإحدى تأويلاتها، في تشكيل مصير الرأسماليّة. الثاني تبيان المعوقات التي أسهمت بها الديانات الأخرى، في منع بروز الرأسماليّة، في مناطق أخرى غير أوروبا.([29])؛ولعل هذا ما يظهر في كتابة الأخلاق البروتستانتيّة التي استعرض بها بروز "التقليد" المتعلق بشكل معيّن من الاقتصاد، وقد أخذ هذا مثلاً على ذلك العلاقة بين روح الحياة الاقتصاديّة الحديثة وبين الأخلاق العقلانيّة لدى البروتستانيّة النسكيّة ([30]).(ومن ثم  كانت موضوعة الدين قد برزت لدى فيبر في تناوله "السلطة الكاريزميّة" التي سوف يكون لها أثرها في غيلنز في توصيفه للمجتمع المغربي ،فهذه السلطة عند فيبر، تقوم على أساس وجود شخص يمتلك صفات استثنائيّة غير اعتياديّة، فالشرعيّة التي يتمتع بها حكم هؤلاء الأفراد تنبع من اعتقاد الناس بصفاتهم الخارقة التي قد تستمد جذورها من شيء غيبي، مثل الاعتقاد بالقوى الروحيّة التي يتمتع بها الحاكم أو التي قد تظهر بوساطة المعجزات أو بوساطة انتصاراته المتتالية في الحروب، أو في مختلف المجالات الأخرى التي هي في صالح أفراد الشعب، ولكن مثل هذه السلطة قد تتلاشى إذا لم يكن هناك شيء من الدلائل على صحة الصفات الخارقة أو غير الاعتياديّة التي يتمتع بها الحاكم، والأمثلة التي يوردها (فيبر) على ممارسي هذه السلطة تشمل: ( الأنبياء والسحرة والقادة المشهورين، ورؤساء بعض الأحزاب لمن يتبعهم من الأفراد.. تتميز بالقوة الخارقة و الخاصيّة المقدسة لشخص الزعيم و بالنظام المبني على هذه القداسة التي تدفع الأعضاء إلى التسليم بالقيمة الخارقة لرجل أو لفرد يتميز بهذه السلطة) ([31]).

امّا تأثره بإميل دوركهايم (1858-1917م)، فقد جاء ؛ لأنه الأخير كان له رؤية حاول من خلالها  تفسير نشأة المجتمع وما يجعله ممكنا من جهة، ومن جهة أخرى إلى تسليط الضوء على دور المجتمع في انبثاق الفكر المنطقي. ويراهن دوركهايم، على الدين كمفتاح لحل هاتين الإشكاليتين. إذ يؤكد دوركهايم على أنّ التمثلات الدينيّة تمثلات جمعيّة، تبنّى دوركهايم منهجاً تجريبياً، حاول من خلاله استخلاص تلك الإجابات من دراسات ميدانيّة، تناولت بالأساس الحياة الدينيّة لما يسمى بالمجتمعات "البدائيّة"، وخصوصاً الممارسات الطقوسيّة الطوطميّة. وفي كتابه الأشكال الأوليّة للحياة الدينيّة، يعبر دوركهايم عن قناعته بأنّ الدين يشكل الرحم الذي ولدت فيه الحضارة ،فالدين في رأي دوركهايم "يتضمن في نفسه منذ البدايّة كل العناصر التي أدّت إلى انبثاق مختلف تمظهرات الحياة الاجتماعيّة..".([32]).

تلك المرجعيّات كانت حاضرة ومتحكمة في فكر غلينز وهذا ما ظهر في كتابه عن الإسلام في المغرب، قد تبدو في الوهلة الأولى متطابقة تماماً مع التيار العام السائد بين المسلمين. فبالنسبة له يقدم الإسلام كمسوّدة اجتماعيّة لنظام اجتماعي، تعاليم الإسلام فيه تفصيليّة وتغطي كافة نواحي الحياة. وهذه المسودة ذات الطبيعة القانونيّة الأخلاقيّة، تتطلب من المسلمين الالتزام بها والإذعان لموجهاتها. وبذلك يتشكّل المجتمع وتتم صورته على هذا الأساس. والإسلام في نظر غيلنز يتميّز عن غيره من الأديان في قدرته وتفوقه على فرض تعاليمه ومعتقداته على أتباعه، وهو ذو شخصيّة مستقلة عن تصرفات أتباعه في نصوصه المقدّسة التي لا يمكن لكائن من كان، تغييرها أو تحويرها أو العبث بها. كل هذا يمكن رصده في كتابة  (المجتمع المسلم) بقسميه النظري إذ رصد الباحثون بها تعدداً في الموضوعات وهذا ما جاء في الفصل الاوّل و  في  الفصول الأخرى المتبقيّة ومرد هذا الى ما عرف عن غيلنز من تعدد في الاهتمامات، فهو بالإضافة إلى أنّه من أبرز علماء الأنثروبولوجيا البريطانيين، فقد كان أيضاً معروفاً بإسهاماته الفلسفيّة و بالذات في حواره ونقده للمدرسة الإنجليزيّة العاملة في مجال فلسفة اللغة. فضلاً عن ذلك، فإن لغيلنز جهوداً معروفة في مجال دراسة علم الاجتماع السوفييتي (سابقاً)، وعلى وجه الخصوص اهتمامه بالبداوة في وسط آسيا ومقارنتها ببداوة الشرق الأوسط عموماً. وله اهتمام متميز بقضايا الحداثة وما بعد الحداثة، فهو من أكبر نقّادها وأبرزهم، وبخاصة في علاقتها بالدين، وربما كانت مداخلته وجدله مع أكبر احمد في إحدى كتبه الأخيرة عن: "العقل والدين وما بعد الحداثة " وفي هذا الكتاب تكامل مع كتابه السابق من خلال الرؤية التي ينطلق منها نحو فهم الإسلام وهي الرؤية التي تؤكد على الثابت، وهو الشريعة وتهمل المتحول وهي الطقوس لهذا فهو، يسعى في الوقت نفسه الى أن يقدم فيها نقده اللاذع للنسبويّة الغربيّة المطلقة، وكذلك الأصوليّة الوثوقيّة الإقصائيّة للآخرين، والتي يرى بأن أفضل من يمثلها الإسلام السياسي، وهذا ما يظهر بكتابة الثاني ،فهو يصف بنيَة المجتمع الإسلامي بالقول: " قد يكون المقوم المركزي والأكثر أهميّة فعلاً في الإسلام هو انشطاره داخلياً الى إسلام نخبوي رفيع يمثل ثقافته العليا الفقهاء والعلماء والمفكرون، وإسلام شعبوي قاعدي يمثِّل العامة ثقافته الدنيا ."  فهو يحلل هذا القول عبر تأكيده  على التغيرات التي أصابت البنيَة السياسيّة في الإسلام في حقبة التحديث وظهور الاستقلال بالقول :" كان الخطر الذي يدهم الحاكم المسلم متمثلاً في اندماج وتكتل هاتين القوتين: حركة احيائيّة تصر على الحفاظ على الحقيقة الدينيّة المتشددة يؤازرها دعم مجتمعات محليّة ريفيّة ذاتيّة الحكم، متلاحمة ومسلحة وتملك الخبرة العسكريّة مارست هذه المجتمعات المحليّة في العادة شكلاً ثقافياً مختلفاً من الإيمان القاعدي (الشعبي) ." بمعنى أنّه يرصد التحولات الحديثة ؛لأنها جمعت بين فكر تحديثي إصلاحي الى جانب محافظتها على الفكر الشرعي بإطاره العام كما هو في المؤسسات الدينيّة الى جانب الاسلام الشعبي كما هو في الطرق الصوفيّة والأولياء ، وبالآتي فهو يريد إرجاع الصراعات داخل الإسلام الى نمط من الصراع بين تراثين: تراث شعبي وتراث رسمي . ويرى بأنّ الفرق بين النمطين: يعتنق الإسلام النخبوي الرفيع الفقهاء والعلماء في المراكز الحضريّة (وينتمي هؤلاء غالباً الى طبقة التجار إذ تجتمع بين: (الثقافة والعلم والتجارة) وتعكس الميول والقيم الطبيعيّة للطبقات الوسطى المدنيّة وتشمل هذه القيم: (النظام، والتقيد بالقوانين والقواعد، والرزانة والرصانة، والتعلم وتنفر نفوراً شديداً من الحالات الهستيريّة والإسراف في الاهتياج العاطفي والوجداني . والاستعمال المفرط للاستثمارات السمعيّة البصريّة المساعدة على نشر الدين) . يشدد هذا النمط العالم الرفيع من الإسلام النخبوي على الطبيعة التوحيديّة، أمّا الإسلام العام أو إلاسلام القاعدي الشعبي بثقافته الدنيا فمختلف تماما . وإذا ما عرف القراءة والكتابة فهو يفعل ذلك بشكل رئيسي يستعمل الكتابة لأغراض السحر. وليس كأداة للعلم والثقافة وهو يشدد على الشعوذة أكثر من التعلم، والنشوة والوجد والانجذاب الصوفي أكثر من التعقيد بالقانون والنظام . ([33]) فهذا الكتاب يدعم كتابه الأوّل ويؤازره في التأكيد على الجانب الثابت والصلب هو الشريعة وهي التي تعارض الحداثة والقوانين الوضعيّة لهذا نجده، يقول: "الفكرة الرئيسة، أو النظريّة التي يتمحور حولها الكتاب تدور حول أن الإسلام يشكِّل مسودةً لنظام اجتماعي، لأنه يعبر عن وجود مجموعة من القواعد الأزليّة والمنزلة، المستقلة عن إرادة البشر التي تحدد النظام الصحيح للمجتمع، وهي القواعد الموجودة والمحفوظة والمتاحة للجميع وليست في يد طبقة أو هرميّة دينيّة، مما ينفي الحاجة إلى "كنيسة" من دون أن يلغي هذا وجود "الفقهاء" في المجتمع "([34]).

وهو يرجع الأمر الى التاريخ بقوله: "وقد يقوم سواد الناس في المدن بأعمال الشغب تحت قيادة فقيه عالم يحظى بالهيبة والاحترام ؛لكنّه لايشكل تهديداً خطيراً داهماً للسلطات الرسميّة القائمة الخطر الحقيقي الذي يتهددها يكمن في التحالف بين فقيه يتمتع بالاحترام وقبائل طرفيّة تتمتع بقوة عسكريّة . كانت هناك صفة طاغيَة على الحقبة الكلاسيكيّة من الإسلام إذ كانت الدولة مجزّأة بين دولة مركزيّة يحكمها إسلام عالم وأطراف تتمتع بالإدارة الذاتيّة . وبالآتي يصف كل ثوراتها أنها ثورات إصلاحيّة لا نهائيّة أو دوريّة إذ ظلّ يصحح دائماً  السلوك الأخلاقي للمؤمنين ويصلحه([35]).

المبحث الثالث

المواقف النقدية من المنهج الانقسامي لدى إرنست غيلنز

لقد كان الكاتب إرنست غيلنز الذي نتناول فكره وخصوصاً كتابه عن الانثربولوجيا فالاسلام معروف في الأوساط العلميّة وقد كان موضوعاً لدراسات وانتقادات عديدة. تناولت جوانب عديدة من ما قدمه غيلنز. فبعضها تناول أطروحة غيلنز الأساسيّة بالنقد والدراسة.

و غيلنز يعرض أفكاره بوصفها أفكاراً ” موضوعيّة ” نزيهة من أي تحيّز أو تحامل على المجتمعات التي يدرسها، بل إنّ بعض علماء الأنثروبولوجيا المسلمين كانوا يعدّونه من أبرز المناصرين للرأي المسلم أو على الأقل المدافعين عنه والمتفهمين لدوافعه! وما يجعل لمثل هذه الآراء أهميتها، أن غيلنز كان دائم الحضور في المحافل السياسيّة البريطانيّة والأوروبيّة المهمة، ولعل شغله لمنصب كرسي الدراسات الأنثروبولوجيّة في جامعة كمبريدج ومن ثم إبراز اهتمامه بدراسة الإسلام، عامل مهم للغايَة في تاريخ الدراسات الأنثروبولوجيّة عموماً وفي تاريخ كامبريدج على وجه الخصوص! ([36]).

طلال أسد: 

في مقاله “البحث عن مفهوم لانثروبولجيا الإسلام” والذي يرى فيه طلال اسد  أن غيلنز بسط الإشكاليّة التي يدرسها بشكل مخل وتجاهَل حيويّة تاريخ المسلمين وطبيعة تعاملهم مع النصوص الإسلاميّة الأساسيّة، وهو يرى بأنّ ما قدّمه غيلنز عبارة عن نص مقدس يعمل في الهواء، إذ هو غيّب المسلمين بوصفهم كائنات تتفاعل وتعيش تعاليم النص المقدس. ويقترح أسد في هذا المضمار، إعادة النظر في نوعيّة الخطاب الإسلامي برمته، الأمر الذي يتجاهله غيلنز في نظره، ويرى أسد بأنّ من أهم مميزات هذا الخطاب أنه استطراد تفسيري تراكمي على النص المقدّس (القرآن والسنة) فضلاً عن السوابق التاريخيّة والظروف والسياقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة التي يمر بها المجتمع، ومن تفاعل هذه الأمور تتولد عمليّة التفاعل مع النصوص المقدسة والتعامل معها.

وحاول بأن يؤكد على نقده في توظيف المستشرقين لمفهوم الانقساميّة في المجتمع المغربي و الذي استمر عليه غيلنز عندما أكّد على أنّ سمات المجتمع المسلم التقليدي مبنيّة على أساس ثلاثة مفاهيم مختلفة جداً .فدين القبيلة المعياري هو "دين الدراويش والمرابطين " وفي كلمات غيلنز يتجسد لنا مفهوم دوركايمي في الأعياد . ويجعلها مبهمة كشيء مقدس ومرئيّة رائعة وأصيلة لذا فإن مفهوم الدين  يشمل هنا الإشارة إلى قراءة الطقوس الجماعيّة على اعتبار كونها عمل مقدس – والأمر نجده كذلك عند دوركايم باعتبار الدين تمثيلاً رمزياً للبنيات الاجتماعيّة والكونيّة .

أمّا في المفهوم المستعمل لوصف دين فقراء الحضر فهو مختلف كلياً وهو مشتق بوضوح من الكتابات المبكِّرة لماركس عن الدين وذلك على أساس أن الدين "وعي زائف " فيكتب غيلنز :" للمدينة فقراؤها وهم بدون جذور وغير مستقرين ومغتربين و ما يحتاجونه من الدين هو الاندماج و التماسك أو الهروب وذوقهم يميل إلى القساوة والإثارة مع انخراط في الطرف الديني والذي هو نسيان أيضاً .

أمّا حينما نلتفت إلى دين البرجوازيّة فإننا نواجه أفكاراً تنظيميّة نجدها جديدة أيضاً، إذ يعلِّق غيلنز فيقول :"إن  البرجوازي الحضر الذي هو أبعد ما يكون عن تذوق الاحتفالات العامة، ويفضل المتعة العاقلة  في التقوى التي تقوم على العلم، و هو ذوق أكثر تجانساً مع كبريائه  و رسالته التجاريّة" ([37]).

هنا يقول طلال اسد :"هذه الطرق المختلفة في الحديث عن الدين – القبلي و الحضري – هي ليست مجرد جوانب مختلفة للشيء نفسه . إنها بناءات وصيغ مختلفة تحاول أن تقدِّم أشياء مختلفة، وترفض افتراضات مختلفة حول: (طبيعة الحقيقة الاجتماعيّة و أصول الاحتياجات و  مبرر المعاني الثقافيّة )، ولهذا السبب، فإنها ليست مجرد تقديمات مختلفة، بل إنّها بناءات متباينة، و عند الإشارة اليها فإننا لا نقارن بين متشابهات"([38]).

كذلك يعيب أسد على غيلنز الأسلوب التلفيقي الذي تعامل به في دراسة المجتمعات الشمال أفريقيّة الذي يقدمه في كتابه، وعلى وجه الخصوص كيفيّة استعمال غيلنز لمفهوم الدين ووظائفه عند ماركس ودوركايم وفيبر وجعلها كما لو كانت مفاهيم منفصلة يمكن استعارتها بعيداً عن المنظومة النظريّة التي تنتمي إليها. ([39])، وهكذا أرجع تلك الاستعارات التي قد تبدو في ظاهرها معبرة ومنتجة أو حتى ذكيّة، إلا أنّها في حقيقتها تناصات تم توظيفها من دون تبيئتها مع المحيط المدروس "المغرب" بل تمّ إسقاطها بشكل لم يراع تباين البيئات الثقافيّة والاجتماعيّة بين الغرب والمغرب كما ظهر في تبين مرجعياتها كما كشفها طلال أسد فهي ليس نتيجة توصل لها بعد تجارب ميدانيّة ؛ بل إسقاط نتائج متولدة من مجتمع مختلف تم نقلها وإسقاطها على مجتمع مختلف في مداخلاته ومخرجاته .اذ لم تزل تلك الدروس حاضرة كما كشفها أسد . ونتيجة هذه الممارسة جعلنا نتردد في قبول مجمل الأطروحة؛ بسبب هذه الأجزاء المنتزعة من سياقاتها.

سامي زبيدة:

ينتقد غيلنز انطلاقاً من زاويّة مختلفة تماماً، فهو يرى بأنّ نموذج غيلنز أو أطروحته، إن صدق فإنما يصدق على المجتمعات البدويّة في شمال أفريقيا التي درسها في الأصل ابن خلدون والتي لم يضف غيلنز الكثير إليها على ما قدّمه ابن خلدون! ومن ثم تعميم إطروحة غيلنز على المجتمعات الإسلاميّة أمر يحتاج لإثبات. وفي الواقع يقدِّم زبيده اعتراضاته الواحد تلو الآخر مؤكداً على أنّ المجتمعات البدويّة لا تشكل سوى جزء أو صنف من أصناف أخرى ظهرت في العالم الإسلامي والشرق الأوسط على وجه الخصوص. وفي هذا السياق يقدم كنموذج “المجتمع العثماني” وهو مجتمع تميّز بنظام اجتماعي وسياسي حضري مركب متميز ببيروقراطيّة واسعة وحياة حضريّة مركّبة. صحيح إن مثل هذا المجتمع قدّم نماذج نظريّة لدراسته من مثل مجتمعات الاستبداد الشرقي أو المجتمعات المائيّة أو أسلوب الإنتاج الآسيوي وخلافه، فضلاً عن إمكانيّة دراسة أمثال هذا المجتمع، وعلى الرغم من تعدد صوره ونماذجه، بوصفها مجتمعات إمبراطوريّة. بطبيعة الحال يمكننا إضافة مجتمعات الجزيرة العربيّة ذات البناء والتاريخ الاجتماعي المختلف، وكذلك مجتمعات جنوب وجنوب شرق آسيا وكذلك وسط آسيا، و الأقليّات المسلمة في آسيا وأوروبا وأفريقيا، والتي تقدِّم نماذج مجتمعيّة ربما كان من الصعب أن نتصور بأنّ أنموذج غيلنز يمكن أن يقدِّم تحليلاً لبنيتها وأسلوب الحياة فيها. وفي رأينا يظهر بأنّ آراء زبيده في هذا الخصوص صائبة. وإن كانت كل ما تفعله هو أنّها تجعل أطروحة غيلنز محصورة في دراسة مجتمعات شمال أفريقيا! ([40]).([41]).

عبد الله حمودي وغيره:

ظهرت مجموعة أخرى من الدراسات النقديّة من الباحثين المغاربة الذين اعترضوا على صلاحيّة الأُنموذج الانقسامي لدراسة مجتمعات شمال أفريقيا، مقدمين في نقدهم العديد من الأمثلة التاريخيّة والاجتماعيّة على عدم صلاحيّة النموذج النظري أو مصداقيّته لتفسير ما كان يجري فعلاً في تلك المجتمعات. وإن كان النقد مركز على الأدوات والمفاهيم وليس بمجمل الأطروحة. ومن تلك الملاحظات على الأدوات الملاحظات الآتيّة:

 أ‌- إسقاط الأنموذج: ونعني بذلك أنّ الانقساميّة سقطت في فخ الأنموذج الذي كان دوركايم قد رسم معالمه فيما سبق واستكمل انجازه ايفا نز بريتشرد في إطار مجتمع نيلي له خصوصيّات تميزه عن المجتمع الإسلامي في منطقة برقة.

ب‌- إهمال البعد التاريخي والتراتب الاجتماعي: يضاف إلى ما سبق أنّ التناقض البارز الذي وقع فيه الانقساميون هو التناقض مع واقع القبائل التي قاموا بدراستها وهذا هو الذي أدى بهم إلى فصل القبائل عن سياقها التاريخي العام.

ج- إهمال أشكال الملكيّة: وفضلاً عن ذلك إن ما يبعث على الاستغراب والدهشة لدى الباحثين ذوي المنحى الانقسامي إهمالهم لمسألة تحليل أشكال الملكيّة داخل المجتمعات القبليّة؛ وذهولهم الشديد عن البت في تأثير الإسلام على نظام الملكيّة.

د- نقد نظريّة الجد المشترك: حينما ركزت النظريّة الانقساميّة على مسألة الجد المشترك الذي تنحدر منه القبيلة فإنها بذلك جانبت الصواب كثيراً. فالواقع يثبت بما لا يدع مجالاً للارتياب، أنّ الجد المشترك المزعوم قد لا يكون جداً فعلياً.

هـ- المرابطون وطوبى التحكيم: يتبين مما سبق بأنّ غلينز يعطي أهميّة قصوى للمؤسسة المرابطيّة في الحفاظ على توازن القبيلة؛ في حين تفيد بعض الدراسات التي أنجزت في حقل التاريخ الاجتماعي المغربي بأنّ الصلحاء كانوا رجال حرب من الدرجة الأولى؛ فقد كانوا يكلّفون بمهام إخماد الفتن؛ وشد أزر السلطان عبر التعاون مع ممثلي المخزن المحليين لإخضاع السكان إما، بالترهيب وأمّا بالترغيب.

وقد تناولها "عبد الله حمودي" (مواليد 1945)  في دراسته النقديّة لانقساميّة غيلنز؛ بين كيف أنّ هذا الأخير لم يفطن لأمر وجود عائلات كبرى تحظى بالتقدير الكبير من لدن العطاويين وهم المعروفون بـــ "اختارن" مفرد "أختار" وتعني الكلمة الشيخ أو الكبير/كبير القوم . فـــ " اختارن" هم الذين يحتكرون الرئاسة ؛نظراً لعراقة نسبهم وكرمهم. يقول حمودي في هذا الإطار: "يحدّد النسب ظاهرياً القسمات الاجتماعيّة باعتبارها مفهومة للمجموعات البشريّة ولمستويات الانقسام التي تحتلها وكذلك لنقاط الانصهار والانشطار".

أمّا بخصوص الصراعات يرى الأستاذ حمودي بأنه بسبب الصراعات القبليّة المستمرة يحدث أن تستولي قبيلة ما على أدوار أو على قبيلة أخرى فيتم إدماج المجموعات المغلوبة من ضمن المجموعات الغالبة؛ ومنح أعضائها حق اللجوء، والضيافة وفي نهايّة المطاف إعطاء أسماء جديدة للمناطق التي تم إخضاعها. ويردف حمودي قائلا: " بهذا الأسلوب يبرر الغزاة شرعيّة وجودهم واستحواذهم على أراضي القريّة، كما يحاولون إعطاء صورة متجانسة بالنسبة للخارج عن المجموعة التي يشكلونها مع “مستقبليهم"، وفي النقطة التي تناولت توظيف غيلنز لمفهوم " الصلحاء "يرى عبد الله  حمودي: بأنّ صلحاء زاوية التي درسها غيلنز كانوا يتميزون بقدرة هائلة على إخماد الفتن بالقتال الضاري الشيء الذي يجرنا إلى القول بأنّ "الأكرام" زعيم عسكري يقود جموعه التي يرتكب بها أحياناً مجازر وحشيّة في حق المعارضين الأمر الذي يضحي معه خطراً على السلطان نفسه. وهو ما يقذف بنا إلى القول بأن مسالمة الصلحاء، وأدوارهم التحكيميّة بين القسمات المتنازعة؛ تظل في تقديرنا في غايَة النسبيّة، كما لاحظ ذلك غيلنز.

إدوارد سعيد :

بطبيعة الحال لا بدّ لنا من التعريج وبشكل سريع على الجدل الساخن الذي دار بين إدوارد سعيد وغيلنز والقائم على التناول الإيديولوجي الشخصي بين طرفين والذي يوضح كيف أن كليهما حاول بأن يكون "الممثل" الرسمي لوجهة النظر التي يقدمها أو يتبناها، ولا حرج في ذلك أن يلحق بالآخر الغمز في النوايا أو الطعن في عمق المعرفة وعلميّة التناول.

على الرغم من أنّ علماء الانثروبولوجيا لا يعدون أنفسهم من المستشرقين وغالباً ما ينظرون الى المستشرقين التقليديين بازدراء ؛ وسبب ذلك هو أنّ تدريبهم داخل حقل علم الانثروبولوجيا أقوى من تدريبهم في (لغات و آداب وتاريخ الشرق الأوسط ).لكنهم مع ذلك يقعون من ضمن تعريف إدوارد سعيد للمستشرق :" كل من يدرس أو يكتب أو يبحث في أمور الشرق " ([42])، ثم إنّه يعرِّف الاستشراق بوصفه " أسلوباً للتفكير يعتمد على تفريق أنطولوجي و إبستمولوجي بين "الشرق " وبين "الغرب" ويرى بأنّ الاستشراق عبارة عن "مؤسّسة منظمة للتعامل مع الشرق تعليمه ووصفه بل وحكمه"([43]).

فإنّ الاختلاف في مستوى المنهج وتقديمه على مناهج المستشرقين لا يعني تبرئة الانثروبولوجيا من ارتباطها بالاستشراق الجديد، وارتباطها به وبالسلطات الداعمة للبحوث والغايات القائمة على معرفة الآخر نفسها ومن ثم حكمه والهيمنة على مقدراته، لهذا نجد بأنّ رجال الاستشراق الجديد يحتلون مكانة مهمّة في الخطاب الغربي في رسم الاستراتجيات واحتلال مكانة مهمّة في المؤسّسات الغربيّة السياسيّة والعلميّة . ومن هنا يمكن بأن يكون العريف سعيد يشمل الاستشراق الجديد عموماً وغيلنز خصوصا، فالرجل له ارتباط كبير بالاستشراق ،فقد عرف بتعدد اهتماماته، وبسبب أسلوبه الذي لا يخلو من نبرة أنويّة، وأسلوب كتاباته الذي يسعى فيها إلى إسقاط أحكام وتنبؤات على المستقبل ،و ليس فقط إلى تناول الواقع ،وبنبرة وثوقيّة بها قدر كبير من الجرأة والاعتزاز بالنفس. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار المكانة العلميّة والمنصب الأكاديمي الذي شغله غيلنز، أدركنا كم هو مهم بأن نقدر صدى وقيمة ما يعرضه من أفكار وآراء سواء في كتبه أو مقالاته الصحفيّة أحياناً.

ثارت طائفة كبيرة من الجدل والنقد في كتاب الاستشراق وأعمال إدوارد سعيد الأخرى، فقد رأى إرنست غيلنز، بقوله:  إنّ زعم إدوارد سعيد بأنّ الغرب قد سيطر على الشرق لمدة أكثر من 2000 عام أمر مستحيل، فلقد كانت الإمبراطوريّة العثمانيّة حتى أواخر القرن السابع عشر  الميلادي تُشكِّل خطراً كبيراً على أوروبا.([44])

*  هوامش البحث  *

([1]) http://mawdoo3.com/

([2]) ا. ج آربري. المستشرقون البريطانيون .تعريب محمد الدسوقي النويهي. لندن، 1946، ص8.

([3]) م.أ. جويري، علم الشرق وتاريخ العمران، الزهراء، الربيع الاول 1347ه ،ص11-14. بواسطة علي مراد، معجم اسماء المستشرقيين، www.alkottob.com

([4]) رضوان السيد، المستشرقون الالمان –النشوء والتأثير و المصائر، نشر المدار الإسلامي، ط1، 2007م، ص11.

([5]) http://mawdoo3.com/

([6]) محمد زاهد، أيت ورياغر، قبيلة من الريف المغربي: أسئلة الأنتروبولوجيا ومداخل الإثنوغرافيا.

([7]) ليلى أبو اللغد، المجالات النظريّة في أنثروبولوجيا العالم العربي ،ص 89. وانظر ادوارد سعيد، الاستشراق، نقله الى العربية كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، بيروت، 1981، ص 269.

([8]) ليلى أبو اللغد، المجالات النظريّة في أنثروبولوجيا العالم العربي، وانظر ادوارد سعيد، الاستشراق، ص 196.

(([9] حسين فهيم، قصة الأنثروبولوجيا فصول في تاريخ علم الانسان، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون و الآداب، ط1، الكويت، 1986م، ص 18.

([10]) قد صوّر دوركايم النتيجة في نظرته الى الطوطميّة بوصفها تعبيراً مادياً عن حقيقة مجردة، ترمز إلى شيئين ،فهي الصورة الخارجيّة المحسوسة لما يسمى بالإله الطوطمي من جهة، ورمز خاص للعشيرة تميزها من باقي العشائر من جهة اخرى، وعلى هذا الأساس ظن دوركايم أن الإله والجماعة ليسا سوى شيء واحد ،أي أن إله العشيرة هو العشيرة نفسها، ومن ثم لم تعبد العشيرة إلهاً بل عبدت نفسها .

([11]) لطفي الإدريسي، أهم نتائج الطرح الانقسامي بخصوص القبيلة المغربيّة ،دراسة سابقة .

([12]) انظر: جون واتربوري، أمير المؤمنين " الملطية و النخبة السياسية المغربية، ترجمة: عبد الغني ابو العزم واخرون، مؤسسة الغني،ط1، الرباط، 2013.

([13]))  ونظر: M iddelton (J)- Tait (D): 1958 ; Tribes without Rulers , Studies in African Segmentary Systems ; London ; Mair (L) M 1962, Primitive government.

([14]) عبد الرحمن، بعض مفاهيم العلوم الإنسانيّة من منظور المؤرخ ،.المودن 15 نوفمبر 2015م.

([15]) المصدر نفسه إذ يبين بأنّ: "دراسة (إرنست كلنر) حول قبائل الأطلس الكبير – الأوسط المواليّة لزاويّة أحنصال، وقبله (د.هارت) الذي يعد أول من درس واقع القبائل المغربيّة من خلال أنموذج التحليل الانقسامي؛ حيث قام بدراسة ثلاثة قبائل هي: (آيت عطا) بالأطلس، (دكالة) بالجنوب و (بني ورياغل) بالريف الأوسط. وأخيرا (رايمون جاموس) الذي ركز دراسته الشهيرة حول "العرض والبركة"، على إحدى قبائل الريف الشرقي، والأمر يتعلق بقبيلة "قلعيّة".

([16]) لطفي الإدريسي، أهم نتائج الطرح الانقسامي بخصوص القبيلة المغربيّة ،الحوار المتمدن-العدد: 2907 - 2010 / 2 / 4 - 07

([17]) البدائيّة: هناك تقسيم ينظر الى تاريخ البشريّة بالشكل الآتي: المرحلة الوحشيّة التي تتميز بالعيش على النباتات و الحيوانات البريّة واستعمال آلات العصر الحجري والمرحلة الثانيّة البربريّة التي تتميز بظهور الزراعة والآلات المعدنيّة ونوع من الحياة الجماعيّة في القرى والحواضر والمرحلة المتمدينة التي بدأت عندما اكتشف الإنسان فن الكتابة .أنظر :أشلى مونتاغيو، البدائيّة، ترجمة محمد عصفور، عالم المعرفة ،الكويت، ص54.

([18]) مبروك بوطقوقة، المنهج الأنثروبولوجي والدراسات الميدانيّة

: https://www.facebook.com/profile.php?id=100006738151849

[19]  http://www.mominoun.com

([20]) إنّ توجه الانثروبولوجيين البريطانيين نحو دراسة البناء الاجتماعي والوظيفة قد جاء متأثراً بالاتجاه التجريبي عامة وبأفكار المدرسة الفرنسيّة لعلم الاجتماع. وهكذا توجهت المدرسة الانثروبولوجيّه البريطانيّة نحو دراسة الأنساق الاجتماعيّة Social Systems والبناءات الاجتماعيّة Social Structures مما جعل من مفهوم الانثروبولوجيا الثقافيّة عندهم يتطابق مع مفهوم الانثروبولوجيا الاجتماعيّة Social Anthropology على خلاف المدرسة الأمريكيّة التي اتخذت موقفاً متطرفاً حيال التميز بين الأنثروبولوجيا الثقافيّة والانثروبولوجيا الاجتماعيّة كما يبدو ذلك جلياً من تركيزهم على دراسات الثقافة وإهمال دراسة السلوك الاجتماعي وكما في أعمال رالف لنتون وكلاكهون وبواس . انظر: عيسي شماس، مدخل إلى علم الإنسان، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2004م، ص16.

([21]) د. طلال اسد: أستاذ الانتربولوجيا بجامعة هل البريطانيّة، له العديد من المؤلفات منها الانتربولوجيا، و الاستعمار. ودراسة عن بدو الكبابيش في السودان فضلاً عن كونه محرر من محرري الاقتصاد و المجتمع.

([22]) انظر: عبد الرحمان المودن، بعض مفاهيم العلوم الإنسانيّة من منظور المؤرخ، . 15 نوفمبر 2015م في دراســات.

([23]) ابن خلدون ،المقدمة ،بيروت ،دار القلم ،1989م.ص130.

([24]) عبد العزيز قباني ،العصبيّة بنيّة المجتمع العربي ،دار الافاق الجديد ،بيروت ،ط 1، ص19.

([25]) عالم انثروبولوجيا انجليزى كبير أسهم في تطوير الانثروبولوجيا الاجتماعيّة. كان بروفيسور في الانثروبولوجيا الاجتماعيّة في جامعة اوكسفورد فى انجلترا من سنة 1946 – 1970م. عمل محاضراً في جامعة القاهرة سنة 1932 م. عمل دراسات و ابحاث مهمه عن قبيلة الأزاندي و النوير فى افريقيا

. https://arz.wikipedia.org/wiki

([26]) الشخصيّة العراقيّة وانثروبولوجيا الدين/ في ضوء أطروحات آرنست غيلنز، 2015م-04-22:    http://www.baytalhikma.iq/News_Print.php?ID=302

([27] (Hume ,A Treatise of Human Nature .Edited by LA Selted-Bigge (Oxford:the Clarendon pres,1896.

([28]) عبدالله بن عبد الرحمن الوهيبي، حول الاستشراق الجديد مقدمات اولية، مجلة البيان، ط1، الرياض، 1435هـ، ص 105.

([29]) انظر: علي ليلة، ماكس فيبر و البحث المضاد في أصل الرسماليّة، المكتبة المصريّة، ط1، الإسكندريّة، 2004م.

([30]) ماكس فيبر، الأخلاق البروتستانتيّة وروح الراسماليّة، ترجمة، محمد علي مقلد، مركز الانماء القومي، ط1، بيروت،ص12.

([31]) 2-J. Beckford, Religion and Advanced Industrial Society (London: Unwin-Hyman, م1989)p:32.

([32] (LaCapra D., (2001), Emile Durkheim. Sociologist and Philosopher, Aurora, Colorado: The Davies Group, Second Ed., p. 236

([33]) ارنست، غيلنز، العقل والدين وما بعد الحداثة، دار المدى للطباعة والنشر، ط1، بيروت .

([34]) محمد م الأرناؤوط: عرض لكتاب مجتمع مسلم لأرنست غيلنر ترجمة أبو بكر أحمد باقادر 2005م، موقع أرنتروبوس.

([35]) ارنست، غيلنز، العقل والدين وما بعد الحداثة، ص34

([36]) محمد م الأرناؤوط: عرض لكتاب مجتمع مسلم لأرنست غيلنر ترجمة أبو بكر أحمد باقادر 2005م، موقع أرنتروبوس.

([37]) انظر: طلال اسد، فكرة انثروبولوجيا الإسلام، ضمن الفصل الثاني من تحرير وترجمة ابو بكر أحمد باقادر، انثروبولوجيا الإسلام، دار الهادي، ط1، بيروت، 2005م، ص 49-53.

([38]) المصدر نفسه، 70-74.

([39]) محمد م الأرناؤوط، عرض لكتاب مجتمع مسلم لأرنست غيلنر ترجمة أبو بكر أحمد باقادر 2005م، موقع أرنتروبوس.

([40]) محمد م الأرناؤوط، عرض لكتاب مجتمع مسلم لأرنست غيلنر.

([41]) ليلى أبو اللغد، المجالات النظريّة في أنثروبولوجيا العالم العربي، ضمن الفصل الثالث، من تحرير وترجمة ابو بكر أحمد باقادر، انثروبولوجيا الإسلام، دار الهادي، ط1، بيروت، 2005،ص85-

([42]) ليلى أبو اللغد، المجالات النظريّة في أنثروبولوجيا العالم العربي ،ص 89. وانظر ادوارد سعيد، الاستشراق، ص 269.

([43]) نفس المصدر والصفحة .

([44]) إدوارد سعيد.. مثقف فى مواجهة العالم http://almadasupplements.com/news.

***