البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

النسخ وعلاقته بجمع القران عند المستشرقين

الباحث :  أ.م.د. ستار جبر الأعرجي - جامعة الكوفة / كلية الآداب و رباح صعصع عنان الشمري
اسم المجلة :  دراسات إستشراقية
العدد :  1
السنة :  صيف 2014 م
تاريخ إضافة البحث :  June / 13 / 2015
عدد زيارات البحث :  3288
تحميل  ( 5.365 MB )
مقدمة
جون جلكريست (Gilchris John) مستشرقٌ معاصرٌ من جنوبِ أفريقيا، تحديداً في مدينة (بينوني)(1) كاتبٌ معروفٌ على الصعيدِ الدولي، ومدرسٌ، ومفكرٌ، وكان يتحدثُ أكثرَ من ثلاثين عاماً عن التوعيةِ الشخصيةِ للمسلمين في جنوبِ أفريقيا،. ينتمي جون إلى الديانةِ المسيحية، المذهبِ البروتستانتي وانخرطَ في التبشيرِ المسيحي على مدى السنواتِ الـخمسِ والثلاثين الماضية، وأهمُّ ما يميّزُ كتاباتِه ومؤلفاتِه، أسلوبُها الدفاعيُّ الناقدُ لكتابات غيره.
له مناظراتٌ كثيرةٌ مع شخصياتٍ إسلاميةٍ منذ سبعينياتِ القرنِ الماضي، منها: مع (الشيخِ شبير حليف Shabir Ally) من (تورونتو أكبرِ مدنِ كندا) وأبرزُها مع الشيخِ أحمد ديدات من جنوبِ أفريقيا(2).
كتب عن جمعِ القرآنِ وما يرتبطُ به، تارةً بشكلٍ متناثرٍ في مؤلفاتِه، وأخرى مستقل، تمثل بكتابه: « جمع القرآن ـ تدوين نص القرآن».
(JAM' AL-QUR'AN THE CODIFICATION OF THE QUR'AN TE(.
وتطرق لموضوع النسخ في كتابه متعمداً، محاولاً بكل ما أُوتي من قوة، سحب وجرّ موضوع النسخ إلى عملية جمع القرآن وجعله ركناً اساسياً فيها، واعتباره من الاسباب الرئيسة المهمة لعدم جمع القرآن في عهد النبي؛ تماشياً مع المعطيات المتوافرة في المصادر الإسلامية.
إذ قال بكل اعتزاز؛ لأنه متحصن بمعطياته الإسلامية الحديثية: «حين كان لايزال [النبي] على قيد الحياة كانت هناك دائماً إمكانية نزول أجزاء جديدة من القرآن، ولهذا لم يكن من الممكن جمع النص في كتاب واحد... بشهادة القرآن نفسه كان من الوارد نسخ بعض الآيات خلال فترة النزول (بالإضافة إلى ما تم نسخه من قبل) وهذا ما يحول دون جمع النص في كتاب واحد ما دامت إمكانية نسخه قائمة» (3).
ولأهمية موضوع النسخ، أهمية قصوى؛ لما له من تداعيات خطيرة على مستوى البحث القرآني؛ ولأنّ موضوع النسخ أخذ مأخذاً واسعاً من المستشرقين ومنهم، المستشرق جون جلكريست، حيث الفهم المغلوط والمتعمد من قبلهم، فكان من الأجدر بيان حقيقة الفهم الصحيح للنسخ في القرآن. بعيداً عن التفاصيل الفرعية من قبيل التعريف بمفردات النسخ لغةً واصطلاحاً، والاستشراق لغةً واصطلاحاً، وغيرها.
هذا وسيكون رأي المستشرق جلكريست، هو محور البحث، وعليه تُعقد المناقشة، واسلوب المناقشة معه كلٌ بحسبه، وعلى وفق مايستدل به، فإذا كان استدلاله على رأيٍ ما أو شبهةٍ ما، نقلياً، سيكون جوابه ونقاشه عبر المنظومة النقلية، وإذا كان عقلياً، منطقياً، فلسفياً، سيكون كذلك.
فبناءً على ما تقدم ذكره تم تقسيم البحث بعد المقدمة إلى مبحثين وأُردفت بخاتمة تضمنت خلاصة ونتيجة، بعدها قائمة بمصادر البحث.

المبحث الاول
مفهوم النسخ وتطبيقاته عند جلكريست
كما مرّ في المقدمة، حاول جلكريست أن يربط النسخ بجمع القرآن ارتباطاً وثيقاً كأنه لا ينفك أبداً، معتمداً على الرأي القائل: بأن سبب عدم جمع القرآن هو ما يَرِدُ عليه من النسخ في حياة النبي. ومن خلال ما يعدهُ هو نسخاً، اعتماداً على بعض مصادر المسلمين، يحاول إثبات ان نصوصاً كثيرةً فقدت بالكامل من القرآن، ويقول: إن بعض المسلمين لا ينكر هذا الفقدان، لكنّ هؤلاء يقدمون، جواباً مغايراً بمبدأ أن الله نفسه قد نسخ هذه الآيات حين كان محمد ما زال يتلقى الوحي منه وكان القرآن في طور النشوء (4).
فيفهم النسخ من آية: ) ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أو نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أو مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ((البقرة: 106)، بأنه حذف وإلغاء ورفع الآية من القرآن كلياً وتغيير النص، ويقول: «هنالك مقاطع قرآنية أخرى تدعم التأويل الواضح، من بينها: ) وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( (النحل: 101)، هذه الآية تدل بوضوح على استبدال وحذف بعض النصوص من القرآن نفسه فهي لا تقول إن الله استبدل كتاباً معيناً (التوراة أو الإنجيل) بكتاب آخر بل استبدل آية بأخرى»(5).
وتلميحاً لدفع مقولة النسخ في الكتب السماوية قال: «النسخ الذي يتحدث عنه القرآن لا يمكن أن ينسب للكتب السماوية السابقة بل يتعلق كلياً بنصوص القرآن نفسه. هكذا فُهِمت آية النسخ في العهد الأول للإسلام »(6) ؛ لذا يتساءل على وفق هذا الفهم: «إذا كانت هنالك أجزاءً من القرآن قد نُسِخت و حُذِفت فهل كانت هذه الاجزاء ضمن اللوح المحفوظ؟ إذا أجبنا بنعم فالنتيجة الحتمية هي أن المصحف الحالي ليس نسخة طبق الاصل لما يوجد في اللوح المحفوظ؛ لأن هذا الآخير لا يمكن تغيير أي جزء منه لأنّه كلام الله الأبدي. إذا أجبنا بلا فكيف أمكن أن توحى هذه الأجزاء المنسوخة لمحمد وتُعتبر من القرآن خلال فترة معينة قبل نسخها وهي ليست من اللوح المحفوظ؟ »(7).
لكن هذا الفهم متعمد الخطأ؛ لأن النسخ لا يوجب زوال نفس الآية من الوجود وبطلان تحققها، بل زوال الحكم؛ إذ تجد في الآية الكريمة المتقدمة، علّق بالوصف وهو الآية والعلامة مع ما يلحق بها من التعليل في الآية بقوله تعالى: )أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ( ، أفاد ذلك أن المراد بالنسخ هو إذهاب أثر الآية من حيث إنها آية، أعني إذهاب كون الشيء علامة مع حفظ أصله، فبالنسخ يزول أثره من تكليف أو غيره مع بقاء أصله(8).
بل أكثر فـ «النسخ كما أنه ليس من المناقضة في القول وهو ظاهر كذلك ليس من قبيل الاختلاف في النظر والحكم وإنما هو ناشئ من الاختلاف في المصداق من حيث قبوله انطباق الحكم يوماً لوجود مصلحته فيه وعدم قبوله الانطباق يوماً آخر لتبدل المصلحة من مصلحة أخرى توجب حكماً آخر، ومن أوضع الشهود على هذا أن الآيات المنسوخة الأحكام في القرآن مقترنة بقرائن لفظية تومئ إلى أن الحكم المذكور في الآية سينسخ كقوله تعالى: ) وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أو يَجْعَلَ اللهُ لَـهُنَّ سَبِيلاً ( (النساء: 14)، انظر إلى التلويح الذي تعطيه الجملة الأخيرة»(9).
ومن ثَمّ يلملم جلكريست جميع أطراف قوته ليستنبط من آية )ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ( وآيات اُخر) وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ( على أن القرآن ناقص ومتغير ومتبدل فيقول: «إن القرآن نفسه يعترف أن الله قد نسخ وألغى مقاطع مبكرة اُنزلت على محمد، يمكن للمرء أن يعتقد أن التسليم بهذه المسألة كافٍ للبرهنة على أن القرآن الحالي غير مكتمل. هذا بالفعل ما يعيه العلماء المسلمون الحديثون لذلك ينكرون نظرية النسخ»(10) وبعدها يحاول تذويب النص خدمةً لمبتغاه بنقص القرآن ليقول: «تفترض هذه النظرية أن كل جزء من القرآن لم يتم ضَمُّه للمصحف وقت جمعه أو ألغي لسبب آخر وجب أن يكون الله قد نسخه»(11).
ويدعي أن علماء المسلمين لا يقبلون النسخ ـ الذي حسب فهمه ـ لأنه يتقاطع مع أهوائهم «هذه النظرية لا يتقبلها بعض العلماء المسلمين الآخرين لأسباب اخرى. فهي مثلا تُصَور الله كأنه إله يتراجع عن ما صدر عنه من قرارات سابقة كما لو كان معرضاً لتغيير رأيه أو لأنه يكتشف أفكاراً أحسن ! بالرغم من هذا يجب أخذ النص القائل بالنسخ بمعناه الذي فُهِم على أساسه اصلاً وليس كما يريده العلماء المعاصرون خدمة لأهوائهم الذاتية»(12).
ويستدل على فهمه هذا بروايات من صحيح البخاري منها ما يُعرف برواية بئر معونة «... قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ...»(13) ثم يردفها بالقول «هذا الحديث يعتبر مشهوراً فقد ورد عند كل من ابن سعد والطبري والواقدي ومسلم. بخصوص هذه الحادثة يقول السيوطي إستناداً إلى الصحيحين: و نزل فيهم قرآن قرأناه حتى رُفِع»(14) وعبارته هنا (يقول السيوطي )؛ لإيهام القارئ بزيادة المصادر للرواية، فعند مراجعة كتاب الاتقان للسيوطي تجده ينقل الرواية نفسها عن الصحيحين، وإن كان لا بأس بعدد المصادر التي نقلت الرواية؛ لكنها لا تفيد مهما بلغ عددها؛ لأنها رواية آحاد وهو (أنس بن مالك) وليست متواترة، فـ«إن مستند هذا القول أخبار آحاد وإن أخبار الآحاد لا أثر لها في أمثال هذا المقام»(15) فالعبرة ليست في كثرة المصادر التي تنقلها، بل في كثرة رواة الرواية وتعدد طرقها في كل طبقة. والظاهر أنّه استنبط الفهم الخاطئ للنسخ من ظواهر الروايات الصريحة، ومن فهم بعض علماء الإسلام، إذ يقول: محاولة علماء المسلمين لتفسير سقوط آيات من القرآن بنظرية النسخ ما هي إلا محاولة يائسة للتغطية على ما شاب عملية جمع القرآن من سلبيات جعلت المصحف المتداول حالياً لا يتسم بالكمال(16). ويستدل لذلك بما يسميها آيات منسوخة منها:

أولاً ـ ما تسمى بآية (طمع بني آدم) :
مفادها أن الإنسان مهما أعطي من الثروة فهو لا يقنع بل يطمع في أكثر. وهي ماجاء «عن أبي واقد الليثي قال كنا نأتي النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم إذا أُنزل عليه فيحدثنا فقال‏ لنا ذات يوم: إنّ الله عز وجل قال‏:‏ إنّا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم وادٍ لأحب أن يكون إليه ثانٍ ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب» (17).
وأيضاً مرة أخرى يعوّل على شهرة الحديث تاركاً القرائن الاخرى، بظنه أن «شهرته تبرهن على أن أساسه صحيح. لقد أورد السيوطي في إتقانه عدداً لا يستهان به من الأحاديث التي تذكر هذه الآية»(18).
هذه الرواية جاءت بطرق متعدّدة في الكتب الحديثية المعتمدة عند الأخوة المسلمين السنة، وغير متفق عليها بين فرق المسلمين، فعلى وفق مبانيهم الحديثية، هي صحيحة وتامة السند وقد تبلغ حد التواتر ـ وهذا ما تشبث به جلكريست ـ إلا أن الامر لا يُترك على عواهنه هكذا بدون محاكمة المتن وما فيه من تناقضات ومغايرةٍ لأسلوب وروح القرآن الكريم مما يسقطها عن الاعتبار، فيلاحظ عليها:
1. فقد وردت بألفاظ مختلف أحدها عن آخر، وهذا شيء لم يحصل في آيات القرآن الحقّة، إذ لو كانت الروايات أفادتها بلفظ موحد، لأمكن النظر فيها. هذا فقد أخرج الحاكم في مستدركه ـ وهو مما استدل به جلكريست(19) ـ «عن أبي بن كعب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم: إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، ومن نعتها لو أن ابن آدم سأل وادياً ... ، ويتوب الله على من تاب، وإن الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية، ولا النصرانية ، ومن يعمل خيرا فلن يكفره»(20).
ويلاحظ عليه: لماذا أمر الله النبي أن يقرأها على أُبي دون غيره من الصحابة، ولم يُعرف في تاريخ تراث المسلمين جميعاً، أن الله سبحانه يأمر نبيه بذلك لأحد الصحابة بما فيهم سيد الصحابة وأقضاهم وأقرأهم وأعلمهم، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، مما يجعل الرواية منكرة. ثانيأ: إن هذا اللفظ (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) هو لفظ من آية (رقم 1) من سورة البيّنة، ولا وجود لبقية لفظ الرواية الركيكة في سورة البينة في القرآن الكريم.
وأشار الشيخ الكوراني: بأن هذه الآية المخلوطة والمنقوصة المنسوبة إلى أُبي بن كعب، ثبت أنّها مكذوبة عليه وإن اسمه استُغل لإثبات الزيادة والنقص في القرآن(21).
2. ورد بلفظ آخر وجزء من سورة أخرى في ما أخرجه مسلم ـ وأيضاً مما استدل به جلكريست ـ قد نسيها أبو موسى الاشعري: «سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان...»(22).
3. في صحيح البخاري وردت بلفظ آخر، فجاء لفظ (وادياً ملأً من ذهب) بدلاً من (وادياً من مال) و(ولا يسدّ جوف) بدلاً من (ولا يملأ )(23) وأخرى (وادٍ من نخل )(24).
وكثيرة هي اختلافات الألفاظ ، بل المقاطع لهذه الرواية (الآية المدعاة) لا مجال لذكرها.
«ويبين أنه من كلام البشر، اختلاف الألفاظ فيه... وقد نزه الله سبحانه عن هذا الاختلاف ونفاه عنه بقوله تعالى: ) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ( (النساء: 82)، يعني: أنه لما كان من عند الله زال عنه الاختلاف»(25).
4. وفي مجمع الزوائد «عن ابن عباس قال: لو كان لابن آدم واديان من ذهب ... فقال عمر: ما هذا؟ قلت : هكذا أقرأنيها اُبي . قال: فمُرْ بنا إليه قال: فجاء إلى اُبي فقال: ما يقول هذا؟ قال اُبي: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم، قال: أفأثبتها في المصحف؟ قال : نعم»(26)، ويستغرب ويتعجب الشيخ الكوراني من سؤال الخليفة لاُبي بن كعب: (أفأثبتها في المصحف؟) فهل ان الملاك في كون اعتبار نصٍ من القرآن أو ليس منه، هو رأي اُبي بن كعب كما تقول هذه الرواية ؟ أو الملاك رأي الخليفة عمر أو رأي زيد بن ثابت كما تقول أخرى ؟ أو شهادة اثنين من الصحابة كما تقول ثالثة؟ إلى آخر التناقضات الواردة في هذه الروايات.(27)
5. منهم من عدّ هذا القول من الأحاديث القدسية، فقد ذكره المناوي (952 ـ 1031 هـ) كحديث قدسي وليس كآية في كتابه (الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية )(28)؛ لذا حاول ابن حجر العسقلاني ايجاد مخرج لذلك بأن «يَحْتَمِل أَنْ يَكُون النَّبِيّ صلى الله عليه [وآله]وسلم، أَخْبَرَ بِهِ عَنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْقُرْآن ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ الْأَحَادِيث الْقُدْسِيَّة ، وَاَللَّه أَعْلَم وَعَلَى الْأَوَّل [أي إنه من القرآن] فَهُوَ مِمّا نُسِخَتْ تِلَاوَته جَزْمًا وَإِنْ كَانَ حُكْمه مُسْتَمِرًّاً»(29)، وترى ابن حجر، قد دخل في عنق زجاجة أخرى لأن «القول بنسخ التلاوة هو نفس القول بالتحريف»(30).
ومثل هذا التعامل مع القرآن غير الصحيح من أي عاقل منصف، بدون قواعد وأسس قرآنية، وكأن المسألة، فوضى كلٌ يدلي بدلوه، وكأن النبي، المنوطة به مهمة حفظ القرآن وإيصاله إلى الامة كاملاً، قد ترك الامور على غاربها للآراء والاحتمالات والتكهنات. وكأن القرآن كأي كتاب عادي يمكن أن يدخله احتمال ورأي غير النبي فيه، ما هكذا تُقاس الامور. ما لكم كيف تحكمون.
وهذا الاختلاف الوارد في الروايات، ليس بالامكان أن يُعزى إلى أي وجه من وجوه الأحرف السبعة المحتملة ـ على فرض انحدارها عن النبي الكريم ـ ؛ لأنه ليس اختلاف في لفظ واحد معين فحسب، بل في سور ومقاطع كاملة بحسب هذه الروايات، وكذلك لم يقل بهذا الوجه أحد من الاحرف السبعة.

ثانياً ـ ما تسمى( بآية الرجم):
وتمثّل جلكريست للنسخ في القرآن أيضاً ما تدعى بآية الرجم «التي ادعى عمر أنها من القرآن، ولم تقبل منه»(31) وقد نقلها بألفاظ منها: «كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان المصحف، فمرّا على هذه الآية فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم، يقول: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) فقال عمر: لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم، فقلت: أكتبها ؟ فكأنه كره ذلك»(32).
ونفسه جلكريست أثبت التناقض الموجود في هذه الرواية، متجاهلاً السند أيضاً، إذ قال: «تتخلل هذا الحديث بغض النظر عن اسناده بعض التناقضات الواضحة في محتواه (متنه). يضع هذا الحديث عمر مع زيد وسعيد بن العاص في الوقت الذي كان فيه الاثنان معاً يكتبان القرآن وهذا الامر معروف بحدوثه بطلب من عثمان في فترة طويلة بعد وفاة عمر. كان عمر قلما يتحادث معهما»(33).
ويتساءل بغض النظر عن حكم الآية بعد نسخها، يتساءل عن عدم درجها عند جمع القرآن بقوله: «لا تعنينا هنا الانعكاسات أو التضمينات اللاهوتية والشرعية لمبدأ النسخ ولكن ما يعنينا فقط هو الجمع الفعلي للنص القرآني نفسه. السؤال هنا هو هل كانت هذه الآية مرة جزءاً من النص القرآني أو لا، واذا كانت جزءاً لماذا هي الآن محذوفة من صفحاتها؟»(34).
من المؤكد أنّ النبيّ نفسه لايستطيع أن يعطي رأيه أو يحتمل أو يرفع أو يثبت في القرآن، وإذا رأيناه أثبت أو أشار بوضع آية في موضع معين وغيره؛ فإنه لاينطق ولا يفعل ولا يقرر عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى: )قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَايُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ((يونس15).
وجلكريست، كفانا بعض المؤونة في تتمة سقوط هذه الروايات جميعها عن الاعتبار بمخالفتها صريح القرآن، قال: فإن «المشكلة هنا وكذلك فيما يخص الآيات الآخرى التي يعتبرها الحديث منسوخة هو أن المرء لا يجد سبباً واضحاً للنسخ ولا يدري ما هي الآية التي هي (أحسن منها أو مثلها) التي جاءت لتعوضها؛ لأن القرآن يعلن بصراحة في آيتين (البقرة: 106): ) ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أو نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أو مِثْلِها ( و(النحل 101): ) وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ( إن الله يبدل الآيات الاصلية بما هو خَيرٌ مِّنْهَا أو مِثْلُهَا»(35).
لقد فَهِمَ من كلمة (آية) بمعنى (الجزء من السورة )، ومن دون أن نستبق الأبحاث، سيتبين في المطلب اللاحق، أن مفردة (آية) في القرآن لها عدة معانٍ مشتركة فيما بينها، كالعلامة، المعجزة، الأمارة، الحكم، أو الجزء من السورة. وسيتضح هناك أنها تعني الحكم من أحكام الله سبحانه من دون باقي المعاني.
فهنا ـ بل في كل مرة ـ تعامل جلكريست مع ظاهر اللفظ للآيات، وهذه هي المشكلة الاساسية التي ابتُلي بها البحث القرآني مع المستشرقين، هي الفهم الخاطئ لظاهر الروايات والآيات القرآنية، بل قد صار منهجاً يتكئون عليه في إثارة الشبهات، إن أعوزتهم الحاجة لذلك، تاركين أسباب نزول الآية، تاركين تأويل الآية وجريها وانطباقها على أي مصداق، وتاركين ظروف ومناخ الآية التي نزلت فيها، والبحث الروائي الذي يتدخل مباشرة في رسم مسار الآية، تاركين العام والخاص والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه، وهناك اللفظ المشترك والمختص والمنقول والمرتجل، وهناك السياق والقرائن الداخلية والخارجية للآية، إذن توجد عدة علوم قرآنية تتدخل في فهم المفردة القرآنية وتحديد اتجاه الآية، وليس الأمر كما يحلو ويشتهيه المستشرقون.
فهم تركوا كل ذلك وتمسكوا بظاهر اللفظ الشايع الصناعي، وهذا الشيء وهذا الفهم من جلكريست، سوف لا يُقْنعُ أحداً سوى العوام من قرائه في بلاد الغرب؛ لأنهم لم تطرق أسماعهم تلك العلوم القرآنية، ولم يعرفوا بأن لها دخلاً في الفهم الصحيح للقرآن.
وعودة على ما تساءل به جلكريست مستغرباً: إذا كان القرآن يقول (نأتِ بخيرٍ منها)، فأين الآية الناسخة التي هي خير منها؟ ويمكن هنا استخراج مفهوم من منطوق جلكريست: بأن تلك الروايات معارضة للقران، ومعارضتها للقرآن تكفي لمحقها؛ لأن القرآن الكريم، هو المرجع والمحور الاساس، والشمس الساطعة التي من خلالها يتبين أيهم النجم المضيء واللامع من الأحاديث والروايات، كي نهتدي به.
ويكمل جلكريست قائلاً معززاً ما بدأ به: «الحديث الذي ذكرنا حول قتلى بئر معونة لم يذكر لنا الآية التي نزلت مكان الآية المنسوخة. نفس الشيء نلاحظه بالنسبة للآيات الأُخر التي ذكرنا، ما الذي عَوَّضها؟ أين الناسخ الذي وجب أن يأتي مكان المنسوخ؟»(36) لكن عدم وجود هذا الناسخ، يفرح به جلكريست ولا يستدل به على دحض تلك الروايات، بل يعدهٌ نقصاً واضحاً في القرآن من وجهة نظره التي تعد تلك الكتب المذكورة فيها تلك الآيات (المنسوخة)، هي أصح الكتب بعد كتاب الله، بذلك لا يمكن المناقشة في متونها على حد هذا الاعتقاد.
بينما في المقابل، قد «أجمع المسلمون على أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد كما أن القرآن لا يثبت به، والوجه في ذلك ـ مضافا إلى الاجماع ـ أن الامور المهمة التي جرت العادة بشيوعها بين الناس، وانتشار الخبر عنها على فرض وجودها لا تثبت بخبر الواحد فإن اختصاص نقلها ببعض دون بعض بنفسه دليل على كذب الراوي أو خطئه وعلى هذا فكيف يثبت بخبر الواحد أن آية الرجم من القرآن ، وانها قد نسخت تلاوتها، وبقي حكمها، نعم قد تقدم أن عمر أتى بآية الرجم وادعى انها من القرآن فلم يقبل قوله المسلمون، لان نقل هذه الآية كان منحصراً به، ولم يثبتوها في المصاحف»(37).
مضافاً إلى ذلك، يحلل العلامة الطباطبائي المسألة تحليلاً عقلياً بقوله: إن النسخ لا يتحقق من غير طرفين ناسخ ومنسوخ، وإن الناسخ يشتمل على ما في المنسوخ من كمال أو مصلحة، وإن الناسخ ينافي المنسوخ بحسب صورته و إنما يرتفع التناقض بينهما من جهة اشتمال كليهما على المصلحة المشتركة فإذا توفي نبي وبعث نبي آخر وهما آيتان من آيات الله تعالى أحدهما ناسخ للآخر كان ذلك جرياناً على ما يقتضيه اختلاف مصالح العباد بحسب اختلاف العصور وتكامل الأفراد من الإنسان،(38) فلا نسخ فيما لا يكون هناك ناسخ، فلنتساءل : ماذا يكون الناسخ هنا كي تتم عملية النسخ ويتحقق طرفا النسخ ؟ و كيف ينسخ لفظ الآية ويبقى حكمها إلى الابد؟ وأي فائدة في نسخ اللفظ حينذاك وهو سند الحكم الذي يجب بقاؤه مادام الحكم باقياً؟(39)  
***

المبحث الثاني
حقيقة ارتباط النسخ بجمع القرآن
المستشرق جلكريست، تشبث وتعلَّق بأهداب هذه الروايات، محاولةً منه صهر النصوص وجعلها في القالب الذي يخدم أغراضه، زيادةً على ذلك لقَّحها بالفهم غير الصحيح والمغلوط للآيات القرآنية؛ لتكتمل ولادة النتيجة المتقدمة الذكر: هي تحريف القرآن بحذف وتبديل آياته إذ قال منتقداً «تفترض هذه النظرية أن كل جزء من القرآن لم يتم ضَمُّه للمصحف وقت جمعه أو ألغي لسبب آخر وجب أن يكون الله قد نسخه؛ لهذا فلا شيء من القرآن قد فُقِد لأن ما وصلنا هو كل ما أراده الله أن يصلنا من القرآن»(40)؛ لذا سيدور النقاش، مدار ما استدل به (الرواية، والآية ).

تحرير محل النزاع:
يعتمد القائلون بهذا الرأي، وهو الرفع والازالة تماشياً مع المعنى اللغوي لهذه الكلمة، والمشهور بنسخ التلاوة دون الحكم ونسخ التلاوة والحكم أي رفع الآية كلياً، اعتمدوا على الآيتين الكريمتين:
الأُولى:الآية )مانَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أو نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أو مِثْلِها( (البقرة:106)، ففسروا كلمة ( آية) هنا بالجزء من السورة، ويكون المعنى على هذا: ما ننسخ من آية من آيات القرآن أو نمحها من الاذهان، نأت بآيات خير منها أو مثلها. وبذا قال جلكريست «يجب أخذ النص القائل بالنسخ بمعناه الذي فُهِم على أساسه اصلاً وليس كما يريده العلماء المعاصرون خدمة لأهوائهم الذاتية»(41).
الثانية: الآية ) وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ( (النحل: 101)، وفسروا أيضاً لفظ (آية) فيها بالجزء من السورة، ويكون المعنى على هذا: إذا بدلنا آية من آيات سور القرآن مكان آية أخرى.(42) «هذه الآية تدل بوضوح على استبدال وحذف بعض النصوص من القرآن نفسه فهي لا تقول إن الله استبدل كتاباً معيناً (التوراة أو الإنجيل) بكتاب آخر بل استبدل آية بأخرى»(43).

ولفك رموز هذا النزاع يتسلسل البحث بالآتي:
أولاً ـ دراسة موارد استعمال مادّة (آية): فإنّها في الإصطلاح الإسلامي استعملت في عدة معانٍ، ولمّا كانت مادّة (آية) مشتركة بين عدة معانٍ إصطلاحية ولغوية، واستعمل في جميعها في الكتاب والسنّة؛ لابدّ أن يأتي في الكلام قرينة دالّة على المعنى المقصود من الاية، كما هو شأن غيرها من الالفاظ الّتي لها معان متعددة ـ اللفظ المشترك‌ ـ(44).
«ولا شك في جواز استعمال اللفظ المشترك في أحد معانيه بمعونة القرينة المعيِّنة، وعلى تقدير عدم القرينة يكون اللفظ مجملاً لا دلالة له على أحد معانيه. كما لا شبهة في جواز استعماله في مجموع معانيه بما هو مجموع المعاني غاية الامر يكون هذا الاستعمال مجازاً يحتاج إلى القرينة، لانه استعمال للفظ في غير ما وضع له »(45).
ولنضرب مثالاً على المعنى المشترك في المصطلح الإسلامي بـ(الصلاة ): إنّ الصلاة كانت في اللّغة بمعنى الدُّعاء، ثم وُضعت لعدّة معان، منها: الصلاة اليومية وصلاة العيدين والجمعة والكسوف والخسوف وغيرها، فلابدّ في استعمالها من وجود قرينة تعيِّن المعنى المقصود من اللفظ، فيقال ـ مثلا ـ: إذا انخسف القمر وجب عليك أن تصلّي ركعتين، فيُفهم المراد بها صلاة الكسوف، وكذلك الشأن مع (الآية)، فإنّها لمّا كانت مشتركة في المصطلح الإسلامي بين عدّة معان لاتستعمل في الكلام دونما قرينة تدلّ على المعنى المقصود منها (46).
معنى (الآية) اللّغوي: العلامة الظاهرة على شي‌ء محسوس أو الأمارة الدالّة على أمر معقول(47)، مثال الأول (العلامة الظاهرة على شي‌ء محسوس) في حكاية قول زكريا: )قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيّاً ((مريم: 10)، أي قال اجعل لي علامة واضحة، ومثال المعنى الثاني (الامارة الدالّة على أمر معقول) قوله تعالى ) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ ( (يوسف: 10)، أي كم من أمارة تدل على قدرة الله وحكمته، أو غيرها من صفاته يمرون عليها وهم عنها معرضون.

ومعانيها الاصطلاحية المشتركة:
أ ـ معجزات الانبياء: ) هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً ( (الاعراف: 73)، فنفهم من ذكر الناقة أنّ المقصود من الاية، المعجزة للانبياء عليهم السلام(48).
ب ـ «الأشياء البارزة الملفتة للأنظار كالأبنية الشاهقة»(49) كما في قوله تعالى )أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ( (الشعراء: 128).
ج ـ بمعنى الحكم، قال الراغب في مفرداته: «ولكل جملة من القرآن دالة على حكم، آية سورة كانت أو فصولا، أو فصلاً من سورة »(50).
أي كلّ حكمٍ من شريعة الله جاء في فصل أو فصول من القرآن أو الكتب السماوية الاُخرى. ففي قوله تعالى: )وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْـحِكْمَةِ((الاحزاب: 34)، فبقرينة لفظي «مَا يُتْلَى» و«الْـحِكْمةِ» نفهم أنّ المراد من الآيات أحكام من الشرع الإسلامي جاءت في فصول من القرآن الكريم وحِكَم إلهيّة، وذلك بقرينة معنى: تلا الكتاب تلاوة: قرأه بتدبّر في معانيه، والتدبّر في المعنى يصدق على تفهّم معاني الاحكام. وكذلك (الحِكْمَة) يكون في ما جاء بمعاني الآيات(51).
د ـ بمعنى جزء من السورة مشخص بالعدد: وهنا يجب الإشارة إنّ لفظ (آية) جاء مفرداً أربعٌ وثمانون مرّةً، وجاءت بلفظ المثنى (آيتين) مرّة واحدة، وجاءت بلفظ الجمع (آيات) ثمانٌ وأربعون ومائة مرّة. وإنّ هذا المعنى (جزء من السورة مشخص بالعدد) للفظ آية لم يَرد في القرآن الكريم، إلا بغير لفظ الجمع، وقد قُصد من (الآية) هنا ألفاظ الجملة القرآنية دون معناها. كما في قوله تعالى: )الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْـمُبِينِ((يوسف: 1)، وقوله تعالى: )المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ( (الرعد: 1)، فنفهم من السياق )الر( والاشارة بـ )تِلْكَ (إليها، قرينة دالة على أنّ المقصود من الآيات، مجموعات تتكون من حروف كالالف واللاّم والرّاء. إذن فإنّ معنى الآيات هنا مجموعات لفظيّة اعتبر فيها تجمع الالفاظ دون المعنى، وهي المجموعات الّتي تشخّص بالاعداد، ومن مجموعها تتكوّن السورة.(52)
«وبناءً على القول بعدم وجود المشترك اللّفظي في القرآن، فلابدّ أيضاً من القول بلزوم وجود قرينة تدلّ على الفرد المقصود من مصاديق المعنى الكلِّي عند استعمال اللفظ الموضوع للمعنى الكلِّي وإرادة فرد خاص من مصاديقه. وبناء على ما قرّرناه لابدّ إذن من وجود قرينة في الموارد المذكورة في البحث على كلا التقديرين. إذن فإنّ الآية في الكتب السماوية، إمّا أن تكون اسماً لمعانٍ جاءت فيها وهي الأحكام أو اسماً لمجموعة كلمات مُيِّزت بالاعداد في القرآن الكريم »(53).

ثانياً ـ مناقشة الاستدلال بآية )ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أو نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أو مِثْلِها(:
فقد فسروا (آية) بمعنى الجزء من السورة وكذا قال جلكريست: «كلمة آية تعني هنا وفي حالات أخرى، النص القرآني نفسه كما هو مذكور في الآية 7 من سورة آل عمران: )هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ(... كذلك سورة هود الآية 1: )الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ( ... كلمة (آية) وردت كثيراً في القرآن وتعني عادة (علامة) من الله (يعني معجزاته الخارقة أو النذر إلى البشرية) لكن من الواضح إنه ليست هذه هي الآيات التي يقال إنها نُسِخت. الآية المذكورة لا تتحدث إلا عن آيات الكتاب ولايمكن أن تكون إشارات إلى المعجزات التي كان الله يظهرها من أجل إنذار عباده لأنها أحداث تاريخية محضة وقعت »(54).
يبدو أن جلكريست لا يختلف مع القول بأن كلمة (آية) من المشتركات اللفظية التي تحتاج إلى قرينة لتحديد المعنى المراد منها، لكنه صادر المطلوب في عدة أحيان ومنها هذه المرة، فقد حصر كلمة (آية) في معنيين فقط لا ثالث لهما: الأول بمعنى النص القرآني وجزء من السورة، والآخر: بمعنى المعجزة والعلامة الدالة لإنذار الناس؛ لكي يبقى في إطار ذينك المعنيين، فيقع الاختيار بدون شك وعناء على المعنى الأول دون الآخر.
وهذا الحصر ليس تامّاً، فقد ثبت قبل قليل إنها مشترك بين خمسة معانٍ، بينها اثنان لغوية وثلاثة في المصطلح القرآني الإسلامي، واُستعملت بجميع معانيها بكثرة في القرآن الكريم. وعلى هذا الغرار أدرج الراغب الأصفهاني تلك المعاني تحت قسمين عندما قال في الأول: يقال لكل جملة من القرآن دالة على حكم آية، سورة كانت، أو فصولاً أو فصلاً من سورة. وفي الثاني: وقد يقال لكل كلام منه منفصل بفصل لفظي آية. وعلى هذا اعتبار آيات السور التي تعد بها السورة(55) .
ويكون المعنى على قولهم (أن الآية تعني اللفظ الجزء من السورة): ما ننسخ من آية من سور القرآن، أو ننسها حكماً وتلاوةً، نأت بخير منها.  
ويقال في مناقشتها: أوّلا ـ ذُكر أن مادّة (الآية) مشتركة بين معناها اللّغوي وعدّة معان اصطلاحية واللفظ المشترك بين عدّة معان لا يستعمل في الكلام دونما وجود قرينة تشخّص المعنى المقصود من بين تلك المعاني(56).
فإن احتياج اللفظ المشترك إلى القرينة إنما هو لتعيين المراد، لكونه موضوعاً لمسميات متعددة، فحيث يطلق يدلّ على تلك المسميات. فلا يمكن حصول جميعها في الذهن، ولا البعض دون البعض؛ لاستواء نسبة البعض إليها(57) «لأنّه مع عدم نصب هذه القرينة لا يفهم المعنى من اللفظ كما هو واضح»(58).
ثانياً ـ السؤال هنا ما هي القرينة الصارفة إلى المعنى المعين في آية )ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أو نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أو مِثْلِها( ؟ «جاءت القرينة على المعنى المقصود من الآية في الكلام كالاتي: إنّ هذه الآية جاءت ضمن مجموعة آيات يعاتب اللّه فيها اليهود إن لم يؤمنوا بهذا القرآن وبشريعة خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله ولا بالإنجيل وشريعة عيسى بن مريم عليه السلام»(59) فقد قال اللّه تعالى فيها: ) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ( إلى قوله تعالى: ) وَلَـمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِـمَا مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ... ( ، ) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ... ( إلى قوله تعالى: ) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ... ( إلى قوله تعالى: ) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلاَ الْـمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أو نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أو مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ... وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ... ( (البقرة: الآيات 87-120)، وعلى هذا، «فإنّ معنى «ما نننسخ»: ما ننسخ من حكمٍ ـ مثل حكم القبلة والعيد في يوم السبت ـ من كتاب موسى عليه السلام التوراة، أو كتاب عيسى عليه السلام الانجيل، نأت بخير منها، حكم استقبال الكعبة في القرآن الكريم والعيد في يوم الجمعة، في الكتاب وسنّة الرسول صلى الله عليه وآله »(60).
وعليه جاء في تفسير الفخر الرازي ينقل جواب أبي مسلم بن بحر الأصبهاني (245-322 هـ): «المراد من الآيات المنسوخة هي الشرائع التي في الكتب القديمة من التوراة والإنجيل، كالسبت والصلاة إلى المشرق والمغرب مما وضعه الله تعالى عنا وتعبدنا بغيره، فإن اليهود والنصارى كانوا يقولون: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، فأبطل الله عليهم ذلك بهذه الآية»(61) ومن الناس من أجاب على هذا الاعتراض بأن الآيات إذا أطلقت فالمراد بها آيات القرآن لأنه هو المعهود عندنا، ولقائل أن يقول: لا نسلّم أن لفظ الآية مختص بالقرآن، بل هو عام في جميع الدلائل (62).
وهذا الكلام ليس معناه أن يقال بعدم وجود النسخ في القرآن فعلاً، وبنفس الوقت يمكن إثبات النسخ من طريق آخر أو بآية أخرى، بغير آية «ما ننسخُ من آيةٍ». وجاء في الميزان ما يؤكد القول المتقدم «إن كون الشيء آية يختلف باختلاف الأشياء والحيثيات والجهات، فالبعض من القرآن آية لله سبحانه باعتبار عجز البشر عن إتيان مثله، والأحكام والتكاليف الإلهية آيات له تعالى باعتبار حصول التقوى والقرب بها منه تعالى، والموجودات العينية آيات له تعالى باعتبار كشفها بوجودها عن وجود صانعها وبخصوصيات وجودها عن خصوصيات صفاته وأسمائه سبحانه، وأنبياء الله وأولياؤه تعالى آيات له تعالى باعتبار دعوتهم إليه بالقول والفعل وهكذا ...
ومن جهة أخرى الآية ربما كانت في أنها آية ذات جهة واحدة وربما كانت ذات جهات كثيرة، ونسخها وإزالتها كما يتصور بجهته الواحدة كإهلاكها كذلك يتصور ببعض جهاتها دون بعض إذا كانت ذات جهات كثيرة، كالآية من القرآن تنسخ من حيث حكمها الشرعي وتبقى من حيث بلاغتها وإعجازها ونحو ذلك. وهذا الذي استظهرناه من عموم معنى النسخ هو الذي يفيده عموم التعليل المستفاد من قوله تعالى: ) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ * أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ (»(63).
وورد في تفسير العياشي «عن يعقوب بن سعيد عن أبى عبدالله عليه السلام قال: سألته عن قول الله: ) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ( قال: خلقهم للعبادة، قال: قلت وقوله: )وَلايَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ( فقال: نزلت هذه بعد تلك»(64).
وعقّب العلامة الطباطبائي على الرواية قائلاً: «وفيها دلالة على أخذه عليه السلام النسخ في الآية أعم من النسخ الواقع في التشريع ... وبعبارة واضحة: الآية الأولى تثبت للخلقة غاية وهي العبادة... ، فالآية الثانية تثبت للخلقة غاية، وهو الرحمة المقارنة للعبادة والاهتداء ولا يكون إلا في البعض دون الكل والآية الأولى كانت تثبت العبادة غاية للجميع فهذه العبادة جعلت غاية الجميع من جهة كون البعض مخلوقاً لأجل البعض الآخر وهذا البعض أيضاً لآخر حتى ينتهي إلى أهل العبادة وهم العابدون المخلوقون للعبادة فصح أن العبادة غاية للكل، نظير بناء الحديقة وغرس الشجرة لثمرتها أو لمنافعها المالية»(65).
وفي شأن نزول الآية قال الشيخ مكارم الشيرازي: «الآية الاُولى تشير أيضاً إلى بُعد آخر من أبعاد حملة التشكيك اليهودية ضد المسلمين. كان هؤلاء القوم يخاطبون المسلمين أحياناً قائلين لهم إن الدين دين اليهود وأن القبلة قبلة اليهود، ولذلك فإن نبيّكم يصلي تجاه قبلتنا (بيت المقدس)، وحينما نزلت الآية ) قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْـمَسْجِدِ الْحَرامِ ( (البقرة: 144)، وتغيّرت بذلك جهة القبلة، من بيت المقدس إلى مكة، غيّر اليهود طريقة تشكيكهم، وقالوا: لو كانت القبلة الاُولى هي الصحيحة، فلم هذا التغيير؟ وإذا كانت القبلة الثانية هي الصحيحة، فكلّ أعمالكم السابقة ـ إذن ـ باطلة.القرآن الكريم في هذه الآية يردّ على هذه المزاعم وينير قلوب المؤمنين ويقول: ) ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أو نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أو مِثْلِها ( وليس مثل هذا التغيير على الله بعسير ) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (؟! الآية التالية تؤكد مفهوم قدرة الله سبحانه وتعالى وحاكميته في السماوات والأرض وفي الأحكام، فهو البصير بمصالح عباده: ) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ ( »(66).
أمّا قوله تعالى: «نُنْسِهَا» قال المستشرق جلكريست «أصلها من فعل نسي الذي يعني أينما وجد في القرآن فقدان الشيء من ذاكرة الإنسان »(67). وإن جلكريست يعتبرها بنفس المعنى الذي تعطيه كلمة (ننسخ) لذا يقول: كان الفهم العام لدى العلماء المسلمين من الاجيال الاولى هو أن أي جزء من القرآن ينسخه الله برمته كان يطلب من الناس أن ينسوه بالكامل (مَانَنْسَخ...أَوْنُنْسِهَا) أي ننسخها أو ننسها والكلمتان تعدان كياناً واحداً؛ لذا عندما كانت آية الرجم مخزونة في ذاكرة صحابي متميز مثل عمر، كان يفترض عند سحب النص من القرآن حقاً، أن تبقى كسنة، فان التعاليم والفروض المبينة في القرآن بقيت مع ذلك ملزمة كجزء من السنة النبوية(68).
فيقال هنا في كلمة (نُنْسِهَا) إمّا أن يكون من مادّة (أنساها ينسيها) أو من (أنسأها ينسئُها ). والإنساء إفعال من النسيان وهو بمعنى الإذهاب عن العلم والذكر وهو كلام مطلق أوعام غير مختص برسول الله صلى الله عليه وآله بل غير شامل له أصلاً(69) لقوله تعالى: ) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى * إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ ( فإذا «كان من مادّة (أنساها) يتضح معناها بعد التنبّه على أنّ اللّه سبحانه أرسل عشرات الاُلوف من الأنبياء في أُممٍ أُبيدت وانقرضت ممّن لم ترد أسماؤهم في القرآن، ولم يذكر الله أخبارهم فيه، وإنّما ذكر الله في القرآن أسماء بعض أنبياء بني إسرائيل والعرب الّذين عاشوا في المنطقة ـ الجزيرة العربية ـ وما حولها. وذكر بعض قصصهم وترك قصص سائر الانبياء أمثال هبة الله شيث بن آدم عليه السلام وعزير الّذي قال اليهود: إنّه ابن الله. ترك الله سبحانه قصص بعضهم. وعلى هذا يكون معنى «أَوْ نُنْسِهَا» ما ننس ممّا في كتب السابقين، نأت بخير منها وأكمل، مثل ما في القرآن وشريعة خاتم الانبياء»(70).
وإذا كان من مادّة (ينسئها) وأنسأه ينسئه، أي: «من نسيء نسيئاً إذا أخر تأخيراً فيكون المعنى على هذا: ما ننسخ من آية [ والآية هنا لا تعني الجزء من السورة] بإزالتها أو نؤخرها بتأخير إظهارها نأت بخير منها أو مثلها»(71).
وعلى هذا يكون المعنى: والحكم نؤخِّر تبليغه بما فيه خير للناس في ذلك الزمان مثل تأخير تبليغ نسخ حكم استقبال بيت المقدس إلى هجرة الرسول صلى الله عليه وآله إلى المدينة. وهذا المعنى هو المراد من «نُنْسِهَا» وليس المعنى الاوّل.(72)
ثالثاً ـ مناقشة الاستدلال بآية ) وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ( وقال جلكريست فيها: إن القرآن في هذه الآية يشير إلى آيات الكتاب نفسه وليس الكتب السماوية السابقة. وهذا بالذات السبب (أي ادعاء أن الله قد استبدل بعضاً من آياته القرآنية السابقة) الذي دفع خصوم محمد لاتهامه بالتزوير لأنهم اعتقدوا أن مسألة النسخ هذه لم تكن سوى ذريعة لتبرير نسيان محمد لنصوص سابقة أو لاستبدالها (73).
في مناقشة الاستدلال بهذه الآية يمكن القول بأنّ الآية هنا مما هو من قبيل المعاني أو الأعيان الخارجية كما في قوله تعالى: ) أَوَلَمْ يَكُنْ لَـهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ( (الشعراء: ١٩٧ ((74)؛ لأنها نزلت ضمن مجموعة آيات يتحدّث فيها الله ـ جلّ اسمه ـ عن القرآن وأدب قراءته، وتشكيك المشركين من أهل مكّة، وإدحاض افترائهم، حيث يقول ـ عزّ اسمه‌: ) فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ * وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( «إشارة إلى النسخ(*) وحكمته وجواب عما اتهموه صلى الله عليه [وآله]وسلم به من الافتراء على الله، و الظاهر من سياق الآيات أن القائلين هم المشركون و إن كانت اليهود هم المتصلبين في نفي النسخ»(75) )قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ * إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَـهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ * إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ ( (النحل: 98-105)، فمن خلال السياق يكون المعنى ) وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً ( أي: بعض أحكام القرآن المذكورة في فصلٍ أو فصولٍ منه، (مكان آية) أي: مكان بعض أحكام التوراة أو الانجيل المذكورة في فصلٍ أو فصولٍ من أحدهما، والله أعلم بما ينزِّل، وحكمته، ) قَالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ ( في ما أتيتَ به من الكتاب المجيد(76) ) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ( إذن فالآية أجنبية عن نسخ التلاوة (77).

«ويؤكّد ما ذُكر أربعة أُمور:
1 ـ بدء المجموعة بذكر القرآن.
2 ـ إيراد الضمير المذكور في «نَزَّلَهُ» فإنّه لو كان القصد من «نَزَّلَهُ»: الآية من السورة لكان ينبغي أن يقول ـ عزّ اسمه ـ‍ (نزّلها)، أي نزّل الآية من السورة، ولما أعاد الله ـ سبحانه ـ الضمير إلى المذكّر، ظهر أنّ المقصود من الآية هو القرآن أو حكم في القرآن، ولهذا أعاد الضمير إلى معنى (الآية) وهو القرآن أو الحكم المذكّر.
3 ـ حكايته قولهم بأنّه «يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ» وكان قصد المشركين من تعليم البشر تعليم البشر إيّاه القرآن أو بعض أحكام القرآن ـ معاذ الله ـ ولم يقصدوا تعليمه آية واحدة من القرآن.
4 ـ أمره الرسول باتباع ملة إبراهيم وقوله تعالى بعد ذلك: ) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ( (النَّحل: 124)، وهم بنو إسرائيل، ثمّ ختم الآيات بقوله تعالى: ) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ( (النَّحل: 118)» (78).
وهناك آيات أحكام من سورة النحل آية 113- 118« تذكر فيها محرمات الأكل ومحللاته ونهي عن التحليل والتحريم ابتداعاً بغير إذن الله وذكر بعض ما شرع لليهود من الأحكام التي نسخت بعد، وفي ذلك عطف على ما تقدم من حديث النسخ في قوله: ) وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ( وإشارة إلى أن ما أنزل على النبي صلى الله عليه وآله إنما هو دين إبراهيم عليه السلام المبني على الاعتدال والتوحيد مرفوعاً عنه ما في دين اليهود من التشديد عليهم قبال ظلمهم».(79) وقوله تعالى: )بَلْ أَكْثَرُهُمْ لايَعْلَمُونَ ( أي أكثر هؤلاء المشركين الذين يتهمونك بقولهم: )إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ( لايعلمون حقيقة هذا التبديل والحكمة المؤدية إليه بأن الأحكام الإلهية تابعة لمصالح العباد ومن المصالح ما يتغير بتغير الأوضاع والأحوال والأزمنة فمن الواجب أن يتغير الحكم بتغير مصلحته فينسخ الحكم الذي ارتفعت مصلحته الموجبة له بحكم آخر حدثت مصلحته (80).
« وأخيراً لم نجد في ما ذكروا من التفاسير رواية عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله أنّه فسّر لفظ (آية) في الموردين هنا بالاية الّتي هي جزء من السورة كما قالوا به، وإنّما نقلوا ذلك من المفسِّرين »(81).
وهكذا فإن الآيتين في المقام، بعيدتان عن الفهم الذي فهمه جلكريست والذي استلّه بطريقة وبأخرى من الموروث الإسلامي إشارة منه إلى نسخ التلاوة والحكم، ونسخ التلاوة دون الحكم كما قال: «هذه الآية [ آية ما ننسخ، أو آية وإذا بدلنا ] تدل على إمكانية نسخ (أي حذف وإلغاء) بعض المقاطع القرآنية في حين تنزل مقاطع جديدة تعتبر ناسخة معوضة لها »(82). بينما المستشرق واط، فهم فهماً مغايراً بعد أن ضرب مثالاً لنسخ الحكم دون التلاوة قال: «وعلى أية حال، فقد ظلت الآيات المنسوخة والآيات الناسخة معاً في النص القرآني »(83)، لكنه كما تقدم بيانه سابقاً بأنه يمكن إثبات وقوع النسخ (نسخ الحكم دون التلاوة كآية النجوى الغير مستلزم للتحريف) لكن بطريق آخر غير هذين الموردين.

خلاصة البحث ونتائجه
·  أولاً: من خلال ما تقدم لا يسع الباحث إلا أن يتوقف عند الروايات التي أصبحت أداة طيّعة بيد المستشرق للتشكيك بالنص القرآني، وحال لسانهم يقول: من فمكم أدينكم أيها المسلمون وهذه كتبكم المعتمدة عندكم ونحن نستشهد بها ولم نأت لكم بشىء من خارجها.
والمستشرقون لا أدري إن كانوا يعلمون أو لا، أن لا قيمة لهذه الروايات عند المنصفين والمعتدلين والعقلاء والمخلصين من علماء وأهل هذه الأمة، بل متغافلون أن مصداقية هذه الكتب بما فيها كتابى البخارى ومسلم، مختلفٌ عليه عند العلماء بين القبول والرفض، والمشكلة الأكبر مع من يصر حتى الآن من رجال الدين على رفض دعوة إعادة تقييم كتب الحديث المعروفة بكتب الصحاح على ضوء المعارف الحديثة والأسس التى وضعها العلماء لصحة السند والمتن معاً، وعدم الاكتفاء بصحة السند فقط، فإن كل من سيسلّم بصحتها ليس أمامه من مجال سوى التشكك فى مسألة وصول القرآن إلينا تاماً بالطريقة والأسلوب الذى أوحى به إلى محمد صلى الله عليه [وآله]وسلم(84) فحاولوا توجيه ما لديهم من روايات وحلاً لمعضلتها التي تستلزم نقصان القرآن، قالوا إنها من منسوخ التلاوة ولو فُرض الحكم باقياً إلى الابد، أو من منسوخ التلاوة والحكم معاً(85).
لذا فقد سعى أعداء الأمة منذ ظهور هذه الروايات فى منتصف القرن الثانى وأوائل القرن الثالث الهجرى (وهى المدة التى تم فيها تدوين السنة وسيرة الصحابة والنبى والمغازى وروايات جمع القرآن وغيرها) إلى الطعن فى سلامة القرآن واختلاق روايات أخرى ودسها والترويج لها بين المسلمين بعد وضع أسانيد معتمدة لها عند كبار علماء الحديث والجرح والتعديل، فبدأت هذه الروايات تشق طريقها بخطى متسارعة إلى كتب الصحاح والسيرة، حتى استقر لها الحال ووجدت لها موضع فى كتب الصحاح(86).
·  ثانياً: يمكن القول، إن جميع هذه الروايات مطروحة؛ لأن «قوة أي سلسلة تساوي فقط قوة أضعف حلقة فيها»(87) والحلقة الضعيفة في هذه الروايات، إنها «تخالف صريح القرآن الكريم، ولم يصح شيء من أسانيدها بتاتاً»(88) فتعارض قوله تعالى ) نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أو مِثْلِها ( مع ملاحظة أن تلك الروايات جميعها لم تصدر عن النبي ولم تُسند إليه، وهذا ما يحيلها عرضةً للشكوك.
وأكد السيد الخوئي: بأن نسخ التلاوة هذا إما أن يكون قد وقع من رسول الله صلى الله عليه وآله وإما أن يكون ممن تصدى للزعامة من بعده ، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول الله صلى الله عليه وآله فهو أمر يحتاج إلى الاثبات. وقد اتفق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد، بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه، وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب حتى بالسنة المتواترة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، وعلى ذلك فكيف تصح نسبة النسخ إلى النبي صلى الله عليه وآله بأخبار هؤلاء الرواة ؟ مع أن نسبة النسخ إلى النبي صلى الله عليه وآله تنافي جملة من الروايات التي تضمنت أن الاسقاط قد وقع بعده. وإن أرادوا أن النسخ قد وقع من الذين تصدوا للزعامة بعد النبي صلى الله عليه وآله فهو عين القول بالتحريف(89).
فالمسألة لا محيص منها (مانعة خلو) لا تخلو: إما الالتزام بسقوط هذه الروايات وأمثالها من العشرات عن الاعتبار، أو الالتزام بصحة واعتبار هذه الروايات ورفعها فوق مستوى الشبهات، وبالتالي «إن الالتزام بصحة هذه الروايات؛ التزام بوقوع التحريف في القرآن»(90)، ففي مقام تعارض الرّوايات، يسقط ما هو أضعف دلالةً وسنداً وما هو مخالف للقرآن الكريم، وهذه روايات موهمة لتحريف القرآن(91).
فيثبت بذلك سقوط هذه الروايات جميعها عن الاعتبار والنظر العلمي؛ لما تقدم، ولاصطدامها بالقاعدة المجمع عليها بين المسلمين والتي يجب الاعتماد عليها، ولا يمكن الاستغناء عنها، وهي «عدم وقوع التحريف في القرآن، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الاعظم صلى الله عليه وآله »(92).
·  ثالثاً: ثبت للباحث أن المصدر الرئيسي لشبهات المستشرقين في موضوع جمع القرآن، هو التراث الحديثي الإسلامي، ولنقترب أكثر من التشخيص وتحديداً (التراث الإسلامي السني) والذي أخذ بعنق الباحث لهذه النتيجة، دليلٌ يفرض نفسه، وهو: أن المستشرق جلكريست، استدل على شبهاته بروايات وأحاديث جمّة، ولا توجد فيها رواية واحدة في كتابه من الفريق الثاني (التراث الإسلامي الشيعي ).
·  رابعاً: تعمد المستشرقين التفسير الخاطئ، المتعمد في فهم الآيات القرآنية، ومثاله جلكريست فاعتمد التفسير الخاطئ للآيات القرآنية، قائلاً: «إن محمداً لم ينس بعض الآيات تلقائياً بل الله هو الذي أنساه إياها مقيماً بذلك عبرة للمسلمين ... القول بأن النسيان كان من الله يعتمد على الآية التالية: ) نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أو مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ( (البقرة: 106)، كلمة ننسها أصلها من فعل نسي الذي يعني أينما وجد في القرآن ـ وردت 45 مرة على مختلف الأشكال ـ فقدان الشيء من ذاكرة الإنسان »(93).

* المصادر والمراجع *
خير ما يُبتدئ به كتاب الله القرآن الكريم
أولاً- المصادر والمراجع العربية:
الأصفهاني: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (502 هـ ـ 1108 م)
المفردات في غريب القرآن، ضبطه: محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، بيروت، ط4، 2005م.
البخاري : محمد بن إسماعيل بن إبراهيم محمد بن إسماعيل أبو عبدالله الجعفي (ت 256هـ ).
الجامع الصحيح المختصر المعروف بصحيح البخاري، تح: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة ـ بيروت، ط3 ـ 1987م.
ابن حنبل ،أحمد: أبو عبد الله بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت 241هـ ).
مسند أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة ـ القاهرة، ط: بلا (د.ت).
الحاكم: محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري (ت 405هـ) .
المستدرك على الصحيحين، تح: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1- 1990.
الخوئي، أبو القاسم بن علي أكبر بن هاشم تاج الدين الموسوي (1899 ـ 1992م).
البيان في تفسيرالقرآن، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، ط3- 1974.
الرازي: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الملقب بفخر الدين (ت606هـ).
تفسير مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط3، 1420هـ.
السيوطي :جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 هـ) .
الإتقان في علوم القرآن، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة المشهد الحسيني، القاهرة،ط: بلا، 1967 م.
الشيرازي: ناصر بن محمد كريم بن محمد باقر مكارم (1345 هـ شيراز معاصر).
الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، الاميرة للطباعة والنشر- بيروت، ط2- 2009م .
الطباطبائي: محمد حسين، (ت 1402 هـ )
الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط1، 1997م.
العاملي: الشيخ جمال الدين الحسن نجل الشهيد الثاني زين الدين (ت 1011هـ)
معالم الدين وملاذ المجتهدين، تح: لجنة التحقيق، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ـ ايران، ط: بلا (د.ت).
عبد الحميد، هشام كمال.
الحقيقة والاوهام في قضية جمع القرآن، دار البشير- القاهرة، ط1- 2011م.
العسقلاني: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر الشافعي (ت 852 هـ).
فتح الباري في شرح صحيح البخاري، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة ـ بيروت، 1379هـ .
العسكري: السيّد مرتضى بن السيّد محمّد إسماعيل بن محمّد شريف (ت 1428 هـ ).
القرآن الكريم وروايات المدرستين،المجمع العالمي لأهل البيت، بيروت ط1- 2010م.
العياشي: أبى النضر محمد بن مسعود بن عياش، السمرقندي.
تفسير العياشي، تح: الحاج هاشم الرسولى المحلاتى، الناشر: السيد الجليل الحاج السيد محمود الكتابى واولاده صاحب، المكتبة العلمية الإسلامية، إيران ـ طهران، ط: بلا (د.ت) .
القدسي، أحمد .
انوار الاصول، تقريراً لأبحاث الاستاذ آية اللّه العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام، ط: بلا .
الكوراني: الشيخ علي الكوراني العاملي، (معاصر).
تدوين القرآن، الناشر: دار القرآن الكريم، المطبعة: باقري، ط1، 1418هـ .
المحمدي: د فتح الله.
سلامة القرآن من التحريف، دار مشعر، إيران ـ طهران ـ 1424هـ، ط: بلا.
مسلم، بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري (ت 261هـ).
صحيح مسلم، تح: محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1- 1955م.
المظفر: محمد رضا، (ت 1383 هـ ).
اصول الفقه، تح: صادق حسن زادة المراغي، منشورات العزيزي، قم المقدسة، ط2- 2007م.
معرفة، محمد هادي .
التمهيد في علوم القرآن، مؤسسة التمهيد، إيران ـ قم المقدسة، ط1- 2007م.
مقدمتان في علوم القرآن:
مقدمة كتاب (المباني لنظم المعاني) ومقدمة ابن عطية، تصحيح: المستشرق، آرثر جفري، مكتبة الخانجي ـ مصر، ومكتبة المثنى ببغداد، المطبعة: السنة المحمدية ـ 1954م .
المناوي:زين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (ت 1030هـ).
الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية، دار ابن كثير، دمشق- بيروت، ط: بلا (د.ت).
الهيثمي: نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان، (ت 807 هـ).
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الفكر، بيروت ـ 1412 هـ، ط: بلا.

ثانياً ـ الكتب الاجنبية:
Gilchrist, John
Sharing the Gospel with Muslims, life challenge assistance network, Kenya , 2003
JAM' AL-QUR'AN, publisher: jesus to the muslims, republic of south Africa –benoni , printers in : industrial press 1989  
الكتاب المقدس هو كلمة الله، ط1، 1987.   The Good Way
CH ـ 8486 Rikon, Switzerland
وات، مونتجمري، (ت 2006م).
الإسلام والمسيحية، ترجمة د عبد الرحمن عبد الله الشيخ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط: بلا، 1998م .

ثالثاً ـ مواقع شبكة الانترنت :
مجموعة تسجيلات فديو لمناظرات بين المستشرق جون جلكريست وبعض من علماء المسلمين على الرابط:
http://www.youtube.com/results?search_query=Shabir+Ally+John+Gilchrist&oq=Sha

* هوامش البحث *
كتاب: تقاسم الإنجيل مع المسلمين، لجون جلكريست، ص9.
Gilchrist, John, Sharing the Gospel with Muslims See, p9.
(2) تسجيل فديو لمجموعة من المناظرات بين جلكريست وشبير، في موقع اليوتيوب على الرابط:
http://www.youtube.com/results?search_query=Shabir+Ally+John+Gilchrist&oq=Sha
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p,20
sse, Ibid , p 82
85, Ibid, p
84, Ibid, p
Ibid, p84.
ظ: الطباطبائي، تفسير الميزان، ج1، ص246-247، تفسير سورة البقرة، آية 106.
الطباطبائي، تفسير الميزان، ج1، ص69، تفسير سورة البقرة. آية 21-25.
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p 86
Ibid, p86.
Ibid, p85.
صحيح البخاري، ج4، ص1913، رقم الحديث: 4719، باب القراء من اصحاب النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم.
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p 88.
السيد الخوئي، البيان، ص285.
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, see p87.
مسند أحمد، ج36، ص237، رقم الحديث، 21906.
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p 89.
See, Ibid, p 90 .
الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، بتعليق الذهبي، ج2، ص244.
ظ: الكوراني، تدوين القرآن، ص124.
صحيح مسلم، ج3، ص100، رقم الحديث، 2466.
ظ: صحيح البخاري، ج5، ص2365، رقم الحديث، 6074، باب ما يتقي من فتنة المال.
ظ: مسند أحمد بن حنبل، ج3، ص341، الحديث، 14706، باب مسند جابر بن عبد الله رضوان الله عليه.
مقدمتان في علوم القرآن، تح، المستشرق آرثر جفري، ص85.
الهيثمي، مجمع الزوائد، ج7،ص296، رقم الحديث،11510، باب سورة لم يكن.
ظ: الكوراني، تدوين القرآن، ص122.
ظ: المناوي، عبدالرؤوف بن تاج العارفين، الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية، ص37.
ابن حجر العسقلاني: فتح الباري، ج11، ص258. باب ما يتقى من فتنة المال.
السيد الخوئي، البيان في تفسير القرآن، ص285.
السيد الخوئي، البيان، ص 202.
السيوطي، الاتقان، ج3، ص86. ونقلها جلكريست بلفظ آخر، عن كتاب موطأ الامام مالك،ج3، ص58. ينظر:   Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p, 94-96
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p, 94
Ibid, p, 94
Ibid, p , 87-86
Ibid, p,87.
السيد الخوئي، البيان، 285.
ظ: الطباطبائي، الميزان، ج1، ص249، تفسير سورة البقرة، آية106-107.
معرفة محمد هادي، التمهيد في علوم القرآن، ج8، ص26.
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p,86.
Ibid, p , 85.
ظ: العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين،ج2، ص 291.
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p,85.
ظ: العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين،ج2، ص 288.
المظفر، محمد رضا، اصول الفقه، ج1، 25.
ظ: العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين،ج2، ص 288-289.
ظ: المفردات للاصفهاني، ص34.
ظ: العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج2، ص287-288.
الشيرازي، ناصر مكارم، تفسير الامثل، ج1، 330.
 الراغب الاصفهاني، مفردات غريب القرآن، ص41-42.
ظ: العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج2، ص287-289.
ظ:العسكري، مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج1، ص282-283.وينظر:م. ن: ج2، ص287-289.
م . ن: ص289.
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p,83
ظ: الراغب الاصفهاني، مفردات غريب القرآن، ص41-42.
ظ: العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج2، ص293.
ظ: العاملي، جمال الدين الحسن نجل الشهيد الثاني زين العاملي، معالم الدين وملاذ المجتهدين، ص125.
القدسي، أحمد، انوار الاصول، تقريراً لأبحاث الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ص97.
العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج2، ص293.
العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج2، ص294.
تفسيرالرازي، تفسير مفاتيح الغيب، ج3، ص639.
ظ: م . ن: الصفحة نفسها.
الطبابائي، تفسير الميزان، ج1، ص247، تفسير سورة البقرة، آية 106-107.
تفسير العياشي، ج1، ص165.
الطباطبائي، تفسير الميزان، ج1، ص251، تفسير سورة البقرة، آية 106-107.
الشيرازي، ناصر مكارم، تفسير الامثل، ج1، ص327.
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p 30.
see, Ibid, p 93.
ظ: الطبابائي، تفسير الميزان، ج1، ص250-251، تفسير سورة البقرة، آية 106-107.
العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج2، ص294.
الطباطبائي، تفسير الميزان، ج1، ص251، تفسير سورة البقرة، آية 106-107.
ظ: العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج2، ص294.
see, Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p,85.
ظ: الطبابائي، تفسير الميزان، ج10، ص7، تفسير سورة يونس، آية1.
(*) النسخ هنا ليس بمعنى الازالة والرفع والحذف؛ لأن العلامة الطباطبائي بيّن ذلك في موضع آخر قائلاً: ((وكيف كان فالنسخ لا يوجب زوال نفس الآية من الوجود و بطلان تحققها بل الحكم)) الطباطبائي، الميزان، ج1، ص246، تفسير سورة البقرة، آية 106-107.
م . ن: ج12، ص345، تفسير سورة النحل، آية 99- 101.
ظ: العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج2، ص296.
ظ: الطبابائي، تفسير الميزان، ج12، ص131، تفسير سورة الحجر، آية 1-9.
العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج2، ص296.
الطبابائي، تفسير الميزان، ج12، ص361، تفسير سورة النحل، آية 12.
ظ: م. ن : ج12، ص346، تفسير سورة النحل ، آية 101.
العسكري ، سيد مرتضى، القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج2، ص297.
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN, p,83
وات، مونتجمري، الإسلام والمسيحية، ترجمة: عبد الرحمن عبد الله الشيخ،ص56.
ظ: عبد الحميد، هشام كمال، الحقيقة والاوهام في قضية جمع القرآن، ص94، و ص122.
ظ: هادي معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج8، ص24.
ظ: عبد الحميد، هشام كمال، الحقيقة والاوهام في قضية جمع القرآن، ص94، و ص122.
جلكريست، الكتاب المقدس هو كلمة الله، ص8.
معرفة، محمد هادي، التمهيد في علوم القرآن، ج8، ص25.
ظ: السد الخوئي، البيان، ص205-206.
السيد الخوئي، البيان، 201.
ظ: المحمدي، د فتح الله، سلامة القرآن من التحريف، ص32.
السيد الخوئي، البيان، 200.
Gilchrist, John, JAM' AL-QUR'AN:P, 30
***